خبر بشرى الحرية تداعب آمال عائلة الأسير الكيَّال بعد 27 عاماً خلف القضبان

الساعة 07:12 ص|17 ابريل 2009

فلسطين اليوم-غزة                                                    

في كل مرة تتوالي فيها معلومات عن قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، يبدو "أبو علي" وأفراد عائلته متحرقاً لسماع التطوّرات.

 

و"أبو علي" هو شقيق الأسير سليم الكيال (57 عاماً)، عميد أسرى قطاع غزة. وقد اعتقل الكيّال في أيار (مايو) 1983 بتهمة الانتماء لحركة "فتح" وتنفيذ عمليات مقاومة للاحتلال، وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية بحقه حكماً بالسجن المؤبد، فيما اقترب مجموع فترات اعتقاله من الثلاثين عاماً.

 

ويتواجد الكيَّال الآن في سجن نفحة الصحراوي، ويعاني من عدة أمراض أخطرها السكري والضغط في ظل الإهمال الطبي المتبع من قبل إدارة مصلحة السجون.

 

وأعرب "أبو علي" عن أمله في أن يتحقق "الحلم الكبير" بالإفراج عن شقيقه وعن كل الأسرى، وأن تنتهي معاناة أهله التي طالتها السنون الطويلة، وقال "هذا حلم كل أم وأب وأخ فلسطيني، وحلمنا يتضاعف ويكبر، خاصة وأنّ أخي مضى على اعتقاله 27 عاماً، وهو عمر كبير، إن شاء الله ربنا يكرمنا بهذه الفرصة ويطلع هو وباقي الأسرى بالسلامة".

 

وبادر "أبو علي" بالحديث عن مشاعر والدته كبيرة السن، والتي قال إنّ روحها باتت معلقة بسليم، ولا تكاد تمرّ لحظة إلا وتذكره بالدعاء والحنين.

 

ولفت المواطن الفلسطيني إلى أنّ والدته باتت تأمل كثيراً بنجاح الصفقة المرتقبة، وقال "تعال وانظر كيف تدعو له ولكل الأسرى دائماً بالفرج"، مشيراً إلى أنها تبكي كثيراً حين تسمع أي نبأ عن الأسرى. أما باقي أفراد العائلة، فيحدوهم الأمل الكبير بإتمام الصفقة والإفراج عن سليم.

 

معاناة سليم هذه كانت من ورائها مشاعر جياشة تنتظره وتحلم برؤيته، سوى أن مشاعر العائلة على تغييب سليم يمكن وضعها كلها في كفة، وخلجات قلب كريمته دعاء ربما ترجح في كفة أخرى.

 

فقد كان الأسير الكيال قد عقد قرانه على زوجته ولم يستكمل مراسم الزواج، حيث اعتقل لبضعة سنوات، تحرّر بعدها وأتمّ مراسم الزفاف، ليُعتقل ويترك زوجته حاملاً في شهورها الأولى، إلى أن أنجبت دعاء وهو في زنازين الاحتلال.

 

حُرم سليم من رعاية طفلته حتى اللحظة، كما حُرمت هي الأخرى من حنانه وحضنه الدافئ، فاكتفى بمتابعة نموِّها ومراقبة ترعرعها في حضن أمها من بعيد، عبر الفتحات الفاصلة ما بين قضبان السجون التي تقلّب بينها خلال فترة اعتقاله.

 

"أبو علي" وصف مشاعر بنت أخيه دعاء مع تزايد الأمل بحرية والدها بـ"غير العادية"، وقال إنّ "مشاعر دعاء مشاعر البنت لأبيها، مشاعر غير عادية ولا توصف، خاصة وأنها تزوجت حديثاً وهي بحاجة لأبيها، وخاصة أنّ الأب هو العمود الفقري في البيت، وهي تتأمل أن تعيش كباقي الأبناء في العالم، بأب وأم تتحدث إليهم".

 

كبرت "دعاء" وانتظرت طويلاً عودة والدها، ولا زالت تأمل إتمام صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الأسير لدى المقاومة الفلسطينية.

