خبر العدد في تزايد ..نقص الأدوية تهدد حياة 30 الف مصاب بمرض السكري بغزة

الساعة 06:03 ص|18 ابريل 2009

فلسطين اليوم-غزة

أصاب الدوار رأسها، وجف حلقها، وشعرت بأن الغثيان سيداهمها، فسارعت على عجل إلى الطبيب المختص بعيادة السويدي التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في مدينة غزة، الذي فاجأها بأن لديها نقصاً في هرمون الأنسولين، ما أدى إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، أي أن مرض السكري أصبح من الآن فصاعداً جليسها، وأن عليها اتباع الحمية وأخذ الأدوية اللازمة التي تُخفف قدر الإمكان من هذا الارتفاع.

وقفت المواطنة آمال حمد (40 عاماً) في اليوم الثاني في طابور طويل لمرضى السكر المراجعين في العيادة لسحب عينة أخرى من الدم وفحصها من جديد بعد أن امتنعت عن تناول طعام الإفطار، بناءً على أوامر الطبيب حتى يُشخص مرضها ويصف علاجها.

بدأت حمد تُكافح للتعايش مع المرض الذي لم تتوقع يوماً أن تكون أسيرة له، تحمل في جيبوها وتُخبئ في درج خزانتها أدوية كثيرة متعددة الألوان والأنواع للتخفيف منه ومواجهته قدر الإمكان.

ولم يكن حال المواطن ياسر بعلوشة (30 عاماً) من سكان مخيم جباليا المصاب بالسكري منذ كان في العاشرة من عمره ومازال يتلقى العلاج بالمجان في عيادة المخيم التابعة للوكالة أيضاً بأحسن من المواطنة حمد، إذ قال "رغم أنني أواظب على تلقي العلاج اللازم لمواجهة هذا المرض اللعين منذ عشرين عاماً، إلا أنه ما زال ملازماً لي بل ويؤرق مضجعي، فأنا لا أخرج من المنزل إلا إذا كنت أحمل من الأدوية الكثير".

بعلوشة الذي أصبح وجهاً مألوفاً كوجوه العشرات بل المئات من المراجعين من مختلف الأجناس والأعمار يقف أسبوعياً عدة ساعات في طابور الرجال، واحداً ضمن عشرات المراجعين من مرضى السكري الذين تزدحم بهم العيادة، إما على شباك المختبر لفحص الدم أو أمام باب الطبيب المعالج بانتظار السماح له بالدخول للمراجعة أو أمام شباك الصيدلية لتسلم الأدوية الخاصة به.

ورغم أن جميع الجهات الصحية المعنية؛ سواء كانت الحكومية منها أم الأهلية أم الخاصة تعمل على مكافحة مرض السكري، إلا أنه ينتشر بصمت في المجتمع الغزي، حيث بيَّنت مصادر طبية في وزارة الصحة أن أعداداً كبيرة من الصغار والكبار يُصابون به يومياً، وأنه أصبح المرض الأول ضمن الأمراض المزمنة المنتشرة في فلسطين.

30 ألف مريض في غزة

وفي هذا السياق، كشف يوسف أبو رحمة، من دائرة الأمراض المزمنة في وزارة الصحة بغزة لـ صحيفة"الأيام" عن أن عدد مرضى السكري المسجلين في مراكز الرعاية الأولية التابعة للوزارة في قطاع غزة بلغ في آخر إحصائية لعام 2008 حوالي 30 ألف مريض، مشيراً إلى أن عدد الحالات المرضية المترددة على هذه المراكز (من عيادات كبيرة وصغيرة) حوالي 1300 حالة شهرياً.

وأضاف أبو رحمة إن عدد الحالات التي يتم كشفها شهرياً تتراوح ما بين 5 و10 حالات لكل عيادة والبالغ عددها 53 عيادة موزعة على محافظات القطاع.

أما عن عدد الحالات المرضية المسجلة لدى وكالة الغوث الدولية (أونروا) ذكر د. علي الجيش، مدير مراقبة الأمراض في الوكالة أن الإحصائية الرسمية حتى نهاية العام 2008 بلغت 23301 مريض يتلقون العلاج اللازم في 26 عيادة موزعة على جميع محافظات قطاع غزة، مشيراً إلى أن الأرقام ربما تكون أكثر من ذلك لعدم اكتشافها حتى الآن.

وتابع الجيش "إن عدد الحالات المرضية المترددة شهرياً على عيادات الوكالة يبلغ حوالي 15 ألف مريض"، موضحاً أنه يتم كل شهر اكتشاف نحو 490 حالة عن طريق ما أسماه بالنظام النشيط، أي البحث عن المرض، أو عن طريق الفحوص في العيادات.

