خبر يهودية الدولة العبرية ..بقلم: د. فايز صلاح أبو شمالة

الساعة 06:38 ص|21 ابريل 2009

      

لم تكن الدولة العبرية دولة سكانها كما طالب المفكر العربي "عزمي بشارة" بل ظلت الدولة العبرية عنصرية، وترعي شأن اليهود من تاريخ نشأتها على حساب الأرض العربية المغتصبة حتى يومنا هذا، فلماذا السعي لتأكيد يهوديتها على الملأ؟ وعلى حساب من سيتم ذلك؟ وهل الثمن المقابل ما أكده "جورج ميتشل" المبعوث الأمريكي عندما طالب بدولتين واحدة للفلسطينيين، والأخرى لليهود؟

 

الثابت حتى هذه اللحظة أن السلطة الفلسطينية رفضت هذا العرض علناً عندما قدمته حكومة "أولمرت، لفني" ولكن هذا الرفض لا يعنى تراجع اليهود عن مساعيهم، وأنهم لم يقوموا بخطوات عملية تهدف إلى تنظيف إسرائيل من سكانها العرب، وتهيئة الأجواء في الضفة الغربية لاستيعابهم، وتحمل المسئولية السياسية عنهم، ولقد دللت التجربة الطويلة أن إسرائيل تعلن عن فكرتها بعد أن تكون قد استكملت الإجراءات الميدانية، ليأتي النقاش لاحقاً، وهنا لا يمكن الفصل بين المفاوضات التي دارت أكثر من عام بين السيد عباس، وطاقمه المفاوض من جهة، وبين حكومة "أهود أولمرت" وأوشكت على التوصل إلى اتفاق، وبين المطالبة بيهودية إسرائيل. الفكرة التي سنقوم بدراستها، كما قال السيد ياسر عبد ربة للإذاعة العبرية، "ريشت بيت". وهذا ما يؤكد أن السلطة الفلسطينية طرفاً مركزياً للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، إن لم تكن هي صاحبة الشأن، والمسئولة عن تسهيل تنفيذ الفكرة التي ستقوم على تبادل الأراضي، والسكان برضا الطرفين، وبعيداً عن التهجير بالعنف.

 

والتاريخ يعود على أثره، ففي عام 1911، وقبل الانتداب البريطاني على فلسطين، وقبل اتفاقية "سايكس بيكو" سيئة السمعة، كتب سليمان التاجي الفاروقي مقالاً في صحيفة (المفيد البيروتية) واسعة الانتشار في حينه، جاء فيه "أن فلسطين تكاد أن تكون قد وقعت في نطاق النفوذ الصهيوني بالفعل، وأن الصهيونية تشكل في فلسطين حكومة داخل حكومة، لها قوانينها، ومحاكمها الخاصة، وعلمها الخاص، ونظامها الدراسي الخاص، وأن المهاجرين اليهود مزودون بالتعليم، والمال، وأن الفلسطينيين مهددون بالفقر والطرد." هذه الشهادة التاريخية جاءت أسبق لوعد بلفور، وتحت ظلال الحكم العثماني، وهي تعبير عن واقع عاشته الأمة العربية والإسلامية، يشابه واقعنا الراهن الذي ما تغير في شيء، حيث عمد اليهود إلى تحقيق أحلامهم على الأرض قبل استصدار القرار المنسجم معهم، وقبل إجراء المفاوضات، أو توقيع الاتفاقيات. إن ما يرتب له الآن نظرياً هو قائم على الأرض بالفعل، بدءاً من تمزيق الضفة الغربية، والطرق الالتفافية، والتمدد الاستيطاني، وجدار العزل، والمزاج الجماهيري الذي تآكل بفعل الانقسام، والارتزاق.

 

لقد ظن مخطئاً سليمان التاجي الفاروقي في تلك الفترة أن ما جاء فيه اليهود من الأموال، والذهب للإيقاع بذوي النفوس الضعيفة لن يفلح، فقال:

 

 بني الأصفر الرنان خلوا خداعكم             فلسنا من الأوطان بالمـال نخدع

أقل شعوب الأرض أهــون أمة               تساومنا في أرضنا، كيف نهجـع

أحكامنا ما خطبكم، ما أصــابكم        ألم يئن أن تصحوا، ألم يئن أن تعوا؟

لقد أطمع الأعداء فينا ســكوتكم         فهل كلمـة منكم، فيرضى ويقلعوا!

 

لقد كان السكوت في ذلك الوقت ينم على دراية ومعرفة مدفوعة الأجر لحكام العرب، ذلك ما كشفته الأيام، وما وثقه المؤرخون فيما بعد، فهل ما يجري اليوم سيوثقه المؤرخون مرة أخرى، وستكشف عنه الأيام القادمة؟

 

* كاتب فلسطيني يقيم في قطاع غزة -