خبر اتجاه جديد في الإعلام الأمريكى : انتقاد سياسات إسرائيل

الساعة 05:39 ص|11 ابريل 2009

اتجاه جديد في الإعلام الأمريكي : انتقاد سياسات إسرائيل

فلسطين اليوم – وكالات

 فى تمام الساعة الثامنة بتوقيت مدينة نيويورك يوم31 من كانون اول/ ديسمبر الماضى، أذاعت محطة السى إن إن الأمريكية خبر العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة مع الالتزام بجملة «بدأت إسرائيل قصفا جويا لغزة منذ نصف ساعة ومراسلنا فى القدس يتوقع استمراره حتى شروق الشمس».

 

وفى الساعة الإخبارية التالية أجرت السى إن إن حوارا مباشرا مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى والذى أصر على رفض جملة «بدأت إسرائيل الهجوم» التى وردت فى نشرة السى إن إن السابقة قائلا بالنص: «إسرائيل لم تبدأ الهجوم بل جاء القصف الجوى ردا على الصواريخ التى يطلقها الإرهابيون من قطاع غزة» وبعد قليل هاجم مصطفى البرغوثى عضو المجلس التشريعى الفلسطينى فى نفس النشرة المتحدث الإسرائيلى وقال: «على الإعلام الأمريكى أن يتوقف عن دعم الأكاذيب الإسرائيلية لأن تل أبيب هى التى انتهكت الهدنة وبدأت القصف الجوى». وفى أقل من دقائق رد مذيع النشرة ريك سانشيز بجملة واحدة وهى: «لقد راجعنا مصادرنا فى القدس وتأكدنا أن رواية البرغوثى هى الصحيحة وأن إسرائيل هى التى بدأت الهجوم».

 

موقف السى إن إن بالنظر للجانب الآخر من القصة، وصفه العديد من الخبراء الأمريكيين بأنه «نقطة تحول فى شكل تغطية الإعلام الأمريكى للقضية الفلسطينية وليس مجرد مواقف مؤقتة بسبب الحرب على غزة».

 

صحيفة النيويورك تايمز جاءت على رأس قائمة الصحف الأمريكية فى تبنى لهجة جديدة مع إسرائيل، وعبر عن رفضها للعدوان الإسرائيلى كبار كتابها مثل روجر كوهن المعروف بدعمه الدائم لإسرائيل، حيث انتقد الحكومة الإسرائيلية فى مقاله المنشور عقب العدوان قائلا «هجوم إسرائيل الأخير جاء فى عكس المصالح الأمريكية و الإسرائيلية، فقتل ما يزيد على1300 شخص معظمهم أطفال ونساء ،سيقود سكان القطاع إلى التطرف ومزيد من العنف» واتفق معه كل من ريتشارد كوهين فى الواشنطن بوست وآن أبلبوم.

 

وشوهد أوائل الأسبوع الماضى حدث غير مسبوق فيما يخص سياسة النيويورك تايمز التحريرية نحو إسرائيل، حيث نشرت مقالا بعنوان «محاكمة إسرائيل» للدكتور جورج بشارات وهو أمريكى من أصل فلسطينى يعمل استاذا للقانون بكلية هاستينجز للحقوق جامعة كاليفورنيا. قدم فيه حججا قانونية تؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب فى غزة. وعلى الرغم من أن مقال بشارات لا يمثل موقف النيويورك تايمز الرسمى فإن استكتاب شخصية مثل الدكتور بشارات، المعروف بمواقفه ضد إسرائيل، تعنى رسالة ضمنية مفادها أن سياسة الصحيفة لا تتعارض مع ما قاله الكاتب.

 

بشارات فسر التغير فى لهجة الإعلام الأمريكى على أنه لم يحدث بين يوم وليلة، وأضاف أن آراءه وغيره من الكتاب أصحاب وجهات النظر المحايدة أصبحت مرحب بها فى الشهور الأخيرة فى كبرى وسائل الإعلام الأمريكية، إلا أنه شدد على أنه لا يمكن أن «ننكر أن هناك تعاطفا دائما من قبل الإعلام الأمريكى تجاه إسرائيل ولكن فى الوقت نفسه هناك العديد من الصحفيين الأمريكيين بدأوا مؤخرا الالتزام بالتوزان وعدم التحيز عن طريق إعطاء فرصة للجانبين الفلسطينى والإسرائيلى للظهور وعرض قضيتهم وهذا لم يكن يحدث مطلقا فى الماضى».

 

ويعطى مثالا على ذلك بمحطة «الفوكس نيوز الإخبارية» التى وصفها بأنها طالما كانت صوت إسرائيل فى الإعلام الأمريكى، إلا أنها استضافت فى برامجها الإخبارية على مدى الأشهر القليلة الماضية محلليين وخبراء عرب، الذين من جانبهم انتقدوا إسرائيل بشكل قوى ودخلوا فى جدل على الهواء مع خبراء أمريكيين يدعمون إسرائيل.

