خبر الجنجي حامل المفاتيح / معاريف

الساعة 10:41 ص|10 ابريل 2009

بقلم: بن كاسبيت

        (المضمون: اولمرت رغم ما يقال عنه صاحب جرأة وقدرة على القرار وهذه ميزة في طبعه - المصدر).

        طبع ايهود اولمرت يغص بالتناقضات الداخلية. من جهة تراه شخصا يميل للخصام وغير قادر على اغلاق الحسابات مع الاخرين وصاحب الكلمة الاخيرة دائما ولا يضيع ابدا مشاجرة نزيهة، شخص متفلسف يمتلىء بثقة ذاتية مفرطة وصاحب فتيل قصير لا يكن ولا يرتاح. ومن الناحية الاخرى اولمرت هو شخص طيب في طبعه وربما الاكثر طيبة من بين رؤساء الوزراء الذي كانوا هنا. دافء معانق قريب من الناس وساحر صاحب قدرة على التسلية مثقف وموجود دائما لتقديم المساعدة الحقيقة حتى للاعداء وللمعارضين. ويجد صعوبة كبيرة في قول كلمة لا. اضافة الى كل ذلك اولمرت هو شخص جريء صاحب قرارات سريعة وقادر على خوض المخاطر ومن الممكن تسميته بالمغامر ايضا.

        مع هذه الصفات والمزايا نهض اولمرت في صبيحة الثاني عشر من تموز 2006. رئيس الوزراء الذي انتخب للتو والذي اعلن عن عزمه على السير في عملية سلام عملاقة تتنازل اسرائيل في اطارها بصورة احادية الجانب عن جزء كبير من يهودا والسامرة وعن اجزاء من عرش تاريخها، على طراز فك الارتباط في غزة هو كان متوجها نحو هذه المهمة التي اعتقد الكثيرون انها تفوق مقاساته بكثير. ولكن الحياة ويا للحياة اخذته نحو مكان اخر. هجمة حزب الله في الجبهة الشمالية التي تمخضت عن قتل واسر جنود ضبطته في وضعية غير ملائمة. ولكن فنيا هو كان جاهزا. هذا السيناريو كان معروفا وتم التدرب عليه عشرات المرات في الجيش الاسرائيلي. اولمرت جلس على رأس عشرات الجلسات الذي تناول هذا السيناريو ومن جهة اخرى عندما يحدث ذلك تجد نفسك غير مستعد له. الصدمة كانت كبيرة والاهانة كذلك والشعور بالعجز. اولمرت يكره الشعور بالعجز. فهذا يفقده صوابه. اولمرت في اخر المطاف هو جنجي.

        في ذلك الصباح زار رئيس وزراء اليابان اسرائيل. اولمرت عض شفتيه وجلس مع الياباني هو تصرف وكأن شيئا لم يحدث الا انه كان يغلي من الداخل.

        اريئيل شارون كان في صباح كهذا ليأمر سلاح الجو بهجمة قصيرة ويهدأ حتى الليل. ايهود باراك في صبيحة كهذه كان سيقوم بما هو اقل من ذلك. هذان الجنرالان المجيدان فنانان في سياسة الاحتواء وضبط النفس ولذلك لم يكونا بحاجة للبرهنة عن قدراتهما. اما اولمرت فلا. من الناحية الاخرى تسبب شارون وباراك بفرار اسرائيل من لبنان ومن غزة مرة تلو الاخرى ومن طرف واحد في الحالتين. خطوتان تقومان على نوايا طيبة كثيرة ولكن النتائج كانت كارثية. الانسحاب من لبنان ادى الى سيطرة حزب الله وتحويل نصر الله الى قائد كبير في العالم العربي. خلال فترة قصيرة سيطر حزب الله عى الجنوب ونزل حتى الجدار وحول الجيش الاسرائيلي الى بط في مدى البندقية. الفرار من غزة في المقابل حول حماس الى منتصر كبير وحول مئات الاف مواطني اسرائيل في الجنوب الى رهائن بيد حماس. هذا من دون ان نتطرق الى جلعاد شليت.

