خبر تحقيق غير مستنفد -هآرتس

الساعة 09:31 ص|23 ابريل 2009

بقلم: عاموس هرئيل

 (المضمون: السلوك الاسرائيلي في غزة في اثناء "رصاص مصهور" يحتاج الى بحث جماهيري عميق لن يجري في الظروف الحالية التي يكفي فيها مكالمة هاتفية من الناطق العسكري لتغيير العناوين الرئيسة كي تثني على الجيش بدل انتقاده - المصدر).

التحقيقات الخمسة  المفصلة التي عرضها الجيش الاسرائيلي على وسائل الاعلام تعكس انشغالا تفصيليا بالاشجار في ظل رفض عنيد للبحث في الغابة.

مهمة التحقيق، التي استمرت نحو ثلاثة اشهر كانت جذرية وشاملة (وهي تضع في ضوء مشكوك فيه بعض الشيء البراءة الفورية التي وفرها النائب العسكري العام للجيش في قضية شهادات خريجي معهد رابين، في غضون اسبوع ونصف الاسبوع). ولا تزال تبقى عدة مسائل ذات اهمية تتعلق بالقتال في غزة دون جواب مقنع. فممثلو الصحافة الاجنبية على الاقل، ممن رأوا عن كثب الدمار والقتل في القطاع، لم يتأثروا على نحو خاص بجهود الجيش الاسرائيلي لفرض روايته للاحداث على الواقع في الميدان.

على مدى اكثر من ساعتين استعرضت امس مجموعة من كبار الضباط نتائج التحقيقات امام الصحافيين. للجيش الاسرائيلي توجد اجوبة جيدة لمعظم الادعاءات التي وجهت ضده. بعض من الادعاءات التي عرضتها حماس بل والامم المتحدة – دحضت. في حالات اخرى، ارتكبت في الميدان اخطاء ادت الى نتائج فتاكة، ولكن حتى في الحادث الذي ادى خطأ الاستخبارات الى قتل 21 مدنيا بقصف منزل عائلة الدية كان هذا خطأ يمكن يفهمه حين يدور الحديث عن قتال في محيط بهذا التعقيد.

المشكلة المركزية الناشئة عن الاستعراض للصحافة هي مشكلة اخرى. باستثناء 5 دقائق من الخطاب الحماسي قبيل نهايته، انطلق فيه قليل جدا من التطرق للمسائل الجوهرية الناشئة عن القتال. هاكم بعضها:

•حتى حسب الرواية المخففة للجيش الاسرائيلي، قتلنا في غزة 295 مدنيا معظمهم نساء واطفال – و 162 رجلا اخرين لم تثبت علاقاتهم بنشاط ارهابي (المنظمات الدولية تذكر عددا مضاعفا، على الاقل، من المدنيين القتلى). وتتناول التقارير على نحو مباشر موت بضع عشرات منهم. فكيف قتل كل الباقين؟ مفهوم ان في مثل هذه الحرب يوجد ضرر محيطي شديد، ولكن اذا كان الجواب المبطن هو انه "عند قطع الاشجار تتطاير الشظايا"، فليس في ذلك تفسير مستنفد.

التفسير، على ما يبدو، يكمن في طبيعة الوسائل المستخدمة . في الجيش الاسرائيلي يتباهون بان نسبة هائلة من السلاح الذي اطلق كان سلاحا جويا دقيقا. ولكن، عند القاء قنبلة بوزن طن على منطقة مبنية بكثافة (وبمنازل رخيصة)، فان الاصابة بدقة متوسطة لثلاثة امتار عن الهدف ستؤدي الى قتل كثير في المنازل المحيطة. والى جانب سلاح الجو، استخدمت نار برية مكثفة. قذائف دبابات في قلب غزة قتلت مدنيين ومثلها ايضا قنابل الهاون الحديثة التي استخدمها الجيش الاسرائيلي (وقذيفة الهاون تصيب في داخل مربع 50 على 50 متر ليست "سلاحا دقيقا" حتى لو ادعى الجيش انها كذلك).

