خبر 400 إخطار في شهر: هدم المنازل وسحب الهويات وبناء الجدار.. وسائل تهويد القدس

الساعة 09:40 ص|12 ابريل 2009

فلسطين اليوم ـ الانتقاد

تختلف التقديرات الفلسطينية اليوم في تحديد ما إذا فرغت سلطت الاحتلال الاسرائيلي من مخططاتها الرامية لتهويد القدس وفقد الفلسطينيون بالتالي أية إمكانية لمواجهتها، وبين وجود فرصة للعمل، انطلاقا من صمود المقدسيين وعدم اكتمال بعض المخططات الاستيطانية، من خلال استثمار إعلان "القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009".

وفي محاولة لتفنيد صور الهجمة الأخيرة على القدس جغرافيا وديموغرافيا، تبدو المدينة أمام ثلاث سياسات رئيسية هي الوسائل التي تستخدمها سلطات الاحتلال لإتمام تهويد المدينة وتفريغها من سكانها وتحويلهم إلى أقلية بلا قدرة على الفعل.

يتأتي ذلك من خلال هدم المنازل بحجج واهية مثل عدم حيازة تراخيص بناء، وكذلك سحب بطاقات المقدسيين بتهم ارتكاب مخالفات بلا أسس قانونية لذلك، وإلى جانب هذا وذلك، مصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري الذي عزل المدينة عن محيطها الجغرافي وامتدادها الحضاري والسكاني.

وفي تحليله لتصاعد حملات تهويد المدينة المقدسة، يرى المستشار الفلسطيني لشؤون القدس حاتم عبد القادر أن الهجمة على القدس ليست جديدة لكنها تصاعدت بصعود اليمين إلى المستوى السياسي في ظل حكومة إسرائيلية تضم كل مكونات التطرف داخل المجتمع الاسرائيلي، سواء التطرف الديني أو القومي، وهما الأخطر الذي يواجهه الفلسطينيون عامة والمقدسيون خاصة.

ويؤكد أن الهدف من هذه الهجمة هو بدء معركة الصراع الديموغرافي الساعية إلى تقليص الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد ممكن، حيث تبدي سلطات الاحتلال قلقها من الوضع الديموغرافي الذي يميل لكفة الفلسطينيين في القدس.

وتوضح الإحصائيات السكانية الجديدة أنه وفي الجزء الشرقي لمدينة القدس يبلغ عدد الفلسطينيين 270 ألفا مقابل 193 ألف مستوطن، ويشكل مجموع الفلسطينيين هناك 34% من مجموع السكان في شرق القدس وغربها.

وحسب التوقعات، ففي عام 2020 من المتوقع أن يصل عدد المقدسيين إلى حوالي 40% من عدد السكان في شطري المدينة، فيما سيصبح المقدسيون عام 2040 غالبية.

وحسب المخططات الإسرائيلية، تسعى بلدية الاحتلال في القدس إلى تقليص نسبة الفلسطينيين لتصل إلى 22% بهدف إحداث خلل ديموغرافي لمصلحة الوجود الاستيطاني في القدس.

ويوضح عبد القادر أن سلطات الاحتلال تستخدم في ذلك ثلاث وسائل، وهي:

- هدم المنازل عن طريق توجيه إنذارات لهدم أحياء بكاملها وليس منازل منفردة فقط، مبينا أن المواطنين الفلسطينيين تلقوا خلال شهر شباط/ فبراير فقط 400 إنذار بهدم منازل، منها 88 في حي البستان و36 شقة في حي العباسية و62 في حي الطور و55 في راس خميس بمخيم شعفاط، بالإضافة إلى 28 منزلا مهددا في حي الشيخ جراح.

- حملة سحب الهويات (البطاقات الشخصية)، ويشير مستشار شؤون القدس إلى قيام سلطات الاحتلال بسحب 7 آلاف بطاقة هوية من المقدسيين، وهذا يمثل سبعة آلاف عائلة تقريبا لأن معظم المسحوبة بطاقاتهم هم من أرباب الأسر، ويقدر عدد المتضررين جراء هذه السياسة بـ25 ألف مقدسي حرموا من الهوية والسكن في القدس.

وبسبب بناء جدار الفصل العنصري الذي عزل القدس عن الضفة الغربية وكذلك التجمعات المقدسية التي عزلت خارج المدينة، هناك 80-90 ألف مقدسي يقطنون خارج الجدار ويحملون الهويات المقدسية خاصة في منطقة سميراميس وكفر عقب وراس شحادة ومخيم شعفاط ويحملون هوية القدس، وهم مهددون بسحب هوياتهم بسبب عزلهم خارج المدينة.

ويؤكد عبد القادر أنه في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة من المتوقع أن تتعمق هذه الهجمة بحيث تحدث إسرائيل تأثيرا عميقا داخل القدس بهدف تقليص الوجود الفلسطيني وشطب القدس من "أجندة" المفاوضات عن طريق تكريس أمر واقع يقوم على استبعاد أي مطالبة فلسطينية بمدينة القدس.

 

المخططات..

