خبر وجد من ينشغل به..هآرتس

الساعة 09:10 ص|17 ابريل 2009

 بقلم: تسفي بارئيل

مراسل الصحيفة للشؤون العربية

حرب غزة اندلعت هذا الاسبوع بين مصر وايران. منذ خمسة اشهر على الاقل وهي تجري في غرف التحقيق للمخابرات المصرية، انتظارا للتوقيت المناسب للاعلان عنها بصوت عالٍ. القرار النهائي للنشر كان من وزير المخابرات المصرية عمر سليمان. فبعد أن حصل على اذن الرئيس، حسني مبارك، وجه سليمان عمل وزير الاعلام الذي نقل التعليمات المناسبة لكل صحف الحكومة.

المرحلة الخفية للحرب بدأت في تشرين الثاني 2008. مواطن لبناني، هو سامي شهاب، او باسمه الحقيقي محمد يوسف منصور، ابن 27، اعتقل في حينه بعد ان دخل الى الاراضي المصرية بجواز سفر مزيف، على ما يبدو عبر احد الانفاق في الحدود بين غزة وسيناء. المصريون، الذين اداروا على مدى سنتين تحقيقا تركز على نشاط حزب الله في بلادهم انتظروه ومعهم افادات اعضاء الخلية التي قادها. في هذه الافادات ورد أن منصور سيمول استمرار نشاط الشبكة.

لخمسة اشهر تقريبا كان منصور يخضع للتحقيق المكثف في مكاتب المخابرات المصرية في القاهرة، دون أن يسلم اسماء الاشخاص الذين امروه بقيادة شبكة التخريب في مصر. ولكن في التحقيق ذكر اسم محمد قبلان، المسؤول عن الاستخبارات في حزب الله والذي كان نشيطا في مصر في العام 2007 حتى  نهاية 2008. قسم من صلاحيات منصور نقلت الى قبلان. وحسب التقرير في مصر فان منصور ينتمي الى الدائرة المسؤولة عن النشاط في الدول المحاذية لاسرائيل، بما فيها لبنان، سوريا، مصر وفلسطين. ومع ذلك، ليس واضحا ما هي مكانته في الدائرة.

تعليمات تفعيل الشبكة تلقاها منصور عبر الانترنت. اما الاموال لتمويل نشاط الشبكة فمرت عبر وسطاء دخلوا مصر في نقاط الحدود الرسمية. الكثير من المال، بضع عشرات ملايين الجنيهات، وصلت الى النشطاء. ويستهدف المال ضمن امور اخرى شراء بيوت، محلات، واراض على طول الحدود بين غزة ومصر، في منطقة رفح. ومن خلال هذه الاملاك كان يفترض ان تحفر الانفاق باتجاه غزة.

وحسب وسائل الاعلام المصرية الحكومية، عمل المجندون على مراقبة حركة السفن في قناة السويس. وقد طلب اليهم تحديد السفن الاجنبية التي تحمل اعلام دولها وليس اعلاما وهمية. ويقدر المصريون بان حزب الله خطط على الاقل لعملية تظاهرية واحدة ضد اهداف غربية في الاراضي المصرية. وهم يشتبهون بان نية المنظمة كانت ضرب سفينة في قناة السويس، لتقليص استخدامها وضرب الاقتصاد المصري بذلك. وهذا الاسبوع، علم ايضا ان المجندين امروا بجمع معلومات استخبارية عن اهداف سياحية للاسرائيليين في سيناء لغرض ضربهم.

الامين العام لحزب الله حسن نصرالله علم باعتقال منصور واعتقال نحو 49 نشيطا آخر، 12 منهم شيعة مصريون مشبوهون بعضوية تلك الشبكة. ولكن النبأ لم يصله فورا. حسب مصادر مصرية، عمل رجال المخابرات المصريون كي يواصل منصور اجراء مكالمات مع قادته في المنظمة وكأن كل شيء يسير كالمعتاد. ويبدو أن هذا هو السبب الذي أخر نشر القضية لهذا الزمن الطويل. فبعد ان اكتشفت معظم فروع الشبكة، على الاقل تلك التي في مصر، لم يكن هناك مبرر آخر لتأجيل الكشف. التوتر الهائل الذي يميز علاقات حزب الله ومصر منذ حرب غزة بالتأكيد كان حافزا للنشر.

