خبر أطفال شمال القطاع يحصدون الزرع في مرمى النيران الإسرائيلية

الساعة 05:56 ص|20 ابريل 2009

فلسطين اليوم-غزة

على بعد 400 متر فقط من مدافع الدبابات الإسرائيلية يعمل الطفل أنس محمود إلى جانب العديد من الفتيان بحصد "البيقة" والبرسيم الأخضر وبعض الأعشاب المستخدمة في غذاء الحيوانات.

ولم يجد أنس (16 عاماً) أمامه إلا العمل في هذا المكان الخطير، الذي كان مسرحاً لأعنف العمليات الحربية الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة على غزة.

ولا يفصل بين قوات الاحتلال وهؤلاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة أي حاجز أو ساتر يحميهم من نيران المدافع والرشاشات الإسرائيلية الموجهة إليهم.

ويعمل محمود في منطقة زراعية صغيرة شرق جباليا يوميا ست ساعات تقريبا، تبدأ من الساعة السابعة صباحا وتنتهي بعد الواحدة ظهرا، في حصد أعشاب تمت زراعتها بعيد انتهاء الحرب الإسرائيلية، قبل نحو ثلاثة أشهر.

ولم يخف محمود الذي ينحدر من جباليا، مخاوفه من تعرضه للأذى من قبل قوات الاحتلال، إلا أنه لا يجد مصدرا آخر يعيل به أسرته غير ذلك، في الوقت الحالي، ويتقاضى 30 شيكلاً يومياً مقابل عمله الخطر، فيما يتقاضى الآخرون مبلغا أقل.

وبالرغم من تلك المخاوف، إلا أن محمود الذي غادر المدرسة منذ عامين يحمد الله لأنه عثر على عمله بعد أن تعذر عليه إيجاده لأكثر من شهر، مؤكدا أنه مضطر للعمل في ظروف خطرة لمساعدة عائلته في التغلب على ظروفها المادية الصعبة.

وقال إن والده المتعطل عن العمل اعترض على عمله بسبب الخطر الذي يكتنفه، إلا أنه أقنع والده بالسماح له بالعمل، مبرراً موقفه بالمشاكل النفسية التي تواجهه في ظل غياب فرصة عمل تحميه وعائلته من الفقر والعوز.

وساد المنطقة التي يعمل فيها محمود ونظراؤه الأطفال خلال الأيام الأولى للعمل هدوء نسبي مع تحركات بسيطة لدبابات الاحتلال خلف الحدود، معربا عن أمله في أن يستمر هذا الهدوء حتى الانتهاء من مهمتهم، وهي حصد نحو عشرة دونمات مزروعة بالأعشاب.

وفي مشهد يجسد عدم ثقة هؤلاء العمال الصغار بقوات الاحتلال، يراقب الفتى جمعة أبو النور حركة الدبابات التي تجوب الحدود شمالا وجنوبا تحسبا لأي طارئ، مؤكدا أن هذه الدبابات ترعبه، خصوصا أن جارا له استشهد بنيران الدبابات في ظروف مشابهة قبل نحو شهرين.

وأكد جمعة أنه لا يثق بجنود الاحتلال بالرغم من الهدوء المتبادل على طرفي الحدود، وبالرغم من وجود مخيم لإيواء المهجرين والمنكوبين بالقرب من المكان.

ويتمنى أبو النور (15 عاما) أن يجد فرصة عمل في مناطق أكثر أمنا من تلك المنطقة التي لا يسمع فيها إلا أصوات البلابل وهدير الدبابات وأصوات طائرات الاستطلاع.

وبدا الفتى مازن الجون أكثر تمسكا بالعمل في هذا المكان، منوها إلى أنه سيعمل في أماكن أشد خطورة إذا تطلب الأمر، لأن عليه توفير لقمة العيش ومساعدة والده من أجل التغلب على مصاعب الحياة.

وقال بغضب إن الأمر الآن لن يكون أصعب من أيام الحرب التي تعرض خلالها الجميع إلى المخاطر المختلفة والقتل، مشيراً إلى أن الوضع في القطاع بشكل عام خطير ولا توجد منطقة آمنة، موضحاً أنه جرب العمل على شاطئ البحر وكان الوضع خطيراً جداً، وها هو الآن يعمل بالقرب من الحدود والأمر أيضا خطير، ولكن لا بديل آخر أمامه إلا الموت جوعاً.

ويحبس أبو صادق صاحب الأرض أنفاسه يومياً تخوفاً من إصابة هؤلاء الأولاد بأي مكروه، مؤكدا أنه يستمر في مرافقتهم طيلة اليوم للاطمئنان عليهم.

وقال إنه مضطر لحصد أرضه التي تعرضت للتجريف من قبل قوات الاحتلال خلال الحرب وقبلها، مؤكدا أن قطعة الأرض تعتبر مصدر رزق عائلته الوحيد بعد أن هدم منزله وهجرت عائلته التي تسكن قريبا من الأرض.

وعبر عن أمله في أن تمضي الأيام القادمة بهدوء وسلام حتى يعود العمال الصغار لذويهم سالمين وغانمين.