خبر الرئيس أحمدي نجاد: كانوا سينسحبون على كل حال ..بقلم: زياد ابوشاويش

الساعة 06:39 ص|21 ابريل 2009

يعتقد البعض ممن تابعوا الشطر الأخير من التحضيرات لمؤتمر ديربان2 لمكافحة العنصرية أن انسحاب وفود الدول الغربية بالكيفية التي رأيناها في جلسة الافتتاح أثناء كلمة الرئيس الايراني أحمدي نجاد جاءت للرد على ما أثاره الزعيم الايراني حول عنصرية الكيان الصهيوني، غير أن الحقيقة تقول غير هذا نظراً لعوامل وتحركات ومظاهر تؤكد أن هذا الانسحاب كان سيحدث حتى لو لم يتناول الرئيس الايراني اسرائيل بالاسم.

 

أبرز هذه التحركات والعوامل هي انسحاب الدول الكبرى الدائرة في فلك الولايات المتحدة بعد أن بادرت هي بذلك تحت ذريعة الصيغة التي كتب بها مشروع البيان الختامي الذي يشير لعنصرية إسرائيل وممارسات الاحتلال برغم أن الصيغة الواردة كانت مخففة جداً ولا تتناول الكيان الصهيوني بطريقة مباشرة كما لا تقترب من صيغة بيان ديربان1. ورغم اتفاق أغلبية الأطراف الفاعلة في التحضير للمؤتمر بأن مثل هذه الصيغة مناسبة لنتيجة المؤتمر ولا يحرج حلفاء الكيان الصهيوني إلا أن النتيجة كان عملية خداع لشركاء عديدين في الاعداد للمؤتمر،حين قامت أمريكا بالانسحاب ومعها كندا والمانيا وهولندا واستراليا وبالطبع إسرائيل.

 

التحرك الآخر والداعم لاستنتاجنا هو ما قامت به إسرائيل ذاتها من تحريض على المؤتمر بحجج وذرائع مختلفة من بينها حضور الرئيس الايراني من حيث المبدأ، وقامت بتوزيع إعلانات وتهديدات بمختلف الأشكال والطرق بما فيها استخدام فتيات يحملن صورة أحمدي نجاد وعليها كلمات تحريضية ومطالبة بمقاطعته ورفض وجوده تحت ذريعة إنكاره المحرقة النازية، ووصل الأمر حد سحب السفير الاسرائيلي من سويسرا بسبب استقبال الرئيس السويسري للرئيس الايراني.

 

والعامل الثالث أو المظهر المؤيد لما ذهبنا إليه حول المقاطعة والانسحاب أثناء كلمة نجاد هو تهديدات هذه الدول بالذات بأنها ستنسحب لو أشار الرجل من قريب أو بعيد لإسرائيل رغم معرفتهم المسبقة بأنه سيفعل ولن يتراجع عن موقفه المبدأي تجاه قيام اسرائيل ووصفه لها بالعنصرية، وكان أحرى بهم الغياب عن الكلمة لكنهم تعمدوا الانسحاب بالكيفية التي رأيناها حتى يصوروا للعالم أن فشل المؤتمر أو بالأحرى فشلهم في التعامل بمعيار واحد مع كل مظاهر العنصرية وممارساتها إنما تسبب به حضور الرئيس الايراني وكلمته الناقدة لهم ولربيبتهم إسرائيل.

 

لقد كان السيد نجاد محقاً حين وصف انسحابهم أثناء الكلمة التي ألقاها بأنه شكل من العنصرية والتمييز ضد كل صوت حر وشجاع في تناول ما تقوم به إسرائيل التي قال عنها السيد نجاد أنها دولة عنصرية صنعها الغرب وهؤلاء الذين انسحبوا بالذات في فلسطين عبر إلقاء المزيد من اليهود باتجاهها بعيد الحرب العالمية الثانية وأثناءها.

 

والمظهر الأخير الذي لاحظه الجميع هو ما ركزت عليه وسائل الاعلام الغربية والمسيطر عليها من اللوبي اليهودي حول مظاهرات الاحتجاج على حضور أحمدي نجاد والسماح لبعض المهووسين بشتمه وإلقاء الطماطم تجاهه في الوقت الذي تم فيه تجاهل آلاف المتظاهرين ضد إسرائيل وعنصريتها وآلاف المنظمات المدنية ممن شنوا هجومهم الحاد على سياسة الولايات المتحدة الداعمة لاسرائيل خاصة بعد أن تم استحضار محرقة غزة للتأكيد على عنصرية الكيان الصهيوني. ليس مناسباً في هذا المقال تفصيل الوضع الدولي عشية انعقاد المؤتمر فيما يخص الملف النووي الإيراني وجملة المناورات والمماحكات الجارية لاحتواء التقدم الايراني على هذا الصعيد واحتمالات المواجهة العسكرية من عدمها، لكن من المفيد القول أن الوضع الذي وجد فيه الغرب وإسرائيل أنفسهم أمام دولة قوية وتجيد لعبتهم في المناورة وتستغل حاجتهم للاستقرار في منطقة النفط الخليجية وصعوبة الحل العسكري معها، دفع هؤلاء لمناورة كالتي شاهدناها في سويسرا يعتقدون أنها تحرج إيران وتشكل عامل ضغط عليها لتقديم التنازلات المطلوبة هنا وهي الأيسر، أو في ثنايا الملف النووي الخطير من وجهة نظرهم والذي فشلوا حتى اللحظة في إجبار إيران على تقديم أي تنازل جدي بخصوصه.

 

الثابت حتى اليوم هو قناعة الشعوب في الدول الغربية التي انسحبت قبل المؤتمر أو أثناء خطاب الرئيس الإيراني بأن إسرائيل تمارس العديد من أشكال العنصرية والتمييز والدليل على ذلك عشرات المظاهرات التي اندلعت في تلك البلدان وتحمل شعارات التنديد بعنصرية إسرائيل وهمجيتها، وكذلك نتائج الاستطلاع الذي جرى قبل سنتين لمعرفة رأي الشارع الأوروبي فيمن يتسبب بنسبة أعلى في الحرب على سطح المعمورة والتي أتت نتائجه مفاجئة لأمريكا وإسرائيل حين صوتت الأغلبية مع تسمية أمريكا وإسرائيل على التوالي كأكثر الدول إثارة للحرب.

 

لم يكن أمام السيد نجاد سوى أن يقول ما قاله، ولو قال خلاف ذلك لاتهمته ذات الدول المنسحبة بممارسة التدليس والالتواء من أجل المراوغة في موضوع الملف النووي، ولخسر في ذات الوقت من مصداقيته، ولذلك كانت كلمة الرجل مناسبة وتمس جوهر الحقيقة حول عنصرية إسرائيل والغرب عموماً، وكانوا من المؤكد سينسحبون مهماً كان خطابه خفيفاً مثلما فعلت أمريكا ورهطها بالانسحاب لمجرد الاتفاق على بيان هو بمعيار الحقيقة أخف بكثير من بيان ديربان1 ويخالف واقع الحال الذي يقول أن إسرائيل هي كيان عنصري من رأسه حتى أخمص قدميه.

 

* كاتب فلسطيني يقيم في دمشق.