في كل المنشورات المصرية لم يذكر بشكل بارز الاتصال بين الشبكة وحماس، وان كان واضحا بانها عملت على نقل السلاح، بما في ذلك الصواريخ ووسائل التفجير المتطورة الى داخل القطاع. وقد أعلنت حماس هذا الاسبوع بصوت هزيل بانه لا علم لها بنشاط الشبكة. فلماذا تمتنع مصر عن توجيه الاصبع الى حماس ايضا؟ لماذا التشديد هو على حزب الله وايران؟ السبب يكمن على ما يبدو في المسعى المصري لتحقيق مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس. فطالما توجد مداولات بين الاطراف، تسعى مصر للحفاظ على لقب الوسيط النزيه. هذا اللقب لا يستوي مع توجيه الاتهامات لحماس.

حزب الله وايران، بالمقابل، هما ارض مفتوحة. الشتائم التي اطلقها نصرالله نحو مبارك منذ عهد لبنان الثانية، سخرت من المساعي المصرية لاحلال مصالحة لبنانية. تفضيله الاعتماد على قطر بدلا من مصر، اثار الازمة العلنية الاولى. بعد ذلك، في فترة حرب غزة، امطر نصرالله النار والكبريت على مصر واتهمها بالتعاون مع اسرائيل وبفرض الحصار على غزة، بل انه دعا المواطنين المصريين الى اسقاط حكمهم.

نصرالله هو هدف استخباري وقضائي، وفي مصر يفكرون برفع لائحة اتهام ضده. اما ايران بالمقابل، فهي هدف سياسي. اذا كانت ايران تستخدم حزب الله لدفع شؤونها في لبنان، في العراق، في البحرين وفي اليمن، فان مصر تسعى الى القاء كامل المسؤولية على ايران في اعقاب كشف شبكة حزب الله.

التوقيت ليس صدفة. الولايات المتحدة تشرع في قصة غرام علنية مع ايران والرئيس الامريكي براك اوبما يرى فيها شريكا لحل مشاكل اقليمية من العراق وافغانستان عبر لبنان وربما فلسطين ايضا. هذا هو الوقت لكشف مؤامرات ايران في مجال الارهاب.

القضية لا تزال بعيدة عن نهايتها. مصر هي الان عدو صريح لايران وحزب الله. ومثل اسرائيل، هي ايضا تخشى عملية رد من المنظمة الاسلامية. مصدر سياسي مصري قال لـ "هآرتس" ان الخطر الان هو ان يكون جلعاد شليت مصري الى جانب جلعاد شليت الاسرائيلي. "هذه منظمة عديمة الحدود من كل النواحي"، كتب طارق الحميد، محرر صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية. "نصرالله يشبه اسامة بن لادن، فهو لا يعترف بالحدود ولا بقوانين الدول. رجاله يعملون كخلايا غافية، مثلما وصل رجال القاعدة الى الولايات المتحدة، هكذا وصل رجال حزب الله الى مصر". السؤال الان هو اذا كانت هذه القضية ستنجح في ان تهز في شيء ما ايضا العلاقة التي نسجت بين واشنطن وطهران.

النووي، ملف مغلق

حتى يوم الاثنين من هذا الاسبوع، كان يبدو أن ليس لايران أي عجلة من امرها. "سنفحص جيدا تصريحات اوباما"، قال الاسبوع الماضي وزير خارجيتها، مينوشهر متقي. "المفاوضات ممكنة على اساس التقدير والاحترام المتبادل"، اوضح رئيسها، محمود احمدي نجاد. ومتى ستنضج هذه الظروف؟ "عندما تثبت الولايات المتحدة بانها تغير سياستها ولا تكتفي فقط بالتصريحات"، قضى الزعيم الاعلى علي خميئي.

يوم الثلاثاء طرأت انعطافة. احمدي نجاد اسقط هذا الشرط المسبق وقضى بان "ايران مع الحوار" وعليه ستقترح رزمة اقتراحات تشكل برنامجا للحوار اياه مع الولايات المتحدة. هذا هو الـ "نعم" الهامة الاولى لايران للسياسة الامريكية الجديدة.

سلامة النووي الايراني، كما بشر احمدي نجاد الامة، جيدة. فقد نصب 7 الاف جهاز طرد مركزي، في اطار الخطة لنصب 50 الف جهاز طرد مركزي في السنوات الخمس القادمة، و "الملف النووي هو قضية مغلقة". متقي، من ناحيته، ثبت تعبيرا جديدا: "نحن بتنا في عصر ما بعد النووي". ايران ستواصل تطوير التكنولوجيا النووية لديها والحوار مع الولايات المتحدة سيتدحرج حتى الانتخابات للرئاسة، المتوقعة في 12 حزيران.