 

3491 حالة جديدة في الضفة العام الماضي

أما في محافظات الضفة الغربية فقد أوضحت وزارة الصحة في تقرير أصدرته دائرة الأمراض المزمنة أن أعداد مرضى السكري الجدد الذين سجلوا في الضفة الغربية خلال العام الماضي 2008 بلغ 3491 مريضاً مقارنة بـ2220 حالة جديدة كانت رصدت وسجلت في العام الذي سبقه (2007) أي ما يشكل زيادة قدرها 3ر57% في أعداد من انضموا لقائمة مرضى السكري خلال سنة.

وأشارت الدائرة في إحصائية حصلت "الأيام" عليها إلى أن عيادات السكري التابعة لمديريات الصحة في الضفة استقبلت خلال العام الماضي ما مجموعه 160495 مراجعاً بزيادة قدرها 5ر27% مقارنة بعدد المراجعين الذين استقبلتهم عيادات الوزارة خلال العام الذي سبقه، منوهة إلى أن النسبة الكبرى من المرضى تمت معالجتهم بالحبوب الخافضة للسكر والأنسولين.

وأوضحت أن 65% من المرضى الذين راجعوا عيادات الوزارة في الضفة عولجوا بواسطة الحبوب الخافضة للسكر و27% عولجوا بواسطة الأنسولين و6ر6% بالعلاجين معا (الأنسولين والحبوب الخافضة) وفقط نحو 1% من عولجوا بالحمية الغذائية.

من جهته، عرّف د. وهيب الداهوك، استشاري أمراض السكري والغدد الصماء ونائب رئيس الجمعية الفلسطينية لأمراض السكري السّكري بأنه مرض مزمن ينتج عن نقص هرمون الأنسولين أو عدم فاعليته أو الاثنين معاً، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، قائلاً "الإصابة به تعود لعدة أسباب، منها الوراثة والبدانة وتناول النشويات بكثرة وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة وكثرة الحمل عند السيدات، إضافة إلى الضغوط النفسية والتوترات العصبية".

وأضاف الداهوك لـ"الأيام" أن أعراض المرض تكمن في الشعور الدائم بالعطش وكثرة التبول، إضافة إلى الإصابة بالفطريات خاصة في مناطق الجهاز التناسلي، وكذلك جفاف الجلد والشعور بالإرهاق والتعب، مبيناً أن أنواع مرض السكري اثنان، الأول كان يسمى بسكري الأطفال (من الميلاد حتى 30 عاماً) ومن أعراضه نحافة الجسم، والثاني كان يسمى بسكري كبار السن (من 30 عاماً فما فوق) ومن أعراضه زيادة الوزن (البدانة).

يُذكر أنه وحسب إحصائية وزارة الصحة في الحكومة بغزة فإن توزيع مرضى السكري المسجلين لدى العيادات التابعة لها يبين أن محافظة غزة تحتل المرتبة الأولى تليها محافظات شمال القطاع ثم محافظة الوسطى وخان يونس ورفح، موضحة أنه في الوقت نفسه لا تتوفر إحصائيات دقيقة وحديثة حول توزيع المرض حسب الجنس والعمر ونوع المرض.

64% من الإناث، و36% من الذكور

أما فيما يتعلق بإحصائية وكالة الغوث، فقد بيَّن الجيش أن ما نسبته 64% من المصابين من الإناث و36% من الذكور، وأن محافظة غزة احتلت المرتبة الأولى بعدد (7814 حالة) تلتها محافظة الوسطى (4878 حالة) ثم محافظة الشمال (3623 حالة) وخان يونس (3536 حالة) وأخيراً محافظة رفح (3450 حالة).

وأضاف أما فيما يتعلق بالفئة العمرية، فقد شكلت الفئة الأولى دون العشرين عاماً ما نسبته 1% والفئة الثانية من 20 إلى 39 عاماً 10% والفئة الثالثة من 40 إلى 59 عاماً ما نسبته 50% والفئة الرابعة من 60 عاماً فما فوق 39%.

 

خطورة المرض

واعتبر الداهوك السكري من الأمراض القاتلة إذا حصلت مضاعفات خطيرة لدى المريض ومنها: تأثر شبكية العين (الاعتلال الشبكي)، واعتلال الكلى والأعصاب، علاوة على الجلطات الدماغية، وجلطات الشريان التاجي في القلب والقدم السكرية، ما يؤدي إلى بتر في الأطراف، مشيراً إلى أنه يمكن تنظيم نسبة السكر لدى المريض والسيطرة عليها لتفادي حدوث هذه المضاعفات.