 

ويُشار إلى أنّ عملية مشتركة للمقاومة الفلسطينية منتصف العام 2006 حملت اسم "الوهم المتبدد"، جرى خلالها أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وقتل آخرين من داخل قاعدة "كرم أبو سالم" العسكرية المحصنة جنوب قطاع غزة، وذلك عبر استخدام نفق أرضي، وفق ما بيّنت المقاومة.

 

ومنذ ذلك الحين والجيش الإسرائيلي يحاول معرفة مكان تواجد شاليط دون جدوى، وقد سلك كل الطرق من أجل استرداد جنديه الأسير ولم يفلح، حتى اقتنع في النهاية أن لا خيار للإفراج عن جنديه إلاّ بالتفاوض غير المباشر مع المقاومة.

 

وجرت أكثر من مرة مداولات بين المقاومة الفلسطينية ومسؤولين إسرائيليين برعايات متعددة، أنعشت مؤخراً إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب، يتم بموجبه إطلاق سراح شاليط مقابل مئات الأسرى القابعين في سجون الاحتلال.

 

وتعتقل السلطات الإسرائيلية في سجونها 11 ألف أسير فلسطيني، بينهم 336 أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو الذي أُبرم في الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) من عام 1993، و760 أسيراً يقضون حكماً بالسجن مدى الحياة، منهم 11 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، ومن هؤلاء الأسير الكيّال.

 

وبالعود إلى دعاء، فمع أنها أجَّلت موعد زفافها أكثر من مرّة، إلا أنها لم تستطع أن تؤجله لفترة أطول، فخرجت عروساً من بيتها وهي تذرف الدموع مستحضرة صورة والدها التي لا تغيب عنها برهة واحدة.

 

دعاء حلمت بفرحٍ كبير وليلة زفاف سعيدة بلا حزن أو دموع فراق، حلمت بحضور والدها ووليّ أمرها شاهداً على عقد الزواج، ومرافقته لها أثناء خروجها إلى بيت زوجها، كما حلمت من قبل أن تقضي بعض سنوات طفولتها بين أحضانه، ومضت السنون دون أن تتحقق أحلامها، فهل ستحقق "صفقة شاليط" ما عجزت عن تحقيقه الأيام؟.

 

في نهاية حديثه، وجَّه "أبو علي" نداء للمقاومة الفلسطينية قائلاً "هذه فرصة لا تعوض للإفراج عن الأسرى جميعاً، وخاصة ذوي الأحكام العالية، فعليكم بالتمسك بشروطكم، ونحن معكم، وإن شاء الله يتحقق هذا الأمل ويتحرّر جميع الأسرى"، وقال عن اللحظة التي سيرى فيها شقيقه حراً "ستكون فرحة لا توصف، ومشاعر جياشة، وربما لا أتمالك نفسي".

 

أما أم دعاء، زوجة سليم، فكانت أعجز من "أبي علي" عن وصف مشاعرها. وبنبرة يعلوها الأمل العظيم قالت أم دعاء، إنّ "الأمل في الله كبير، وإذا لم يتحقق الحلم، فسليم سيبقى كما عرفناه شامخاً صلباً وعنيداً، متسلحاً بأمل العودة قريباً إلى شوارع غزة وأزقة حي الزيتون الذي تربّى وترعرع فيه".

 

وأكدت "أم دعاء" أنها تحلم أن يلتئم شملها بزوجها الذي فارقها قسراً أكثر من 27 عاماً، وأن تجلس إلى جواره من ناحية، ومن الناحية الأخرى تجلس دعاء التي حُرمت مجرد رؤية والدها واحتضانه، بعد أن شبكت أسلاك الاحتلال أيديها ومنعتهما من الالتقاء.

 

ودعت الزوجة الفلسطينية المكلومة، فصائل المقاومة الآسرة لشاليط أن تبقى مصممة على مطالبها، وقالت "كلما استفدنا أكثر عدد من الأسرى يكون أفضل".

 

وبين تصميم المقاومة على إتمام الصفقة وفق شروطها، وتعنّت الاحتلال الإسرائيلي في قبول بعض الأسماء الواردة في القائمة؛ يبقى إصرار المقاومة وتراجع الاحتلال، هدفاً أسمى لدى دعاء، عسى أن يكون ذلك مفتاحاً للزنزانة التي يقبع فيها والدها، ينطلق من بعدها نحو فضاء واسع فسيح في رحاب أهله.