خبر مدينة الاصفار.. هآرتس

الساعة 09:41 ص|14 ابريل 2009

بقلم: جان ميشيل بازيه وغيرغوار اليكس عن صحيفة ليموند

للوهلة الاولى يبدو ذلك نوعا من خداع البصر والسراب الذي يظهر في قلب صحراء ابو ظبي. 25 كيلومترا بعيدا عن عاصمة الامارات المتحدة العربية، تشيد مدينة في قلب بحر من الرمال. من البعيد يمكنك ان تلاحظ الاذرع الاسمنتية التي سيقام فوقها في المستقبل "معهد المصدر للمعلومات والتكنولوجيا". فوق اللافتة المعلقة على مدخل موقع البناء تجد التصميم التصويري لمخططي المشروع الطموح، كما اقتبس عن احد حكام امبراطورية النفط الصغيرة تلك: "تخيلنا مكانا تكون فيه الحداثة والتكنولوجيا والتطوير قادرة على البقاء متمازجة معا من اجل بناء مدينة من طراز جديد".

وبالفعل، ان لم تمس الازمة الاقتصادية العالمية التي لم تعرج عن الامارات في الخليج الفارسي ايضا، لم تمس بالحلم الاخذ في التجسد هنا في هذه الايام ستفتح مدينة "المصدر سيتي" ابوابها في عام 2016. هنا تبنى مدينة "الاصفار" – صفر من ثاني اكسيد الكربون وصفر من النفايات وصفر من السيارات. هذه المدينة الصغيرة ستشكل حسب مبتدعيها مختبرا لمدن المستقبل: اكثر حداثة ونقاء من مشاريع مشابههة كالمدينة البيئية دونغتان في الصين التي ستفتتح في السنة القادمة.

ما من شك ان الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان يمتلك الوسائل لتحقيق تطلعاته. حلمه الاخضر هو مدينة مخصصة لـ 90 الف انسان اربعون منهم مواطنين دائمين. المهندس البريطاني نورمان فوستر كلف بتخطيط هذا المشروع. "لدينا هنا مجموعة من الحلول التقليدية مع القدرة التكنولوجية العصرية. هذا اسلوب التكنولوجيا الراقية الذي مكن فوستر من مراكمة وزيادة سمعته" يوضح مخطط المدن ايب ليون الذي فاز بالمناقصة الفرنسية "غراند – بيري" لعام 2007 والذي يعرف بصورة معمقة التطور الحضاري والمدني في العالم العربي.

المعهد التكنولوجي هو المبنى الاول الذي سيضاء في مركز المدينة الجديدة. بعده ستشيد بناية المكاتب للشركة التي تنسق وتركز المشروع. هذا المبنى سيشيد وفقا للقواعد البيئية المتشددة جدا. السطح سيغطى بألواح شحن توضع هناك من قبل ان تقام بقية المبنى، من اجل توفير الكهراء النقية لاعمال البناء. البناء نفسه يستجيب هو الاخر للشروط المتشددة: فضلات في الحد الادنى من اكسيد الكربون واستخدام للفولاذ الذي يعاد تصنيعه والباطون ذو الاسمنت المخفض والالمنيوم الذي ينتج بواسطة قدر اقل من اكسيد الكربون والطاقة الشمسية والتوربينات الهوائية.

المخططون يعدون ايضا بان لا ينسوا الجانب الانساني. هم سيحرصون على رفاه عمال البناء الذين هم في اغلبيتهم من المهاجرين الاسيوين والافريقيين الذين يصل استغلالهم في دول الخليج الفارسي الى حد العبودية.

"يتوجب ايجاد نقطة توازن اجتماعية يتم فيها معاملة الجميع بمساواة" يقول خالد عوض مدير التنمية في مصدر سيتي.

مدينة المصدر هذ، ستبنى وفقا للتصميمات الهيكلية في مدن الشرق الاوسط التقليدية: شوارع ضيقة للحماية من حر الصيف الخانق وابراج هواء لاستغلال هواء الليل من اجل تبريد المكان وجدران سميكة لصد رياح الصحراء الساخنة. مصممو المدينة يرون في رؤيتهم وتصورهم مكانا يجتذب الاحياء من القاهرة وحلب ومدينة شيبام في حضرموت اليمن. وفقا للتخطيط المزمع هذه المدينة البيئية ستستهلك قدرا اقل من ربع الطاقة التي تستهلكها اليوم مدينة مشابهة يبلغ تعداد سكانها 50 الف نسمة.

مختبر بشري حي

"المصدر سيتي تجدد العلاقة بين المدينة العربية ذات الجذور الشرق اوسطية وبين الرؤيا الحضرية التقليدية" يوضح ايب ليون. "هذه تركة فقدت فيها المدينة العربية في ايامنا هذه منذ زمن التطلع لتقليد نمط الحياة الامريكي الذي تتحول فيه كل نافذة حتى ولو الصغيرة منها الى نصب عمراني وتكون فيها الشوارع كبيرة جدا والفراغات الهندسية مضخمة ومبالغا فيها".