اذا كان احمدي نجاد خشي من أن الحوار مع الولايات المتحدة سيقف في مركز الحملة الانتخابية، فقد جاء الرئيس اوباما وبدد التخوف. يبدو أن الجدال في الادارة الامريكية، في مسألة متى الاعلان عن السياسة الجديدة – منذ الان ام بعد صدور نتائج الانتخابات – قد حسم.

دنيس روس، المسؤول في وزارة الخارجية عن معالجة موضوع ايران سارع الى اعداد تقرير مفصل عن السياسة المرغوب فيها. برأيه، فرضية العمل الامريكية يجب أن تستند الى أن احمدي نجاد سيكون الرئيس القادم او بالتالي لا معنى لتأجيل تحريك السياسة الجديدة تجاه ايران. ولكن روس، الذي يعارض الحوار اضطر الى التسليم بتطلع اوباما لتصميم مثل هذه السياسة. وللحفاظ على بعض من النزعة المحافظة لادارة بوش، يعتقل بان الحوار يجب أن يكون محصورا زمنيا وبعده تلوح الادارة بعصا ثقيلة من التهديدات.

التغيير الجوهري في النهج الامريكي وجد تعبيره ليس فقط في مجرد الاقتراح لادارة حوار مباشر يشارك فيه ايضا مساعد وزيرة الخارجية، وليم برانز، ولكن ايضا اساسين قلبا سياسة بوش رأسا على عقب: الامتناع عن طرح شروط مسبقة للحوار والاعتراف بالحق السيادي لايران بتطوير تكنولوجيا نووية لاهداف سلمية. هكذا يكون اوباما حطم الحاجز الاساس الذي عرقل حتى الان الحوار الناجع مع النظام الايراني، ولكن في نفس الوقت احدث هزة في عدد من الدول العربية. فهذه تجد نفسها مرة اخرى في مسار احتكاك أليم مع الادارة الامريكية.

ادارة بوش اعتبرت كنظام مناهض للعرب ومناهض للمسلمين، لم تعرف سوى تقسيم الشرق الاوسط الى "عرب أخيار وعرب اشرار"، احتلت العراق وافغانستان، انقذت اسرائيل من نفسها ورأت في ايران رأس "محور الشر". اما ادارة اوباما بالمقابل فبدأت تبدو كادارة كفيلة بان تفضل ايران على المحور العربي.

هذا التطور كفيل بان يقع بينما ترى معظم الدول العربية، ولا سيما دول الخليج، في ايران خطرا ملموسا مزدوج الابعاد. فالنووي الايراني يهددها بقدر لا يقل عن اسرائيل وايران تظهر تصميما في أن تكون ضالعة في كل جبهة كانت حتى الان جبهة عربية حصرية، من النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني بواسطة حماس، عبر لبنان بواسطة حزب الله وانتهاء بسوريا، السودان والجزائر. المساعي العربية لدفع المسيرة السلمية او على الاقل احداث مصالحة بين فتح وحماس لا تنقطع عن التطلع لازاحة ايران من الساحة السياسية العربية. فجأة يوجد للدول العربية واسرائيل مصلحة مشتركة ومشبوها مشتركا: براك اوباما.

انغماس ساخن

كتبت الصحف التركية في نهاية الاسبوع عن درجة حرارة المياه في البرك الساخنة في فندق "قصر عثمان" في هاطي غربي تركيا. كم ملغرام من اليود في كل لتر من المياه واي مزايا طبية تعزى للمياه. هذا هو الفندق الذي اختاره رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان لقضاء اجازته بعد الايام الحاشدة التي كانت له في اثناء زيارة رئيس الولايات المتحدة الى اسطنبول.

اختيار هذا الموقع الاستجمامي في هاطي ليس صدفة. فهذا هو الاقليم الوحيد على طول البحر المتوسط الذي حظي فيه حزب اردوغان، حزب العدالة والتنمية في الانتخابات للسلطات المحلية التي جرت في نهاية اذار. وهذه كانت الانتخابات الاولى منذ 2002 التي تقلص فيها الحزب بشكل بارز وتآكلت قوة الحكومة. صحيح أن الحزب فاز بـ 39 في المائة، ولكن مقابل الهدف الذي وضعه اردوغان، 47 في المائة، بالقياس الى النصر الجارف في الانتخابات للبرلمان، فان لهذه النتائج رائحة حادة من الهزيمة.