بدوره، يوضح خليل التفكجي الخبير في مجال الاستيطان ومصادرة الأراضي أن سلطات الاحتلال لديها اليوم مخططان للقدس، أولهما يسمى مخطط "القدس عام 2020" والثاني "المخطط الاقليمي 30 أ".

وحسب التفكجي، تهدف هذه المخططات إلى إحداث تغيير ديموغرافي عن طريق إقامة مستعمرات جديدة وتوسيع مستعمرات قائمة وإقامة بنية تحتية جيدة، وإقامة منطقة صناعية فيها وجعل القدس منطقة أفضلية لسكن اليهود، ومن ثم ضخ مليون ونصف مليون دولار لإقامة مشاريع سكنية.

وأمام الواقع الجغرافي بمصادرة الأرض وبناء الجدار، والواقع الديموغرافي بسحب الهويات وعزل السكان عن مدينتهم، يبين التفكجي من الناحية الأولى أن الاحتلال استطاع السيطرة على 86% من مساحة القدس عبر المصادرات تحت بند "المصلحة العامة والمخططات والهيكليات الجديدة" والتي تستخدم لتقنين وضبط النمو السكاني الفلسطيني، وكذلك عبر قانون أملاك الغائبين، وعبر فتح الشوارع.

ولا تعد المخططات لطرد السكان الفلسطينيين من القدس حديثة، حيث يوضح خبير الاستيطان أنه في عام 1973 قررت ما تسمى "اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس" أن يكون عدد السكان العرب في المدينة 22%، ولكن نما السكان الفلسطينيون حتى وصلوا اليوم إلى 34% وفي عام 2040 ستصل نسبتهم إلى 55%، بمعنى أن رئيس البلدية سيكون مقدسياً ولن تصبح المدينة يهودية.

 

تهويد السكان أيضاً

وفي سبيل عدم تحقيق هذه النتيجة، فقد هدمت سلطات الاحتلال منذ عام 1994 وحتى اليوم أكثر من 872 بيتا في القدس، في سبيل تطبيق سياسة تقليص نسبة السكان العرب.

والأخطر ديموغرافيا، حسب التفكجي، هو ما يحدث في الأحياء الفلسطينية من المدينة حيث يتم إنشاء 26 حيا استيطانيا داخل الأحياء الفلسطينية بهدف عدم إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية خالصة للعرب، وهذا ما يعبر عنه بوحدات جديدة في رأس العمود وجبل المكبر وغيرهما، لضمان عدم تقسيم الأحياء والسيطرة على السكان الفلسطينيين بشكل يحد من زيادتهم. وبالطبع يتواءم هذا أيضا مع الحفريات التي تعمل على كل المستويات تحت الأرض وخاصة في منطقة سلوان والحرم الشريف.

ويؤكد التفكجي اختصار مدينة القدس بالمناطق الدينية فقط، لأنه كل ما في القدس يتعرض للتهويد، حيث تتم محاصرة البشر ويمنع زيادتهم فيما تتلاشى الأسماء العربية من المدينة لمصلحة أسماء عبرية.

 

300 مليون دولار ضرائب المقدسيين للبلدية

ولا تقتصر معاناة المقدسيين ضمن حملة تهويدهم على سحب الهويات وطردهم المباشر من المدينة، بل تشن بلدية الاحتلال بزعامة المتطرفين حملة للضغط على التجار والسكان عبر فرض ضرائب باهظة على السكن والمحال التجارية أيضا.

ويوضح زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إن هناك نوعين من المشاكل التي يواجهها المقدسي: منها ما هو منظور ومنها ما هو غير منظور.

أما المشاكل المرئية فتتمثل في الاستيطان والهدم ومصادرة الأراضي، وما هو غير منظور يتمحور في الضرائب التي تطبق بشكل مغاير عن العالم في القدس، حيث تستخدم كواحدة من الأدوات التي تستغل بشكل كبير لتنفيذ سياسة طرد السكان.

وحسب الحموري، يفرض على المقدسيين ضريبة "الأرنونا" وهي بالأساس ضريبة بسيطة تفرض من البلديات (المسقفات)، وفي كل العالم هي شيء رمزي لا تتجاوز 20-30 دينارا أردنيا سنويا، لكن في القدس تقدر حجم هذه الضرائب بنحو 300 مليون دولار ديونا للبلدية على المقدسيين خلال السنوات العشر الماضية.

وتعد هذه إحدى وسائل السيطرة على الممتلكات الفلسطينية في القدس تحت مسمى القانون، حيث تتخذ بلدية الاحتلال قرارات بوضع اليد على الأملاك بسبب عدم دفع الضريبة التي تبلغ أموالا طائلة ليس في مقدرة الإنسان العادي تسديدها.

ويؤكد الحموري أن حل هذه المشكلة فوق قدرة المقدسيين، فبعض المحلات تجارية باتت مدينة بأكثر من 400 ألف دولار برغم أن كل موجوداتها من بضائع لا تتجاوز قيمتها أكثر من 20 ألف دولار.

وذهب الحموري إلى الاعتقاد بأن المخططات الإسرائيلية في القدس انتهت، وهودت المدينة بشكل كامل، وما يحدث هو مجرد وضع النقاط النهائية في مخططاتها من خلال إحكام السيطرة على محيط المدينة وأسفلها أيضا.