لماذا لم تبدِ المقاومة ارتباكاً وقلقاً حيال العائق الأرضي الذي أعلن غانتس تدشينه حول غزة - رامي ابو زبيدة

الساعة 09:11 م|07 ديسمبر 2021

فلسطين اليوم

 

كتب / رامي أبو زبيدة

كاتب بالشأن العسكري والامني

اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال مراسم أقيمت لتدشين "عائق"، يتمثل بجدار تحت الأرض بطول 65 كيلومترا، عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، أنه يضع حاجزا بين حركة حماس وبين السكان الإسرائيليين ويمنح الأخيرين شعورا بالأمن.

وقال غانتس إن "هذا العائق، وهو مشروع تكنولوجي وعملاني، ذو أهمية عليا، يسلب حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جدارا حديديا، مجسات وإسمنتا، بينها وبين سكان الجنوب. وبهذا الجدار، نوفر سورا دفاعيا لسكان الجنوب، وليس أقل من ذلك شعورا بالأمن الشخصي الممكن ويسمح لهذه المنطقة الجميلة بمواصلة النمو".

غانتس الذي مرغت غزة انف جيشه يضلل المجتمع الصهيوني، فهو يعلم ان بناء الكيان الجدار حول نفسه يعتبر تراجعاً في عقيدة الهجوم والهجمات الاستباقية، مقابل تعزيز الردع والحالة الدفاعية، كما ان المقاومة لم تبدِ ارتباكاً وقلقاً حيال العائق الأرضي.

المُقاوَمَة عبر الأَنْفاق تجاوزت كثيرًا من الصعوبات، وأظهرت أنها قادرة على الإبداع والتكيف مع ظروف أي معركة يفرضها العدو، أو نتيجة الظروف الميدانية الصعبة والظروف السياسية التي لها علاقة بالجوار، سواء من قبل العدو، أو من قبل الأشقاء، كالحصار الذي يفرض على غَزَّة، مما جعلها تبدع في إيجاد وسائل تعتبر في المفاهيم والقراءات التي درسناها شبه مستحيلة.

المقاومة بالتأكيد تمكنت من حفر عدد غير قليل من الانفاق الهجومية ذات قدرات قتالية مختلفة وتشير تقديرات العدو أن بعضها قد اخترق الحدود بالفعل.

على عكس ما تحدث به غانتس اليوم من ان هذا العائق، يسلب حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جدارا حديديا، مجسات وإسمنتا، بينها وبين سكان الجنوب، المقاومة لم تظهر حتى هذه اللحظة إي نوع من أنواع الخوف أو الإرباك أو التردد في المضي قدما في تطوير مشروع الانفاق.

ويظهر موقف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من الادعاءات الاسرائيلية ذكاء معينا، حيث لم تستدرج للرد على هذه الادعاءات بالنفي أو التأكيد، ولم تسهم بذلك في تعزيز الدعاية الاسرائيلية، وبالمقابل أظهرت المقاومة ثباتا ووضوحا في موقفها من استمرار مشروع المقاومة بكل أدواتها واعتمادها على سلاح الأنفاق الاستراتيجي للدفاع عن غزة.

 كما أنها لم تتدخل جديا في تعطيل مشروع الجدار "التحت أرضي" بإدراكها قواعد الاشتباك مع العدو، ولثقتها على ما يبدو بما تمتلكه من وسائل تتجاوز العقبات الاسرائيلية، قد ينجح الاحتلال احياناً في حرب المعلومة وتسديد بعض النقاط، وكذلك المقاومة ليبقى صراع الادمغة سيد الموقف في هذه المرحلة.