اذا كان اردوغان أمل في ان تمنحه نتائج الانتخابات اساسا جماهيريا واسعا لتغيير جارف في الدستور، الان يبدو ان بوسعه، اذا كان على الاطلاق، ان ينفذ تعديلات قليلة فقط. تعديل البند في الدستور الذي يسمح باغلاق احزاب، والذي استخدمته المحكمة الدستورية استخداما شاملا بل وهددت باستغلاله كي تغلق حزب السلطة، يبدو أنه لن يكون استخدام له.

كما أن تعديل قانون الانتخابات سيدخل في جمود والاصلاحات في مبنى المحكمة الدستورية وصلاحياتها – والتي بواسطتها كان يمكن للجيش أن يطالب باعتقال نشطاء سياسيين، او منتقدين شديدين للعلمانية في الدولة – سيوضع لزمن ما على رفع الاحلام. اردوغان دفع في هذه الانتخابات ثمن سوء التقدير الذي منحه للازمة الاقتصادية. قبل بضعة اشهر قال لمواطنيه ان تركيا حصينة من أزمة عميقة وان من هو مذنب في الوضع الاقتصادي هي الشركات الكبرى في الدولة وليس النظام الاقتصادي او الازمة العالمية.

خصوم اردوغان يضمون سلوكه تجاه اسرائيل، ولا سيما ظهوره الدراماتيكي في مؤتمر دافوس في نهاية كانون الثاني الى قائمة الاسباب التي أدت الى هزيمة الحزب. ويقول مسؤول في وزارة الخارجية التركية ان "اردوغان اظهر كامل كفاءاته في التعالي حين غادر استديو التلفزيون في دافوس. تعابيره بحق اسرائيل كانت محقة مبدئيا ولكن الطريقة التي اعرب فيها عن ذلك لا تطاق".

 والى جانب الفشل السياسي يمكن لاردوغان ان يسجل لنفسه انجازات سياسية. الاهم بينها هو زيارة اوباما الى تركيا، الدولة الاسلامية الاولى التي حل بها الرئيس الامريكي منذ ادائه اليمين القانونية وفي الشكل الذي وصفها به. في الاذان التركية، فان ليس فقط تملص اوباما من شرك التعاطي مع قتل الارمن كقتل شعب وحده هو الانجاز الهام، بل وايضا امتناعه عن التعاطي مع تركيا كدولة اسلامية معتدلة. فقد اكتفى اوباما بانها دولة اسلامية في معظمها. للاتراك ما يدعوهم الى الشعور بالرضى.

القول ان تركيا تمثل "الاسلام المعتدل"، استخدمه الرئيس جورج بوش كاحد التعابير الكريهة للاتراك. فقد سعى بوش الى أن يرسم الفارق بين تركيا والدول الاسلامية والعربية الاخرى. تركيا يحكمها حزب اسلامي، ولكنها تحذر جدا من أن تصف نفسها دولة اسلامية. الحزب الحاكم يفضل تعريف نفسه بانه "حزب اشتراكي ديمقراطي"، حسب طراز الاحزاب المسيحية الديمقراطية في المانيا. والاهم من ذلك، فان كل ذكر للاسلام في سياق تركيا هو لغم آخر في الطريق الى انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.

اوباما، الذي تلقى تفسيرا شاملا عن حساسيات تركيا ووصل جاهزا جدا الى البرلمان التركي كان يعرف انه محظور عليه ايضا الحديث عن تركيا اسلامية وتأييد دخولها الى الاتحاد الاوروبي في ذات الوقت. هذا تضارب لا يمكن تسويته، ولا سيما من زاوية نظر فرنسا والمانيا. قبل نحو عشرة ايام اتخذ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لغة لا تقبل التأويل تجاه اوباما حين طالبه بان يرفع يده عن مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد. واوضح ساركوزي بان "عارضت هذا الانضمام في الماضي وسأواصل معارضته".

تركيا هي الاخرى تعرف بانه لا يغير في الامر من شيء كم من التأييد ستمنحها واشنطن في هذه القضية، اذ ان اوروبا هي التي ستحسم الامر. اوباما تحدث عن تركيا كجسر بين الثقافات، وفرنسا لم تفهم عما يتحدث بالضبط. على الجسر الامريكي - التركي وقع صدام امريكي – فرنسي، ومر فقط تسعون يوما منذ تسلم اوباما مهام منصبه.