خبر شرق اوسط ساخن.. معاريف

الساعة 09:36 ص|14 ابريل 2009

بقلم: جاكي خوجي

مراسل الصحيفة للشؤون العربية

د. فوزية دريع، امرأة متحجبة ذات ملايين المعجبين، جلست في استديو التلفزيون ورحبت بالمهاتف التالي. البرنامج الاسبوعي لخبيرة شؤون الزواج في قناة الرأي الكويتية، معروفة كشاقة طريق – ولكن هذه المرة اجرت العالمة الكبيرة توغلا جريئا على نحو خاص. فقد قررت ان تفتح للنقاش الجماهيري سؤال المليون: هل الحجم يفرق؟ والواحد تلو الاخر من المشاهدين من الكويت ومن الدول المجاورة اتصلوا واخذوا يبحثون معها لعلاقة الانسان بعضوه. "لا يوجد اي سبب يدعو الى الحديث بالبث الحي عن الاعضاء التناسلية الرجولية. فليس هذا يرضي الرسول (النبي محمد) ولا الله"، احتجت د. خولة العتيقي، المسؤولة الكبيرة في وزارة الثقافة الكويتية.

العاصفة التي اثارها البرنامج اياه، الذي بث قبل نحو سنتين، تبددت في غضون ايام معدودة؛ فلم يطلب احد اقالة دريع او ازاحة برنامجها عن جدول البث. الانشغال الموضوعي بالعضو الجنسي الذكري، كما ظهر على الشاشة الصغيرة لملايين مشاهدي قناة الرأي، يجسد قصة وسائل الاعلام العربية في بداية القرن الـ 21: عديمة القيود تقريبا، تمنح النساء المساحة المناسبة لهن، ومهم بقدر لا يقل – متنوعة ومثيرة للفضول.

تحطيم سد المعلومات

السماء الحرة لوسائل الاعلام العربية هي تغيير جوهري بالقياس الى وضعها حتى قبل نحو ثلاثة عقود فقط – في حينه كان صنبور المعلومات تحت سيطرة السلطة وحدها؛ محطات التلفزيون والصحافيون كانوا يمجدون الاداء البائس لصاحب السيادة، فيما نسيت احتياجات المواطن الصغير. اليوم كل تجديد من شأنه ان يثير فضيحة، وكان في الماضي يخفى عن ناظر الجمهور، يقتحم الصالون من البوابة الامامية ويقرر جدول الاعمال. ومع ذلك فان معدل الدخول الى الانترنت في العالم العربي لا يزال منخفضا على نحو كبير مما هو دارج في الغرب. في احدى اغنى الدول العربية، اتحاد الامارات، يصل معدل الدخول الى الانترنت نحو 50 في المائة اما في الدول الضعيفة مثل العراق واليمن فمعدل استخدام الانترنت صفري نحو 1 في المائة من المنازل. في مصر ترتبط 13 في المائة من العائلات فقط بالانترنت – مقابل معدل استخدام بنحو 75 في المائة في اسرائيل. الدول العربية هي جنة لوسائل الاعلام التقليدية، ولكن هناك ايضا بدأت الثورة.

الانترنت حثت انضمام العالم العربي الى قرية المعلومات العالمية. الحكومات والرقابات على انواعها لا تزال تحاول مطاردة الصحافيين، ولا سيما اولئك الذين يتحدثون عن علل السلطة. ولكن الحق في تحديد ما هو صحيح للجمهور آخذ في الخروج من يد الحاكم. الثورة في ذروتها، وهي ملونة، تجتاز الحدود وبالاساس مظفرة. الان ينتظر الجميع كي يروا اي شرق اوسط جديد ستخلقه هنا.

رغم ان وسائل الاعلام يفترض بها ان تقود تحقيق الحريات في المجتمع العربي، اذ ان المال الكبير الذي يغذيها يخرج بالذات من صناديق الحكم او من جيوب المعتمدين على طاولته. وذلك لان بقائهم متعلق بالانخراط بالعالم الحديث الغربي. وهكذا مثلا صحيفة "الشرق الاوسط" ، من اهم الصحف العربية اليومية، توجد بملكية عائلة الحريري اللبنانية والامير سلمان ابن عبد العزيز، حاكم الرياض وشقيق الملك السعودي. كما ان قناة العربية واربع قنوات تابعة لـ ام.بي.سي، يسيطر عليها مقرب من القصر، صاحب الاموال السعودي الشيخ وليد الابراهيم.

تجتاز الخطوط

رغم وجود حوار مفتوح في وسائل الاعلام العربية، فان اجتياز الخطوط الحمراء التي يضعها الحكم محفوظة للمنتقدين الذين في قسم منهم يتميزون بخط مناهض للمؤسسة حازم لدرجة التحريض على التمرد.

واحد كهذا مثلا هو حبيب يونس، صحافي سوري ابن 64، حكم قبل اسبوعين بالسجن ثلاث سنوات، للمرة الثالثة في غضون تسع سنوات بسبب مقالات طرحها على الشبكة. في احد هذه المقالات وصف حزب البعث الحاكم "بالميليشيا" وقضى بانه يعمل ضد شعبه. في احدى صفحات الانترنت كتب يقول "الميليشيات ليست قيادة لشعبنا. فهي تقاتل في سبيل مقدرات الوطن ولا تستقيل اذا ما هزمت. بالعكس فانها تهاجم شعبنا بسلاح القمع، النفي والتدمير".

قبل نحو عشر سنوات خرجت الملكة رانيا في حملة جماهيرية ضد "جرائم الشرف"، وهي من بقايا التقاليد القبلية المنصوص عليها في القانون الاردني – وبموجبها فان الزوج، الاب، الاخ من حقهم ان يمحو العار عن العائلة بقتل الابنة التي دنست شرفها. ولكن عند الاقدام على تغيير القانون اصطدمت الملكلة بمعارضة كفاحية داخل البرلمان. في نيسان 2008 اقامت الملكة رانيا قناة في "نيو تيوب" تحاول فيه التقدم الى الامام في مسألة الكفاح ضد جرائم الشرف.

الصحيفة تنازع الموت

القاسم المشترك بين الصحافة العربية والصحافة العالمية هو هرب القراء من الصحافة المطبوعة. جمهور القراء الشباب يفضلون الشبكة والشاشة الصغيرة. وهاتان زهيدتان اكثر من الصحيفة بل واحيانا اكثر توافرا منها.

عرش الصحافة المكتوبة يتجسد جيدا في مصر. صحيفة الاخبار المصرية الاكثر انتشارا في الدولة، باعت في اوجها، في السبعينيات والثمانينات، 1.5 مليون نسخة.

اليوم تنجح الصحيفة في ان تبيع فقط 215 نسخة في اليوم، اقل من 40.000 الف نسخة من منافستها الرائدة الاهرام. صحيفة يومية جديدة نسبيا "المصري اليوم" تنجح في اللحاق مع سابقتيها القديمتين مع 162 الف نسخة في اليوم.

من الصعب ايجاد تعبير الازمة المالية العالمية في الصحافة العربية. فمثلا الجزيرة، بسيطرة عائلة الامير الشيخ حمد بن جاسم، تحرق نحو نصف مليار دولار في السنة دون ان تعطي اي مردود. ولكن في وسائل الاعلام، مثلما هو الحال في وسائل الاعلام، ليس كل شيء يقاس بالمال فقد جعلت الجزيرة الامارة الصغيرة قوة ذات اهمية في سياسة الشرق الاوسط. هذه المكانة تساوي لحاكمها اكثر بكثير من بضع مئات ملايين الدولارات.