 

معدل الوفيات بالسكري

وبيَّن أن معدل الوفيات من المرضى المصابين بالسكري سنوياً يتراوح ما بين 13 و15% من كل 100 ألف نسمة، مرجعاً سبب ذلك لأسباب كثيرة منها عدم العناية والمتابعة الجيدة والكافية لهؤلاء المرضى وخاصة كبار السن (65 سنة فما فوق) الذين يشكلون أكثر نسبة من عدد المرضى الكلي.

وعن مدى توفر الفحوص والعلاج لمرضى السكري في قطاع غزة، قال الداهوك "إن الفحوص والعلاج، الأقراص الفموية والأنسولين، متوفرة في المستشفيات والعيادات التابعة للحكومة ولوكالة الغوث، لكن الوزارة توفر الفحص والعلاج مقابل دفع رسوم للمرضى المؤمنين وغير المؤمنين، فيما الفحوص والعلاج في وكالة الغوث بالمجان".

ولفت إلى أن الحصار الإسرائيلي أثر بشكل كبير على القطاع الصحي، وبالتالي قلة توافر الأدوية والعقاقير الطبية، ومنها الخاصة بمرضى السكري سيما في مستشفيات وعيادات القطاع الحكومي، ما قد يُهدد حياة الكثيرين من المرضى بخطر الموت، مبيناً أن هناك إشكاليات تقع من قبل المرضى تتمثل في تلقيهم العلاج والمتابعة في عيادات الحكومة والوكالة معاً، وهذا العمل يُحدث خللاً وازدواجية لدى المريض نفسه، إضافة إلى هدر الأدوية الموفرة بشكل ضئيل أصلاً.

وأشار إلى وجود تنسيق وتعاون بين وكالة الغوث ووزارة الصحة ولكنه ليس بالمستوى المطلوب، معرباً عن أمله بزيادة هذا التعاون في جميع المجالات للتغلب على هذا المرض.

طرق الوقاية

وعن طرق الوقاية من مرض السكري، نصح الداهوك المرضى باتباع الحمية الغذائية وتقليل تناول النشويات والدهون، وممارسة الرياضة يومياً، وتناول الدواء حسب وصفة الطبيب المعالج والمتابعة في المراكز الصحية بصورة يومية، مؤكداً أن المسؤولية متبادلة للحد من انتشار المرض وتقع على المواطنين أنفسهم من خلال إجراءات الفحوص الدورية للكشف المبكر ومراجعة الطبيب المختص، وتقع أيضاً على المسؤولين ومختلف الجهات الصحية من خلال نشر التوعية اللازمة وإجراء الفحوص.

وناشد صنّاع القرار التيقظ من أجل مواجهة هذا المرض خوفاً من تفاقمه وبالتالي استنزاف الموارد الصحية في مواجهة تداعياته، ودعاهم كذلك إلى توفير العلاج المجاني للمرضى.

يُذكر أن مرض السكري عبارة عن مجموعة من الأمراض تصيب وتؤثر على طريقة استخدام الجسم لسكر الدم (الجلوكوز)، ويعتبر الجلوكوز عنصراً حيوياً للجسم، إذ أنه يمد الجسم بالطاقة اللازمة، ويدخل الجلوكوز خلايا الجسم بشكل طبيعي عن طريق عامل الأنسولين، وهو عبارة عن هرمون يفرز عن طريق البنكرياس، حيث يعمل الأنسولين على فتح الأبواب التي تسمح بمرور الجلوكوز إلى خلايا الجسم، وفي حالة مرض السكر يحدث خلل في هذه العملية حيث يتجمع الجلوكوز في المجرى الدموي في الجسم ويخرج في النهاية مع البول، وتحدث هذه العملية عادة إما لأن جسم المريض لا يفرز كمية أنسولين مناسبة أو لأن خلايا الجسم لا تستجيب للأنسولين بشكل سليم.

وقد يحدث للمريض تورم في الجسم (تضخم) وزيادة وزن وإرهاق، وقد تحدث أيضاً بعض الأضرار بالكبد، لذلك ينصح الأطباء بعمل فحص على الكبد كل شهرين أثناء السنة الأولى من بداية العلاج، واستشارة الطبيب فوراً إذا لوحظ أي من علامات إصابة الكبد مثل الغثيان والقيء وآلام البطن وفقدان الشهية، وحين يصبح البول داكن اللون أو حين اصفرار لون الجلد وبياض لون العين.