"الامر يتعلق بنمط حياة السكان اكثر من الطريقة التي ستبنى فيها المدينة، وهذا النهج سيضطر لاحترام مبادىء تنمية قابلة للبقاء" يقول عوض. المصدر اذا ستشكل مختبرا بشريا حيا. ولكن هل سيكون من اللطيف العيش فيها؟ تخيلنا مواطنا سعيدا يتجول في المصدر بعيدا عن جلبة المدن الحديثة في داخل الازقة المظللة الوادعة. هناك لن تسمع زقزقة العصافير ولا ضجيج المدينة مثل المحادثات العابرة بين المارة. المشتريات هنا ستكون ستتم من خلال شاشة لمس بيتية يمكنك من خلالها ان تطلب الفواكه والخضروات واللحوم التي تتوافق مع قواعد ومعايير البيئة الملائمة. هذه الطلبات سترسل الى منازل الزبائن مباشرة لتقليل الحركة في الشوارع.

مواطنو السكان سيتحركون مشيا على الاقدام او على الدرجات الهوائية او على متن السيارات المستقبلية. على طراز الافلام العلمية الخيالية.  كل نقطة في المدينة ستكون على مسافة 150 مترا من سكة الحديد التي تتحرك فوقها 1500 عربة. السكة ستكون مغناطيسية. 80 في المائة من المياه التي ستتدفق في الانابيب ستجتاز عملية تنقية مرتجعة. 98 في المائة من النفايات ستتحول الى طاقة او يعاد استخدامها هي الاخرى. 200 حتى 240 ميغا واط المطلوبة لاستمرارية الطاقة في المنظومة البلدية ستأتي في جزئها الاكبر من الطاقة الشمسية. "نحن سننتج تيارا اكبر مما نحتاجه بواسطة الالواح الشمسية التي ستوضع فوق الاسطح". يتفاخر سمير ابو زيد المسؤول عن شبكة الكهرباء في المدينة. "بونانزا في قلب الصحراء".

الانضمام لمدينة المصدر البيئية سيتطلب من السكان الاعتياد على الانضباط البيئي المشدد الذي سيتبع في المدينة. كل مواطن سيطالب باحترام القدر المخصص لاصدار اكسيد الكربون والفضلات البيتية والمياه.

الاستثمار الاول لبناء هذه المدينة سيأتي من حكومة ابو ظبي. "التوفير الاكبر في الطاقة والمياه سيساعد في دفع التكلفة التي ينطوي عليها استخدام التكنولوجيا المتطورة". يقول عوض. المشروع يتطلع لاجتذاب رؤوس اموال الشركات الدولية في مجال الطاقة النقية، ومن اجل هذا الغرض بذل كل ما يمكن من اجل جذبهم للمكان: ارجاع سخي للاستثمارات واعفاء تام من الضرائب وضمانات لحماية المدخرات الصناعية. "هناك عدد قليل من الدول في العالم التي لا يعتبر المال بالنسبة لها مشكلة" يقول ليون. "هذه بونانزا في قلب الصحراء". وبالفعل يجتذب مستثمرون كثيرون وهم فرنسيون في اغلبيتهم الى نافذة العرض هذه. "المصدر سيتي ستكون بؤرة للتنمية التكنولوجية الحضارية الخضراء حيث سيكون من الممكن استخدامها في مراكز حضارية كبيرة في العالم" يؤكد جيرار مسترالا رئيس شركة الغاز الضخمة جي دي اف سويس التي تفكر بالانضمام للمشروع من اجل معالجة المياه والفضلات.

مدينة المصدر هي احدى المدن التي ستكون كمية غازات التسخين المحظورة التي تعطى لكل مواطن من الاعلى في العالم. وقبل الولايات المتحدة بكثير التخطيط هو انه في عام 2020 على الاقل ستكون 7 في المائة من كهرباء ابو ظبي كلها منتجة من الطاقة المكررة. سلطان ابو جابر احد المستثمرين المركزيين في المصدر يجد صعوبة في اخفاء حماسه. "ابو ظبي تريد ان تتحول الى وادي السيلكون للطاقة البديلة" يوضح قائلا. "ان نجح هذا المشروع فلن تطرح بالمرة مسألة من الذي يحتاج الى مدينة المصدر وانما السؤال لماذا لا توجد مدن كهذه في العالم" يقول خالد عوض. احدى تطلعات المخططين هي استضافة مكاتب وكالة الطاقة الدولية النقية التي اقيمت قبل مدة من الزمن والتي تشارك فيها 80 دولة.