        اولمرت قرر بان لا يسمح بحدوث ذلك عنده. الجنجي عرف ان عليه ان يأخذ الثمن من نصر الله. لا يمكن ان يقوم احد باختطاف الجنود وقتلهم وقصف كل التجمعات الشمالية من دون ان يدفع ثمنا باهظا لقاء ذلك. رئيس هيئة الاركان دان حالوتس وهو شخص اخر مع ثقة ذاتية مفرطة صب الزيت على النار. اولمرت عرف ان اسرائيل لم تضبط نفسها هذه المرة وكانت هذه فرصته لتكريس قيادته وتعليم نصر الله درسا لا ينسى وكسر فرضية ضبط النفس والردع المشلول. اولمرت قرر المراهنة على كل الخزينة. الجهات الامنية اوضحت له بان ضبط اسرائيل لنفسها مرة اخرى سيلحق ضررا فادحا جدا في الردع الاقليمي. واولمرت لم يكن بحاجة لاكثر من ذلك.

        طبع رئيس الوزراء الذي لا يستطيع ان يترك الحسابات مفتوحة من وراءه، هو طبع شخص يميل للقتال وجاهزا لخوض المخاطر وينجرف احيانا وراء الاحداث والاغراءات، ولهذا السبب كانت الكفة راجحة نحو الهجوم. اسرائيل خرجت للحرب من دون ان تعلن عن ذلك جهارا تلك الحرب التي انتهت بعد ثلاثة وثلاثين يوما وقرابة المائتي قتيل. حربا تسببت في تشكيل لجنة تحقيق حكومية وموجة من الانتقادات الشعبية غير المسبوقة وانهيارا دراماتيكيا ومطلقا في شعبية اولمرت. اولمرت دخل لهذه الحرب مع 87 تأييد في الرأي العام وخرج منها مع 7 في المائة في احسن الاحوال.

        مرت ثلاثة سنوات منذ ذلك الحين. الحرب التي اعتبرت فاشلة والتي اوشكت على اسقاط رئيس وزراء في اسرائيل، تبدو اليوم بصورة مغايرة تماما. الان يتبين ان الخروج للحرب كان صحيحا فالفرضية تكسرت ونصر الله موجود منذ ذلك الحين في مخبأه. الحدود الشمالية هادئة. بضعة صواريخ كاتيوشا اطلقت من هناك مرتين وحزب الله سارع لنفي صلته بذلك. الهدوء قائم ايضا عندما قام الجيش الاسرائيلي بضرب غزة طوال اسابيع. مقاتلو حزب الله لا يظهرون عند الجدار والجيش الاسرائيلي عاد للسيطرة على المنطقة، الدوريات تمر بصورة علنية ومواقع حزب الله قصفت بينما تتواجد هناك قوات الجيش اللبناني والقوات الدولية. كل هذه كانت انجازات، كانت اسرائيل تحلم بها فقط قبل الحرب. كما ان الردع الاسرائيلي الذي تلقى ضربة صعبة في ظل التنفيذ الميداني. كل هذه كانت انجازات ندين بها لطبع الجنجي وميله للمغامرة وشجاعته واصراره وسرعته في اتخاذ القرار.

        وهناك شيء اخر: الحرب كشفت وفي اللحظة الاخيرة وضع الجيش الاسرائيلي هذا الجيش الذي تعفن في ظل باراك وشارون وعلاه الصدأ. الجيش اخذ يضعف فكانت اسرائيل بحاجة الى صافرة انذار لفهم هذا الوضع وحرب لبنان الثانية هي صافرة الانذار هذه. ولولا ذلك لبقي هذا الجيش في حالة التحلل والانفراط.