مشكلة الانفاق لم تنتهي بعد وان التكنولوجيا المستخدمة وبعكس الشائع في وسائل الاعلام لم تحل المشكلة بشكل كامل، كل ذلك يؤكد وجود اهداف اخرى للعدو مثل:

•    الاحتلال يريد تأمين رعب مضادّ يحتاج إليه أمام رعب الأَنْفاق الهجومية، ويزيد المخاطرة المادّية التي تتكبّدها المُقاوَمَة مع كلّ نفق يُحفر، كأنّه يرسي المعادلة الآتية: إن كان كلّ نفق هجومي تقدّر كلفته من عمّال وموادّ بمئات الآلاف أو الملايين من الدولارات، فهو بعد إنشاء العائق الارضي يكشف في دقائق من دون كلفة إضافية.

•    تهدف من ذلك ان تتردد المقاومة و تتباطئ عن بناء الانفاق طالما شعرت أن اسرائيل قد وجدت الحل السحري لمشكلة الانفاق الاستراتيجية.

•     التمويه والتغطية على قدرات اخرى يستخدمها في مجال الاستخبارات، تمكنها من اختراق منظومات معينة، من خلال عناصر بشرية او تكنولوجيا الاتصالات والتنصت، وبالتالي حصولها على معلومات قيمة تؤدي للتوصل لأنفاق محددة وتدميرهما مع احتمالية توصلها الى معلومات مستقبلية اخري.

•    تحاول عبر الدعاية الكبيرة، توجيه حرب نفسية قوية ضد سلاح الأنفاق، وتعزيز الجبهة الداخلية، لا سيما الذين يطالهم تهديد الأنفاق، والبحث عن شركاء دوليين في مجال الاستثمار في أبحاث تكنولوجيا الأنفاق، حيث يلاحظ تركيزًا كبيرًا على حجم الإنفاق الإسرائيلي الكبير على الأبحاث الخاصة بهذه التكنولوجيا، وهذا جزء من تقليد إسرائيلي، حيث تجبر عادة الولايات المتحدة الأمريكية بالدفع للعلماء ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية.

•    من الممكن أن يكون لاستعراض اسرائيل لقدراتها في مجال الانفاق أهدافا اقتصادية تتعلق برغبتها في تشغيل صناعاتها العسكرية من خلال تصدير أسلحتها، الامر الذي تعتبره استمرارا لدبلوماسيتها الهادفة لإنشاء تعاون وتحالف مع العديد من دول العالم، فهي تهدف لتسويق منظومة أمنية جديدة تعتبرها رائدة في محاربة سلاح الانفاق .

في النهاية، ليس متوقعا أن تتوقف المقاومة عن حفر الأنفاق، لأنّ ذلك يعني إراحة الاحتلال، بل على العكس، قد ينصب الجهد على مواجهة التقنية بما يضلّلها، أو الاعتماد على قصورها كما أن الاحْتِلال نفسه يتحمّل مع الصواريخ معادلةً خاسرةً مادّيًا، فما تزال كلفة اعتراضه للصاروخ أكبر من كلفة الصاروخ نفسه، ويبدو صعبًا على المُقاوَمَة الفلسطينية في ظل الظروف القائمة في غَزَّة أن تستغني عن الأَنْفاق، فهي ضرورة إستراتيجية عملياتية ولوجستية إذا أرادت المقاومة أن تبقى فاعلة، وأي مس بها هو مس بالمقاومة مباشرة، لأنها بمثابة الأكسجين الذي ستنشط منه المقاومة، لتبقى قوية.

ويدرك العدو الصهيوني أن المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن الأنفاق في المستقبل، وأنها ستواصل تحسين قدراتها، لأنها إستراتيجية لا يمكن التخلي عنها، في ظل اوضاع القطاع المتصاعدة، لذا وجب الإعداد والتجهيز للأنفاق، هذا يعني أن الأنفاق في حال أحسنت المقاومة السيطرة عليها، وتوظيفها جيدا، ستكون لها الكلمة القوية في أي معركة مقبلة، وتفرض من خلالها قوة عسكرية كبيرة قادرة على تغيير موازين القوى والصراع مع الجيش “الإِسرائيلي” الذي فشل وسيفشل في تدميرها كليا، أو حتى وقف تطورها تحت الأرض.