خبر هو قرر / معاريف

الساعة 10:41 ص|10 ابريل 2009

بقلم: عوفر شيلح

        (المضمون: اولمرت اعتبر نفسه صاحب قرار واعتبر رئاسة الوزراء مكانا لاتخاذ القرارات اكثر من اي شيء اخر - المصدر).

        "مع دخولك للمنصب سيكون عليك ان تدرس المشاكل والقدرات وان تحدد سلم الاولويات وان تتخذ القرارات بصورة اساسية. لان رئيس الوزراء يقاس من خلال ذلك – قدرته على القرار، واتخاذ القرارات الحاسمة والصعبة وربما الاشد صعوبة والتي يمكن لانسان ان يتخذها". هذا كان كل ما يمكن لايهود اولمرت ان يقوله لبنيامين نتنياهو في مراسيم التبديل بينهما.

        هذه الكلمات تنطوي على الكثير، فاولمرت اعتبر نفسه صاحب قرار واعتبر منصبه اتخاذا للقرارات. واكثر من ذلك هو يعتقد ان التاريخ سيذكره بهذه الطريقة عندما يتبدد الغضب ويتيح الزمن وقفة اكثر موضوعية في الحكم على ولايته كرئيس للوزراء: هو كان شخصا جاء ليقرر.

        امتزج مع هذه الرؤية تاريخه الشخصي ومزايا طبعه والاستقبال الذي حظي به مع دخوله غير المتوقع الى ديوان رئاسة الوزراء. فور انهيار اريئيل شارون دخل اولمرت في وضع ازماتي حيث اصبح رئيسا للوزراء بين ليلة وضحاها متحملا المسؤوليات والقرارات وهذا وضع صعب.

        الحقيقة التي لا يعرفها الا القليلون تشير الى ان اولمرت اجتاز قرارا مصيريا في تلك الفترة (اولمرت اطلق تلميحا لهذه القضية في مقابلته الصحفية عشية الانتخابات 2006) ولكن رئيس الوزراء حديث العهد خرج من تلك الحدث مع اعتقاد اقوى بأن المنصب في جوهره هو مكان لاتخاذ القرارات وانه مجبول من الطينة الملائمة. هذه كانت العبرة التي تعلمها من اسلافه وقد اكد ذلك عندما ذكر اسحاق شامير وشارون وميز بينهما وبين رؤساء الوزراء الاخرين ملمحا لمنافسيه نتنياهو وايهود باراك.

        كذلك الامر في المعركة الانتخابية التي خاضها من الموقع غير الاعتيادي كرئيس فعلي لرئيس الوزراء وحظي بالمنصب في الصدفة عندما كان شخصية خفية في ظل الشخصية المهيمنة التي تحظى بالشعبية. اولمرت تبوأ الموقع ولم يولي اهمية كبيرة للاستطلاعات وانما تدخل فقط في النقاط التي تحتاج القرار – وقرر.

        لذلك كان مختلفا عن شارون: اريك استجاب لكل تعليمات طاقمه الانتخابي لانه ادرك انه لا يفهم في هذه المسألة اما اولمرت فقد حافظ على تدخله في مجريات الامور وتفاصيلها وهذا جلب له النصر.

        اولمرت ذكر شارون كمن اتخذ القرارات ببرودة اعصاب ولكنه وهو الشخص الذي كان قريبا من شارون في السنوات الاخيرة رآه وهو يتردد في اكثر من مرة في اتخاذ القرارات. اولمرت اعتبر ذلك مظاهر ضعف في شخصية شارون.

        كما ان احدا لم يتهمه في اية مرة بالتركيز على التفاصيل او التحليلات الطويلة المتعرجة كما يحدث مع باراك. النفور القائم بين الاثنين يعود لتلك الفترة من عملهما المشترك في قضايا حساسة وهي مسائل اختبراها معا. اولمرت يدرك من خبرته ان باراك ليس رمزا للاحكام والمهارة كما يقال وانما يخوض التفاصيل من اجل تجنب اتخاذ القرار والتملص منه. وهكذا دخل الى غرفة الاجتماعات في الثاني عشر من تموز في 2006. لجنة فينوغراد التي ركزت بطبيعتها على المجريات والانظمة المرعية، ضيعت الجوهر: المشكلة في اليوم الاول من حرب لبنان لم تكن في كمية المداولات او قائمة المشاركين وانما في الحالة المزاجية التي سادت بين المشاركين وعلى راسهم المقرر الرئيسي.

        اولمرت لم يكلف نفسه التعمق في طبيعة حزب الله الامر الذي يمكن ان يشتق منه الكثير مما يمكن انجازه ضد تنظيم عصابات كهذا وما لا يمكن انجازه. هو لم يتعمق في مغزى العبارات التي سمعت خلال اليوم عدة مرات حول رغبة حزب الله "لاغلاق الحدث" او ما يمكن للجبهة الداخلية ان تعانيه: مع قليل من التعمق كان من الممكن الادراك ان العملية يجب ان تكون قصيرة من حيث الزمن او بالعكس التوجه باسرع وقت ممكن لعملية واسعة.

        بدلا من ذلك قرر اولمرت ان يكون مختلفا عن اسلافه في هذه المسالة . هو لم يكن باراك الذي ضبط نفسه من موقف ضعف في تشرين الاول 2000 وهو لم يكن شارون الذي تردد وتردد حتى امر باطلاق عملية السور الواقي.

        تماما مثل الموقف الذي اتخذه قبل ذلك باسبوعين بعد اختطاف جلعاد شليت مفاده انه هو الذي سيحدد معاييير الصمود والاصرار التي خشي اسلافه الجنرالات المجيدون في الالتزام بها بما في ذلك في لبنان: اولمرت ومن اليوم الاول للحرب وطوالها اكد انه يتيح للجيش ان يفعل ما يريده حتى يحقق النصر.

        التناقض يكمن في ان اولمرت قرر بانه هو صاحب القرار ولا يهمه ما يحدث بعد ذلك اوصله الى اللحظة الاكثر اثارة للشعور بالخجل في الحرب: جلسة المجلس الوزاري المنعقدة في التاسع من آب والتي طرح فيها وخلافا لمشاعره الداخلية موقف الجيش، بينما قام رئيس الوزراء بتعليل الحاجة للمصادقة على هذا الموقف وانه ليس من الممكن في هذا الوقت معارضة موقف جهاز الامن. بعد ذلك بيومين وبعد ان قال هو نفسه في اجتماع مغلق امورا حازمة ضد العملية البرية الاخيرة صادق على تلك العملية بضحاياها الكثيرين وانجازاتها المعدومة.

        لن نعلم ابدا ما الذي كان سيؤول اليه مصير اولمرت لولا اختطاف غولدفاسر وريغف  في تموز 2006، لان كل ما حدث بعد تلك الحرب كان بيديه وتحت مسؤوليته. ونحن لن نعرف ايضا ان كان ذلك الشخص الذي تفاخر بقدرته على اتخاذ القرارات بالامور الميدانية قد استجمع قوة مشابهة بقضايا الدولة والسلام. اولمرت الذي افتقد للشرعية الشخصية لخوض خطوات معمقة بعد حرب لبنان الثانية كما كان قد تعهد في انتخابات 2006 لم يتحل بالجرأة الكافية في قضايا السلام والدولة. ومع ذلك ما زال ينظر لنفسه كصاحب قدرة على القرارات السريعة والجيدة وعلى قناعة اننا سنراه على هذا النحو بعد مرور السنين.