خبر تحقيق غير كاف..هآرتس

الساعة 09:10 ص|24 ابريل 2009

بقلم: أسرة التحرير

نائب رئيس الاركان، اللواء دان هرئيل، بسط أول امس امام الجمهور ووسائل الاعلام استنتاجات التحقيقات الميدانية التي اجراها الجيش الاسرائيلي في أعقاب اصابة المدنيين الفلسطينيين واملاكهم في حملة "رصاص مصهور". النبرة البارزة في اقواله كانت المديح الذاتي على مستويين – التحقيق نفسه وجوهر التحقيقات.

برأي هيئة الاركان، وفي اعقابها ايضا وزير الدفاع ايهود باراك، الذي سارع الى الترحيب بالاستنتاجات، فان الجيش الاسرائيلي ليس فقط الجيش الاكثر اخلاقية في العالم بل الجيش الذي يحقق مع نفسه اكثر من كل الجيوش ايضا. وهو لا يخشى الكشف عن نقاط ضعفه، داخل بيته على الاقل كي يصلح الاخطاء ويتحسن؛ ولشدة فرحته يتبين له المرة تلو الاخرى بان نقاط ضعفه ليست كثيرة جدا.

لا حاجة لان نثير هنا بحثا في صحة القرار بالخروج الى عملية عسكرية واسعة في غزة كي نلاحظ شكل وقوة استخدام النار في الحملة. فالجهود لتقليص اصابة جنود الجيش الاسرائيلي لا ينبغي أن تشكل مبررا لاصابة سائبة او متهورة للمدنيين. وحتى حسب معطيات الجيش، التي عرضها نائب رئيس الاركان، فقد قتلت قواته بيقين 295 مدنيا فلسطينيا و 162 رجلا آخر "لم يشخصوا كنشطاء ارهاب". وهذا ثمن دموي باهظ لا يمكن تبريره فقط بالحجة العادية في أن منظمات الارهاب العامل في اوساط السكان المدنيين هي المسؤولة الحصرية عن معاناتهم. من الصعب قبول هذا الزعم في أن قتلا كهذا تسبب فقط باخطاء استثنائية ارتكبها افراد وفي ظل الحفاظ على "مستوى اخلاقي ومهني عال"، على حد قول اللواء هرئيل.

حقيقة هي أن المقاتلين الذين شاركوا في الحملة، وليس فقط المراقبين الاسرائيليين والاجانب المشتبه بهم بالمزايدة والازدواجية الاخلاقية، ثاروا على ما رأوا، سمعوا، بل واحيانا فعلوا في غزة. هذه الثورة، التي يتنكر لها الجيش الاسرائيلي الرسمي ويحاول تقزيم العوامل المؤدية لها، نشرها في "هآرتس" عاموس هرئيل وأثارت عاصفة. طرح نتائج التحقيق بدا كدفاع متأخر، والاحرى ايضا لان كبار مسؤولي الجيش والحكومة يخشون من اجراءات قضائية ضدهم خلف البحار.

الجيش الاسرائيلي حقق وبرأ نفسه. حسب حكمه، صحيح أنه كانت نقاط خلل واستثناءات ولكن هذه قليلة فقط بالنسبة لحجم النشاط الكبير في غزة. الفلسطينيون، كما يعترف الجيش الاسرائيلي باستقامة متأخرة، كانوا محقين احيانا – وان كانت نادرة – في ادعاءاتهم باصابة غير مبررة للمدنيين؛ مثلا في الحالات التي كشفت عنها مراسلة "هآرتس" عميرا هاس. او في قضية اطلاق الفوسفور الذي اعترف الجيش الاسرائيلي به متأخرا وبعد سلسلة من النفي.

احد الجوانب الاكثر اقلاقا لتحقيقات غزة هو القطيعة التي بين المستويات العليا والدنيا – تلك القطيعة التي طرحها خطاب المقاتلون في الحملة، والذي جرى في المعهد على اسم رابين ونشر في "هآرتس". فوق، في هيئة الاركان في تل أبيب او في قيادة المنطقة الجنوبية في بئر السبع، جرت مسيرة ثابتة من التفكير، التخطيط والتوجيه، ولكن في الطريق الى الاسفل تذوب السياسة، وتضيع الاوامر ويتشوش التنفيذ. لا دليل على أنه في هذا المجال تحسن الجيش الاسرائيلي منذ قاتل في لبنان في صيف 2006. ادعاء وزير الدفاع باراك ورئيس الاركان غابي اشكنازي في اعادة بناء الجيش الاسرائيلي لا يزال يحتاج الى تحقق أكمل بكثير.