خبر عن المقاومة و« التهريب » والسيادة .. عريب الرنتاوي

الساعة 12:14 م|15 ابريل 2009

عن المقاومة و"التهريب" والسيادة ..

عريب الرنتاوي

15 - 04 - 2009

القبض على "خلية حزب الله" في مصر، ليست الواقعة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة...وحزب الله ليس أول "المهربين" ولن يكون آخرهم، ومصر ليست المعبر الوحيد أو القناة الوحيدة لهذا العمل، فثمة معابر سابقة ولاحقة ستظل نشطة، طالما ظل الاحتلال الإسرائيلي قائما على أرض فلسطين وطالبا ظل الحصار مضروبا على أهلها، والأهم، طالما ظل "النظام العربي الرسمي" غائبا أو مغيبا، عن دوره المطلوب في الكفاح من أجل إزالة الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

 

أكاد أجزم، بأن أراشيف المخابرات المصرية، القديمة منها والحديثة، تعج بعشرات "الملفات" عن شبكات ومحاولات لتهريب السلاح والمقاتلين والأموال والعتاد إلى قطاع غزة، قبل الحرب وبعدها، قبل ظهور حماس وبعدها، قبل الاحتلال في 67 وبعده، قبل 48 وبعدها، وأكاد أجزم بأن أراشيف المخابرات الأردنية والسورية واللبنانية وحتى القبرصية، لديها شيئا مماثلا، جرى التعامل معه بأشكال مختلفة، في مراحل مختلفة، من دون أن نصل إلى إعلان "حرب مفتوحة" كتلك المندلعة بين القاهرة والضاحية الجنوبية.

 

في الأردن على سبيل، ولا أحسب أن أحدا يستطيع أن يتهم حكوماته المتعاقبة بالتفريط بسيادته الوطنية أو عدم الوفاء بالتزاماته حيال معاهداته الدولية، جرى ضبط العديد من حالات ومحاولات تهريب السلاح إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، في مراحل مختلفة، وعلى يد قوى فلسطينية مختلفة، ودائما كان التعامل يجري بهدوء وحزم، دون تفريط أو إفراط، ولقد نشرت صحف لبنان بالأمس واقعة بين حزب الله والأردن حدثت في العام 2002 عندما اعتقلت سلطات الأمن الأردنية ثلاثة من عناصر الحزب ومعهم كمية من الصواريخ كانوا يحاولون إدخالها إلى فلسطين، وفق ما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رسمياً في حينه، وبعد اتصالات شارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، تولى المدير العام للأمن العام السابق اللواء جميل السيد إدارة مفاوضات ظلت مكتومة التفاصيل وأدّت الى إطلاق سراح العناصر الثلاثة، بعد فترة من الاعتقال/الاحتجاز.

 

في ذروة التنسيق الفلسطيني الأردني، زمن اتفاق شباط 1985، ثمة معلومات مؤكدة بأن الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، كان ينقل بسيارته الخاصة أسلحة للأردن لـ"تهريبها" إلى فلسطين، وهو شيء فعله الراحل ياسر عرفات، عندما عاد إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث كان ينقل بطائرته العامودية إبان العصر الذهبي لأوسلو، أسلحة ومطلوبين، وكان يموّل عمليات شراء السلاح و"تهريبه"، من أي جهة أمكن الحصول منها عليه، ولعل قصة "كارين إيه" توضح ما أردت أن أقول.

 

حتى في سوريا، التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع حماس وفصائل مقاومة فلسطينية ولبنانية، فإن عمليات نقل الأسلحة تتم بطرق أقرب ما تكون إلى التهريب حتى وهي تتم بعلم السلطات، والأراضي السورية بدورها، لم تكن يوما عصية على "التهريب"، وثمة قصص عن أسلحة نقلت من لبنان عبر الأراضي السورية إلى أماكن أخرى في المنطقة، من دون علم أجهزة السلطة السورية.

 

لا مقاومة من دون "تهريب" للمال والسلاح والرجال، و"التهريب" هنا لا يحمي المقاومة فحسب، بل ويصون الدول والأنظمة ذات الصلة من الضغوط ويبعد عنها كأس الحرج والإحراج، في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

 

الأزمة بين القاهرة وحزب الله، ليست في التهريب ولا في "انتهاك السيادة"، فالتهريب متواصل، والسيادات العربية عموما، ناقصة حتى لا نقول منتهكة، من قبل منتهكي السيادات المعروفين في العالم، المشكلة في الأصل، بين القاهرة وطهران، عنوانها: صراع الأدوار، وساحاتها ممتدة من العراق إلى غزة، مرورا بسوريا ولبنان وفلسطين والخليج، أما أدواتها فلا حصر لها ولا حدود.

 

جذر الأزمة بين مصر وحزب الله، يكمن أيضا في استعصاء بعض الملفات التي سعت الدبلوماسية المصرية في تفكيكها، من شاليط إلى التهدئة مرورا بالحوار والمصالحة الفلسطنييين، فتأتي الحملة المصرية على حزب الله، لتأخذ حماس في طريقها، فترد القاهرة التحية لحسن نصر الله وخالد بأحسن منها، على ما تعتقد.

 

لكن مشكلة مصر في حملتها على حسن نصر الله، أنها ترضي الراضين عنها أصلا، وتزيد الغاضبين والرافضين لسياساتها غضبا ورفضا: الرأي العام المصري والعربي، وأحسب أن حصاد المواجهة الدائرة حاليا بين الطرفين لن تكون في صالح القاهرة، ومن يتابع أخبار المنتديات يستطيع أن يعرف عمّا أتحدث، فالعبرة ليست فيما يقول كتاب الأهرام والأخبار والجمهورية، فهؤلاء يمكن أن يشتموا أنفسهم إن طلب إليهم ذلك، العبرة فيما يقال ويتردد على السنة رجل الشارع المصري والعربي.