خبر موراتينوس وسلطانوف.. وميتشل و« الإنجاز الأكبر »!../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 06:05 م|19 ابريل 2009

بتصريح واحد أو اثنين فحسب، كان قد بدأ بهما عمله كوجه أول للدبلوماسية الإسرائيلية، نجح أفيغدور ليبرمان في تحويل القدس المحتلة محجاً ومقصداً لكل أولئك الذين من مصلحتهم إبقاء المرحومة المدعوة "المسيرة السلمية" أطول زمن ممكن في غرفة إنعاش الرباعية الدولية المشدّدة. لقد كان في حصيلة الإنتخابات الإسرائيلية، وقدوم نتنياهو للحكم، ما يكفي فحسب لأن يسرع في دفن المرحومة نهائياً، أو يضع حداً لمثل هذه الأحبولة المزعزمة، التي تبكيها رام الله صباح مساء، ولا زال العرب يصرون على التمسك بمبادرتهم العتيدة، كعلاج وإن كان مرفوضاً، علّه يؤخر استحقاق تشييعها، هذا الذي كان مستوجباً منذ أن كان رد شارون الدموي عليها، منذ لحظة ولادتها و فور إطلاق دخانها في قمة بيروت.

 

كان ليبرمان، وقبل أن يصل إلى مكتبه ليتربع على كرسي وزارة الخارجية، قد أرسل تصريحاته المدوية لتسبقه إلى هناك، موضحاً لمن لازالوا يبيعون الأوهام التسووية أو يشترونها مواقفه القاطعة لقول كل خطيب: لا جلية وصاخبة لحدوثة "أنابولس" المحببة لكم، ولا قاطعة وغير قابلة للتأويل للأخدوعة الشارونية الأصل، والتي غدت اللازمة البوشية الممسوحة، وسارت المعزوفة الرباعية المشروخة، ومن ثم رست على المانشيت الأوبامي ناقص الجديّة الباهت، المعروفة بـ"حل الدولتين"!

 

حجاج القدس المحتلة المسعفون هبّوا زرافاتٍ ووحدانا. لم ينتظروا حجيج نتنياهو بعد شهر إلى واشنطن لحضور مؤتمر "إيباك"، وتقديم مقترحاته البديلة لأنابولس وأخواتها للبيت الأبيض... أخواتها اللواتي مثلها ومثل سائر المسارات التسووية التي لم تسر أبداً.

 

سبق ميتشل الأمريكي موراتينوس الأوروبي، وتزامن قدومهما مع قدوم سلطانوف الروسي. كانت مظاهرة سلامية ثلاثية لم ترقق هتافاتها وشعاراتها قلب نتنياهو، ولم تخفف من حدة و صراحة ووضوح تصريحات وزير خارجيته غير الدبلوماسية، وإن تلطف فلم يعلق عليها قاطعاً شك الآملين باليقين!

 

كان موراتينوس قد علل تجشمه عناء زيارة فلسطين المحتلة بأنها إنما تأتي في سياق حرص القارة العجوز، ودأبها الدائم الساعي "لمنع انهيار العملية السلمية"! أما رحلة ميتشل، فهي وفق المعلن إنما تأتي لهدف هو "محاولة معرفة مدى جدية تصريحات ليبرمان بشأن مسار أنابولس وحل الدولتين"! أما الدب الروسي، الذي من عادته أن يأتي متأخراً دائماً، أو كما يقول المثل الشعبي "يحج والناس راجعة"، فقد بعث برسوله سلطانوف، كتعبير منه عن حرص الكريملين الخجول على المشاركة في البازار، أو اغتنام أي موقع متاح له في ركب المسيرة الراحلة التي تتحرك نخوة الجميع الآن لإحياء رميمها، وكل منهم من منطلقه ولدافعه ولهدفه ولمصلحته... تلك التي لا تتعدى الحرص على الانعاش لا الإنقاذ، أو لا إيصالها فعلاً إلى هدف.

 

جاء سلطانوف لهدف معلن، وهو بحث مسألة انعقاد مؤتمر أنابوليس المسكوبي "التكميلي" غير محدد الموعد. قد يكون قد شجعه على مكابدة عناء القدوم إشارات مسايرة من قبل الروسي السابق سبقت قدوم الرسول الروسي الذي جاء يقصده، تمثلت في إبلاغ ليبرمان، الذي أعلن إنتهاء صلاحية أنابولس من أساسها، وقبل تسنمه منصبه كوزير للخارجية رسمياً، صحيفة روسية أنه سيحضر تكميليتها الروسية إن هي عقدت، و لكن بشروط كان الروس المتلهفون للمشاركة في مهرجانات التسوق السلمي قد قبلوها سلفاً، وهي: لا دعوة لحماس لحضورها، ولا مفاوضات خلالها، لأن المفاوضات "يجب أن تبقى ثنائية ومن دون تدخل من أطراف أخرى"، ووجوب مشاركة الدول العربية الموصوفة بـ"المعتدلة" لإضفاء "مشروعية عربية على العملية السلمية"... ربما كان الموقف الروسي الباهت من محرقة غزة هو بعض من إدخار أريد أن يستثمر لليوم المسكوبي السلمي المنتظر!