        لا يخاف من السوري

        بعد الحرب اظهر اولمرت قوته على البقاء. شخص قوي بصورة استثنائية وقادر على مواجهة الضغوط بدرجة لا تقل عن خيرة رؤساء وزراء اسرائيل الذين كانوا هنا. لا بل انه قد يفوقهم في ذلك. المفاعل السوري قصف بين تقرير فينوغراد الاول والتقرير الثاني. تقارير اجنبية نسبت هذه العملية لاولمرت الذي جر المستوى السياسي وكذلك العسكري اليها. هذه العملية تضمنت مراهنة ضخمة. 500 صاروخ بالستي ثقيلة سورية موجهة في كل لحظة نحو قلب اسرائيل. الاسد قد صرح في الماضي ان هجمة اسرائيلية اخرى ستتسبب في رد فعل شديد. في المقابل بني مفاعل نووي في باحة سوريا الخلفية، مفاعل وفقا للتقارير الاجنبية كان سيصبح "ساخنا" خلال اسابيع. ابادة هذا المفاعل كانت لتتمخض حسب الاحتمالات عن حرب بين اسرائيل وسوريا ستعتبر حرب لبنان الثانية ازاءها مجرد نزهة في ظهيرة يوم على شاطىء البحر. ومع ذلك غامر الجنجي وقصف المفاعل ولم يكترث بذلك. اولمرت كان نموذجا في هذا المجال في ثقته بنفسه حتى درجة الوقاحة وربما العجرفة. ربما تسببت حرب لبنان الثانية بشعوره بانه ليس لديه ما يخسره بعد ذلك او انها فرصة امامه للقيام بما قام رؤساء الوزراء من قبله.

        قلبه يتمزق

        قضية مثيرة اخرى ترتبط بطبع اولمرت هي قضية الاسرى والمفقودين. هو اراد عقد صفقتين صفقة ريغف – غولد فاسر التي استكملها وصفقة شليت التي لم ينجح في استكمالها. قلة يعرفون ان اولمرت قد طمح من البداية لتبديد هذه الفرضية والنظرية القائمة. طاقم برئاسة يورام تورفوفيتش اوصى اولمرت بعد الحرب بفترة قصيرة بعدم التفاوض في قضية الجنود المأسورين . اوصوهم بتغيير الوضع والاعلان عن عدم التفاوض من الان فصاعدا وان اسرائيل لا تدفع الا ثمنا عادلا بنسبة جندي مقابل جندي. اولمرت اراد جدا ان يسير وفقا لهذا المبدأ وقد المح بذلك عشية اندلاع حرب لبنان الثانية ولكن الظروف كالعادة اقتادته الى مكان اخر. في هذه القضية يتكشف امامنا الجانب اللين من شخصية اولمرت

        وهذا ما حدث: في يوم الخميس عشرة ايام قبل المصادقة على صفقة غولدفاسر - ريغف، عقد اولمرت اجتماعا لطاقم المستشارين الاكثر قربا في شقته الصغيرة في تل ابيب. الجميع كانوا ضد الصفقة باستثناء مستشاره الاعلامي يانكي غلينتي الثمن كان باهظا في نظرهم وقاولوا ان دولة اخرى في العالم لا يمكنها ان تقدم على ذلك اما اولمرت فقد مال للموافقة هو لم يرغب في الصفقة ولكن العائلات كانت قبالته من الناحية الاخرى وكذلك الرأي العام وصور الجنود.

        في نهاية الاسبوع الاخير انفرد في منزله فهو لا يرغب في الصفقة ولكنه لا يستطيع عدم تنفيذها. هو لم يكن راضيا عن اداء عوفر ديكل (اغلبية اعوان اولمرت يدعون اليوم ان ديكل جره الى الصفقة بل وخدعه) وهو لم يكن راضيا عن التفاصيل او اطلاق سراح سمير قنطار ولكنه استسلم في اخر المطاف.

        في يوم الاحد ظهر اولمرت في جلسة الحكومة ومرر الصفقة خلافا لرأيه ولكن وفقا لمشاعره وقد نفذت هذه الصفقة. اما الان في قضية شليت فقد اصبح سلوكه مختلفا فتنفيذ صفقة شليت وفقا لشروط حماس يمكنه ان يتسبب بضرر استراتيجي فادح لاسرائيل وغير قابل للمحو. اولمرت يعرف ذلك جيدا ويعرف عدد القتلى الذين سيسقطون والهزيمة الماحقة ستصيب فتح في مواجهة حماس واستمرار اعمال الخطف والرسالة التي سترسل للارهابيين والانتفاضة القادمة لو حدثت الصفقة. من هنا كان قراره بعدم الموافقة بعد طول عذاب.