كلمة السرّ في انتصار الأسير هشام أبو هواش

الساعة 08:03 ص|09 يناير 2022

فلسطين اليوم | حسن لافي

حسن لافي


لم تقف قضية الأسير هشام أبو هواش عند حدود أسير فلسطيني أضرب عن الطعام مدة 141 يوماً احتجاجاً على احتجازه التعسفي من دون أي تهمة، بل تجاوزت ذلك، ووصلت قضيةُ إضرابه وانتصاره إلى أبعاد ذات علاقة بعدم قدرة المستويَين السياسي والعسكري لدى الاحتلال الإسرائيلي على تخطّي المعادلات الجديدة في الصراع مع المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي أنتجتها معركة "سيف القدس".
رفعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة، والتي تشكَّلت بعد معركة "سيف القدس" بقيادة الثلاثي، نفتالي بينيت ويائير لابيد وبني غانتس، شعارَ "ما كان لن نسمح بأن يكون"، في تعاملها مع غزة، بحيث أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة أنها ستغيّر استراتيجيتها تجاه غزة، في عدة قضايا، أهمها:
1. ترميم قوة الردع الإسرائيلية تجاه غزة، من خلال تكريس معادلة إسرائيلية جديدة، مفادها أن أيّ إطلاق للبالونات الحارقة من غزة، أو العودة إلى استراتيجية المشاغلة العسكرية من خلال سياسة التنقيط الصاروخية تجاه الأراضي المحتلة عام 1948م، ستُقابَل بردّ عسكري إسرائيلي قاسٍ وغير مسبوق.
2. العمل على فكّ الارتباط بين غزة وقضايا فلسطين الكبرى، مثل القدس المحتلة، والأسرى، وغيرهما من القضايا، التي توحّد جموع الشعب الفلسطيني حولها، مع اختلاف مشاربهم السياسية والأيديولوجية. لذلك، عملت "إسرائيل" على خلق مسار تفاوضي غير مباشِر مع غزة، عبر الوسطاء الإقليميين، من أجل التوصّل إلى تهدئة طويلة الأمد في غزة، تُخرج غزة من دائرة الصراع الوطني الفلسطيني، وتشغلها بقضاياها الخاصة بجغرافيتها، مستغلة حاجة غزة إلى إعادة الإعمار، وتحسين الشروط الحياتية لمليونَي فلسطيني تحت الحصار الإسرائيلي، منذ ما يقارب خمسة عشر عاماً.
3. السعي الإسرائيلي الدؤوب لإعادة تفكيك الجبهات الفلسطينية، وفصلها، بعضها عن بعض، في أثناء تعاملها مع الاحتلال الإسرائيلي؛ تلك الجبهات التي توحّدت في معركة "سيف القدس" في جبهة مواجهة فلسطينية واحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي. 
وازدادت أهمية عملية الفصل مع استشعار المؤسستين العسكرية والأمنية، لدى الاحتلال الإسرائيلي، بدءَ تحرُّك الضفة الغربية المقاوم، وعدم هدوء جبهة فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948م. لذا، وضعت حكومة الاحتلال الإسرائيلية هدفاً مركزياً لها، هو فصل غزة عن الضفة الغربية، والاستفراد بجبهة فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948م. 
يمكن تفسير التعنُّت الإسرائيلي، تجاه قضية إضراب الأسير أبو هواش في بداية الأمر، بأن حكومة الاحتلال الاسرائيلي رأت أن هذا الأمر فرصة حقيقية من أجل ضرب عصفورين في حجر واحد:
 الأول: كسر أسلوب الإضرابات الفردية كنهج مقاوم أثبت نجاعته، ويستخدمه الأسرى الفلسطينيون في مواجهة المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق الانتصار عليها. لذلك، كانت الرسائل الإسرائيلية، التي كانت تُنقَل عبر الوسطاء، أنها "لن تسمح هذه المرة لضغوط حركة الجهاد الإسلامي بإرغامها على إطلاق سراح هشام أبو هواش مطلقاً".
الثاني: ردع غزة عن التدخل في قضية وطنية مركزية، مثل قضية الأسرى، بما تحمله من امتدادات مهمة في ساحة الضفة الغربية، فكانت التقديرات الإسرائيلية أن غزة لن تذهب إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع "إسرائيل" من أجل أسير واحد، في ظل أزماتها الإنسانية المتفاقمة بعد معركة "سيف القدس".
حدثت نقطة التحول المركزية في التقديرات الإسرائيلية تجاه قضية الأسير أبو هواش بعد تصريح الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، زياد النخالة، والذي مفاده "أن استشهاد أبو هواش سيُعتبر عملية اغتيال قام بها العدو مع سبق الإصرار"، وأن "حركة الجهاد الإسلامي ستتعامل مع الأمر وفقاً لمقتضيات التزامنا الردَّ على أي عملية اغتيال". وبالتالي، أدرك الاحتلال الإسرائيلي، في ضوء ما يحمله القائد النخالة من صدقية، أن حركة "الجهاد" مستعدة للذهاب إلى حرب مفتوحة من أجل حماية حياة الأسير أبو هواش، وخصوصاً بعد أن أعلنت "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" حالة النفير العام، وما أعقب ذلك من رسائل ميدانية ملموسة، أربكت حسابات المستويين العسكري والسياسي، لدى الاحتلال الإسرائيلي، في اختيار مستوى الرد عليها، ونوعيته، والآثار المترتبة عليه.
وفي نهاية المطاف، لم يخرج ردّ الاحتلال الإسرائيلي عن المعتاد، الأمر الذي أوضح أن جيش الاحتلال يخشى معركة مفتوحة مع غزة، وجبهته الداخلية لا ترغب فيها، الأمر الذي أثبت تَأَكُّل الردع الإسرائيلي تجاه غزة، على الرغم من كل محاولات ساسة الاحتلال الإسرائيلي تغييبَ تلك الحقيقة، من خلال تهديداتهم الكلامية.
إن استمرار هشام أبو هواش في إضرابه عن الطعام، في ظل تهديدات المقاومة، زاد في الحراك الجماهيري في الضفة الغربية، وباتت تُسمَع هناك هتافات كانت تردَّد قبل معركة "سيف القدس". 
ومع دخول فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948م على خط الاحتجاج، توحَّدت الجبهات الفلسطينية حول قضية هشام أبو هواش، الأمر الذي دفع الجميع، بمَن فيهم الاحتلال الإسرائيلي، إلى إجراء مقارنات بين الظروف الحالية والظروف التي سبقت معركة "سيف القدس".
ومع إعلان عقد اجتماع للقيادة العسكرية للمقاومة في غزة، وعلى رأسها "سرايا القدس" و"كتائب القسام"، وتصديرها موقفاً موحَّداً تجاه التعامل مع استشهاد أبو هواش (لو حدث) على أنه عملية اغتيال تستوجب الردّ، أدركت "إسرائيل" أن الأمور ذاهبة إلى معركة مفتوحة، الأمر الذي أجبرها، بعد أقل من 48 ساعة، على الرضوخ لمطالب هشام أبو هواش، لتكون كلمة السر في انتصار أبو هواش، كما علّق تسفي يحزقيلي، معلّق أخبار الشؤون العربية في "القناة الـ13" الاسرائيلية، "أن الأسير هشام أبو هواش أخضع المنظومة الإسرائيلية، بمساعدة التهديدات الصادرة عن غزة، وأن الفلسطينيين حقّقوا انتصاراً لم يسبق له مثيل في معركة الوعي".