 

قبل وصول رسل الإنقاذ هؤلاء، والذين سبقهم وسيلحقهم آخرون، ولذات الهدف، أو لاستصدار موقف ما ناور نتنياهو فلم يعلنه تاركاً لوزير خارجيته إعلانه. سرّب الإسرائيليون كلاماً تسووياً جديداً عن إزماعهم التقدم بخطة تصفوية جديدة للصراع برمته... خطة صنفوها بأنفسهم بـ"الأمنية أولاً وأخيراً"، تدعى "خطة دايتون أقوى"، الهدف الرئيس منها هو "تعزيز قدرات السلطة الفلسطينية واختبار سيطرتها"، مترافقة مع أخرى، اقتصادية، "لتحسين الوضع المعيشي في الضفة"، تأتي في إطار مفهوم "السلام الإقتصادي" المعروف لنتنياهو... "ثم فيما بعد يكون النظر في النتائج... و"تحديد سبل التقدم" على ضوئها!!!

 

قد لا يكون من المهم متابعة وقائع إطلالتي كل من موراتينوس وسلطانوف "السلميتين" وما حققتاه لصاحبيهما، هذا إذا ما صرفنا النظر عنهما وتوقفنا فحسب أمام ما كان من أمر ميتشل. كرر ميتشل قبل وبعد وأثناء الزيارة شعار "حل الدولتين" إياه، أما مضيفيه فكان منهم ما يلي:

إزدراه ليبرمان بأن تأخر عن الموعد المضروب للإلتقاء به في مكتبه، ثم تقصّد تركه واقفاً، كما لم يرافقه إلى سيارته مودعاً، وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية... ومع لفت نظره، بأن "عشرة سنوات من التفاوض على قاعدة تقديم إسرائيل للتنازلات لم تجد نفعاً... ينبغي على أمريكا البحث عن سبل أخرى"... لم يقل ليبرمان، عن ماذا تنازلت إسرائيل أو من الذي تنازل هي أم مفاوضيها؟!

 

لكن المهم هو ما كان من رئيس وزرائه، الذي حتى الآن تجنب التعليق على رفض وزير خارجيته الحاسم لحكاية "الدولتين" من أساسها... سمع ميتشل من نتنياهو الآتي: "ينبغي على الفلسطينيين، أولاً وقبل كل شيء، الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بكل ما في ذلك من معنى"... أو هذا الاعتراف الذي يعني التخلي عن حق العودة، والتهيّؤ لمرحلة "الترانسفير"، التي ستحل بداية على الفلسطينيين في المحتل من فلسطين عام 1948، ولاحقاً فيما يتبقى في الضفة الغربية وحتى غزة... المرحلة المترتبة على هذه اليهودية، وبعد ذلك يعدهم بأن لكل حادث حديث!

 

وزاد: إن إسرائيل "ملزمة بالحرص على أن لا تخلق العملية السياسية حماسستان ثانية في إسرائيل تهدد القدس والسهل الساحلي، وإسرائيل تنتظر من الفلسطينيين أن يعترفوا بدولة إسرائيل كدولة يهودية قبل أن يطالبوا بدولة فلسطينية لأنفسهم"... على أية حال كان هذا مطلباً إسرائيلياً مطروحاً منذ أيام أولمرت، وقبله، وكان الهدف منه انتزاع تنازل من رام الله على حساب فلسطينيي المحتل عام 1948 بعد أن حولتهم أوسلو إلى "عرب إسرائيل"، والانتهاء من حق العودة، وربما في المستقبل التهيئة لمطالبة الفلسطينيين والعرب بتعويض إسرائيل على تجشمها عناء احتلالها لبلادهم، وربما بوجوب الاعتذار لها عن نكبتها لهم!!!

 

السؤال إذاً، على ماذا اتفق ميتشل وعلى ماذا اختلف مع الإسرائيليين؟اتفق معهم على مسألة لا خلاف سابق عليها، وهو الربط بين تصفية القضية الفلسطينية ومواجهة ما يدعى الخطر النووي الإيراني، واختلفوا معه على مسألة الأولويات... بماذا نبدأ بالتصفية أم المواجهة؟!

 

كان إنجاز ميتشل الوحيد إسرائيلياً... هو ما قدمه لوزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني عندما قابلها، حين كرر أمامها مطالبته بدولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب "دولة إسرائيل اليهودية"!

... داني إيالون، نائب وزير الخارجية، اعتبر إشارة ميتشل ليهودية إسرائيل ما دعاه "الانجاز الأكبر" في هذه الجولة التسووية المثيرة...!!!