 

بشارات استبعد الفرضية التى تقول إن الاتجاه الجديد فى تغطية الإعلام الأمريكى للصراع العربى ــ الإسرائيلى هى ظاهرة مؤقتة، وتوقع أن يكون هناك صعود وهبوط، ولكنه لن يختفى وذلك بسبب عاملين داخل إسرائيل الأول: هو اتجاه الحكومات الإسرائيلية يمينا بشكل سريع طوال العقدين الماضيين، وهذا أدى إلى العامل الثانى وهو سيطرة الخيار العسكرى على تعامل إسرائيل مع جيرانها ليس فقط الفلسطينيون ولكن أيضا لبنان.

 

ويجزم بأن الصورة التى عملت إسرائيل طوال النصف قرن الماضى على رسمها فى أذهان الأمريكيين «إسرائيل واحة الديمقراطية التى تكافح من أجل البقاء وسط العرب البرابرة» ذهبت ولن تعود للأبد للإعلام الأمريكى. فما نراه حاليا هو تغيير حقيقى فى المجتمع الأمريكى تجاه إسرائيل.

 

ولكن إلى أى مدى يمكن أن يؤثر هذا التغير فى الإعلام الأمريكى على صناعة القرارات الخاصة بإسرائيل فى واشنطن؟

 

يرد بشارات: هناك العديد من صانعى القرار فى واشنطن يؤمنون بسياسة أمريكية أكثر توازنا فى عملية السلام، لذا عندما تنشر مقالة افتتاحية فى صحيفة مثل النيويورك تايمز تتحدث عن جرائمها فى غزة فهذا يؤمن لهم غطاء نسبيا من قبل الرأى العام.

 

يتفق مع بشارات العديد من الكتاب الأمريكيين الذين يؤمنون بتبنى منهج أكثر براجماتية فى عملية السلام، من ضمنهم ميشيل جولدنبرج التى تكتب بشكل منتظم فى العديد من الصحف الأمريكية والجارديان البريطانية.

 

جولدنبرج اعتبرت أن الحرب على غزة شكلت نقطة تحول فى تغطية الإعلام الأمريكى للشأن الإسرائيلى، خاصة «حرب غزة التى أظهرت كيف أن سياسات إسرائيل العسكرية تشكل خطرا على المصالح الأمريكية» كما أنها جرحت واشنطن بشكل كبير أمام المجتمع الدولى.

 

وتستطرد: أن كتاب مثل روجر كوين فى النيويوك تايمز جون براين فى مجلة التايم وغيرهما انتقدوا إسرائيل فى حربها على غزة بشكل واضح، وهذا مهد الطريق أكثر أمام هذا الاتجاه الذى بدأ تبلور حججه حول كيفية إضرار السياسات الإسرائيلية بالمصالح الأمريكية، خاصة فى أعقاب تولى الحكومة اليمينية الجديدة، وظهور استطلاعات رأى تؤكد رفض أغلبية اليهود الأمريكيين أفيجدور ليبرمان وزيرا للخارجية.

 

وترصد جولدنبرج عاملا تعتبره من وجهة نظرها أساسيا فى التحول فى موقف الإعلام، وهو أنه للمرة الأولى فى تاريخ إسرائيل يسعى أغلبية اليهود الأمريكيين من أجل مزيد من الضغوط على إسرائيل ويدعمون خطط أوباما القائمة على حل الدولتين، وهنا يجب التأكيد على أن اليهود الأمريكيين مازالوا يدعمون إسرائيل بشكل كبير إلا أن الرئيس أوباما يحظى بمصداقية وشعبية كبيرة لديه أيضا وهذا يفسر دعمهم لخططه فى عملية السلام.

 

عامل اليهود الأمريكيين أكد عليه جواشوا لانديز رئيس قسم شئون الشرق الأوسط فى جامعة أوكلاهوما، قائلا : إن مجتمع اليهود فى أمريكا يشهد انقساما غير عادى فيما يخص سياسات إسرائيل ويؤكد ذلك الجماعات اليهودية التى انقسمت عن اللوبى الإسرائيلى مثل «جى استريت» والتى تتبنى مواقف براجماتية مع إسرائيل، ودعم هذا الاتجاه إعلان أوباما فى اليوم الأول من ولايته أن السلام فى الشرق الأوسط سيكون على قمة أجندته الخارجية، وهذا سهل على العديدين الحديث بصوت عال فى وسائل الإعلام دون الخوف من هجوم مجموعات اللوبى اليهودى.