خبر مسرحية إسرائيلية « سمجة » ..كتب: عريب الرنتاوي

الساعة 06:37 ص|21 ابريل 2009

ثمة من يسعى في اختزال المسألة إلى مجرد بضع كلمات، كأن ينطق رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"الجوهرة"، أو "يبق البحصة" وفقا للتعبير السوري – اللبناني المشترك، ويقول على سبيل المثال: نقبل بدولة فلسطينية تعيش إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية، حتى تُذلل بعد ذلك جميع "الاستعصاءات"، وترتسم الابتسامة على وجوه أنصار السلام على ضفتي الصراع الفلسطيني (العربي) _ الإسرائيلي.

 

وكلما أمعن نتنياهو وتابعه ليبرمان في "التمنّع" والاستنكاف عن النطق بهذه الجملة السحرية، كلما ارتفع ثمن البضاعة وزادت المضاربة على أسهمها، وكلما كانت النهاية سعيدة ومبشرة وواعدة، حين يخرج علينا الرجلان ذات مؤتمر صحفي (الأرجح في واشنطن) للبوح بالكلمة الفصل.

 

في الحقيقة، نحن نتابع هذه الأيام، واحدة من "أسمج" المسرحيات الإسرائيلية التي لا تسلي ولا تطرب أحدا، بل أنها تفتقر للذكاء نصا وموسيقا وتمثيلا وإخراجا، فنتنياهو صاحب "الأمن أولا" و"السلام الاقتصادي"، لن يمانع أبدا، في قيام دولة فلسطينية على "مقاسه" ووفقا لحساباته ومعاييره، على جزء من الضفة الغربية (يزيد أو يتقلص وفقا لموازين اللحظة وحساباتها)، مقابل أثمان باهظة يدفعها الفلسطينييون من كيس "حقوق اللاجئين وخط الرابع من حزيران، والقدس والمياه والسيادة وغيرها".

 

نقول ذلك، لأننا نعرف أن نتنياهو والليكود وليبرمان وإسرائيل بيتنا، يريدون التخلص من السكان الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، وليس ثمة من وسيلة لفعل ذلك، إلا بالسماح لهم بإنشاء كيانهم الخاص بهم، بصرف النظر عن حدود هذا الكيان ومساحته وتوقيت قيامه، بصرف النظر عن حدود استقلاله ومساحة سيادته، المهم أن لا تجد إسرائيل نفسها مضطرة لاستيعاب فائض السكان الفلسطينيين.

 

حكومة نتننياهو كالحكومات التي سبقتها، تريد دولة ناقصة السيادة وعلى جزء من الأرض المحتلة على أن تكون أحياء في القدس عاصمة لها وليس القدس التي نعرف، فضلا عن حل لمشكلة اللاجئين على أية أسس تستثني العودة أو حتى الاعتراف بها كحق للاجئين، أما ما يميز هذه الحكومة عن غيرها من حكومات إسرائيل السابقة، فهو أنها تريد الدولة الفلسطينية على مساحة أضيق من الضفة والقدس، وبقدر أقل من الحرية والسيادة والاستقلال، والأهم ليس الآن أو فورا أو في المدى المنظور، أنهم يريدونها بعد أن تستكمل إسرائيل هضم ما يمكن أن تكون قد ابتلعته من الأرض والحقوق الفلسطينية.

 

لا خيار أمام نتنياهو – ليبرمان، سوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسيفعلان ذلك، وربما بأسرع مما يُظن، والأرجح أنهما سيقدمان "اعترافهما" هذا بوصفه "هدية" لإوباما وإدارته، مغلفة بالكثير من الشروط والجداول الزمنية الفضفاضة والبعيدة المدى، وهذا "الاعتراف" لن يكون بالطبع هدية مجانية، فهذه ليست من شيم الساسة الإسرائيليين، بل سيطلبون مقابله أثمانا باهظة في ملفات عدة وساحات أخرى، لعل إيران إهمها.

 

الدولة الفلسطينية بهذا المعنى وبهذه المواصفات والمقاييس الليكودية - الليبرمانية، لن تكون تجسيدا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل تجسيدا للمصلحة الإسرائيلية ولشعار "إسرائيل دولة جميع أبنائها اليهود"، فضلا بالطبع عن كونها مصلحة قومية أمريكية كما قال – ربما لأول مرة – الموفد الأمريكي للمنطقة جورج ميتشيل.

 

فالدولة الفلسطينية لكي تكون تجسيدا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، تأتي بعد إزالة الاحتلال، وحتى خطوط الرابع من حزيران أولا، وان تكون القدس عاصمة لها ثانيا، وأن تكون دولة ذات سيادة ممسكة بقرارها ومواردها وفضائها ومعابرها ثالثا، وأن تسترد حقوق اللاجئين من أبنائها رابعا، عندها وعندها فقط، يمكن القول أن السلام قد امتلك أقداما يسير عليها، وأن إسرائيل قد جنحت لخياره وأبدت الاستعداد لدفع استحقاقاته.

 

ليس المهم أن يقبل نتنياهو قيام دولة فلسطينية، فهذه بضاعة لم تعد تصنّع للفلسطينيين خصيصا، بعد أن زاد الطلب الإسرائيلي والدولي عليها، البضاعة التي ما زال الفلسطينييون يتوقون للحصول عليها هي إنهاء الاحتلال، فهذا هو مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها، وكل ما عدا ذلك، لعبٌ على الألفاظ ومناوراتٌ في الوقت الضائع.

 

نتنياهو حدد شروط اعترافه بالدولة الفلسطينية (القبول بيهودية إسرائيل) ولم يخط (والأرجح أنه لن يخطو) خطوة واحدة باتجاه تعريف هذه الدولة، ومعيار نجاح ميتشيل ورئيسه وإدارته و"دور الوسيط الأمريكي" يتجلى في الانتقال خطوة نوعية حاسمة للأمام بتعريف هذه الدولة ورسم حدودها وذكر عاصمتها والإقرار بحقوق أبنائها المشرّدين، فهذه مسائل مطروحة للتنفيذ والترجمة، وليس للتفاوض الممتد لأجيال وآجال قادمة كما يريد نتنياهو، فالحذر الحذر من بضاعة الرجل الفاسدة.