•صحيح انه اتخذت وسائل حذر كثيرة. ولكن نثر ملايين المناشير و 165 مكالمة هاتفية الى منازل القطاع لا تضمن بأن يكون للسكان بالضرورة مكان يفرون اليه، او تكون لهم حصانة من الاصابة في اثناء الحركة في المنطقة المفتوحة. صحيح ان الجيش الاسرائيلي هدأ الروع في ان القنابل الفوسفورية والمدفعية الاخرى لم تطلق الا نحو المناطق المفتوحة، ولكنه يتملص من الاجابة على السؤال كيف يعرف المنطقة المفتوحة. في فحص مع رجال المدفعية ومقاتلي المشاة الذين شاركوا في الحملة، يتبين ان التعريفات كانت ليبرالية جدا وان المسافة المطلوبة عن المنازل المأهولة اخذت في القصر في قسم من الجبهات بقدر ما طال القتال.

•هل كان هدم المنازل "متوازنا"، كما يقضي التحقيق؟ "التوازن" هو مسألة تفسير. ليس هذا ما اعتقده بعض من رجال القانون الذين رافقوا التحقيق. بينما يروي ضابطان من سلاح المشاة قاما بادوار اساسية في القتال بأنه "ببساطة سطحنا احياء".

لا خلاف ان العدو الذي قاتلناه في غزة هو اشر الاشرار، استخدم المدنيين استخداما ساخرا. صحيح ايضا ان الجيش الاسرائيلي قتل مدنيين اقل مما قتلت جيوش اخرى في ظروف مشابهة. ولكن لا يزال موت مئات المدنيين الفلسطينيين قد تم لانه كان للجيش (وللقيادة السياسية) مهمة انهاء الحملة بخسائر طفيفة لقواتنا. في غزة جرى تبني نظرية شفوية اعتقدت "صفر مخاطرة" على حياة الجنود حتى لو كانت محتملة الاصابة، لهذا الغرض، بمدني العدو.

ضابط كبير شرح امس بانه "يرفض الاعتذار على انه قتل لنا فقط عشرة جنود في غزة"، وادعى بان "عملنا في غزة حسب روح الجيش الاسرائيلي". ولكن في الجيش يوجد بالذات قادة الوية يدعون (بهمس، كي لا يسمعهم رئيس الاركان) بان سياسة فتح النار كانت مبالغة فيها ومتسامحة جدا. ليس كل الضباط يوافقون على الفرضية الاساس والتي بموجبها كل مراعاة اخرى لحياة المدنيين الفلسطينيين كانت ستكلف بالضرورة بقتل جنود كثيرين. احيانا، كان ممكنا خلاف ذلك ايضا. في السنوات الاربع الاولى من الانتفاضة اغتال سلاح الجو عشرات المخربين في القطاع، في ظل قتل كثيف للابرياء. في كل مرة عرض فيها المراسلون الاسئلة اجابوا في الجيش بانه لا يوجد بديل اخر. الى ان جاء اليعازر شكدي ليحل محل دان حالوتس في قيادة سلاح الجو، وانزل قتل المدنيين الى قرابة 70 في المائة.

السلوك الاسرائيلي في غزة في "رصاص مصهور" يستوجب بحثا جماهيريا اعمق، ليتلخص في "كل الاحترام للجيش الاسرائيلي". هذا لن يحل على ما يبدو في هذه الجولة من القتال. ليس لدى رئيس الاركان الحالي (الذي فضل ان يرسل امس نائبه ليقف امام الميكروفونات)، ليس في الاجواء الجماهيرية الحالية، وليس ايضا في الواقع الاعلامي الذي يكفي فيه ترتيب مكالمة هاتفية غاضبة من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي لتغيير العناوين الرئيسة في غضون دقائق في عدة مواقع للانترنت الى صيغة  تثني على جيشنا جميعنا.