لا أرى في القدس إلا أنت يا فادي

الساعة 11:29 ص|22 نوفمبر 2021

فلسطين اليوم | خالد صادق

خالد صادق

هناك في القدس وفي أزقة البلدة القديمة صدحت حناجر المقدسيين بصيحة الله أكبر، بعد ان سمعوا صوت الرصاص يخرج من سلاح الشهيد البطل فادي أبو اشخيدم ويقتل جندياً ويصيب ثلاثة اخرين بجراح متفاوتة، دمه سال على جدرانها ليغسل عار امة تخلت عن واجبها وارتضت ان تكون مع القواعد، جاءت رسالة فادي لتقول « يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أنت؟ أجُننت؟ لا تبك عينك أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ, لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنه, في القدسِ من في القدسِ لكنْ لا أرى في القدسِ إلا أَنْت», لقد أبصرت عين فادي ما لم تبصره عيون أخرى لا ترى الا السراب, «هذي طريق القدس من عظمي تمر.. والقدس يحميها لنا طفل.. والقدس ارض الأنبياء.. والقدس حلم الشعراء.. والقدس خبز وقمر.. في القدس قد نطق الحجر لا مؤتمر لا مؤتمر انا لا اريد سوى عمر»..  يا كاتب التاريخ مهلا فالقدس دهرها دهران، ارادوها يهودية خالصة لكنك نقشت بدمك الطاهر ملامحها العربية الأصيلة، ومحوت عار امة تخلت عن واجبها نحو القدس، وأشبعت ذاكرة المجد برواية ملحمية بطولية سطرت صفحاتها بمدادك المشحون بالثورة والمتفجر في وجوه الأعداء كالبركان، لم تمنعك حواجزهم واسلحتهم وكاميراتهم وعيونهم من تفجير ثورتك في أجسادهم النجسة، في القدس من في القدس يا فادي لكن القدس لا ترى على ثراها الطاهر الا انت، «اضرب تحجرت القلوب فما لها الا الحجر.. اضرب فمن كفيك ينهمر المطر، في شعفاط في البلدة القديمة في البوادي والحضر ولى زمان الخوف أثمر في مساجدنا الشرر، في فتية الانفال والشورى ولقمان وحفاظ الزمر، من صخرة المعراج تنطلق الأوامر والعبر.

 

في القدس قد نطق الرصاص ليعيد تصحيح البوصلة من جديد، فلا السلام المدنس ولا التسوية الهزيلة ولا التطبيع المقيت ولا التحالفات المشبوهة ستوفر الامن والأمان للاحتلال الصهيوني البغيض, كل هذا سيتلاشى امام إرادة شعبنا الفلسطيني العظيم, قبل أيام قليلة فقط يخرج لهم الفتى عمر أبو عصب ابن الستة عشر ربيعا بسكينة ليثخن فيهم طعنا وضربا ويرتقي شهيدا الى علياء السماء, واليوم يستكمل فادي أبو اشخيدم مسيرة الشهداء ويكمل رحلة الدم والعطاء, وغداً سيتسلم الراية بطل آخر ليكمل المسيرة, وليدرك الاحتلال ان الدم لا يطلب الا الدم, وان الدم بات قانون المرحلة, فملحمة سيف القدس أسست لمراحل نضالية متعددة ضد الاحتلال, ومثلت علامة فارقة في مسيرة النضال والكفاح لإفشال اهداف الاحتلال الصهيوني الذي يسعى لفرض سياسته بالقوة والاذعان لإرادته في تمرير مخطط التهويد والتهجير والاستيطان, لكن عمر أبو عصب بسكينه, وفادي أبو اشخيدم بسلاحة اثبتا للاحتلال ان القدس عصية عليه, وان الفلسطينيين عندما يقولون ان القدس خط احمر, فان هذا يعني ان أي محاولة لفرض واقع جديد في القدس, او داخل المسجد الأقصى, سيتم مواجهتها ولن يستطيع الاحتلال تمرير مخططاته ومؤامراته الا على أجساد الفلسطينيين, والشهيد فادي لم يشأ ان يعتذر للقدس كما اعتذر لها الشاعر الكبير احمد مطر عندما قال» يا قدس معذرة ومثلي ليس يعتذر.. ما لي يد فيما جرى فالأمر ما أمروا.. وأنا ضعيف ليس لي أثر.. عار على السمع والبصر.. وأنا بسيف الحرف أنتحر.. وأنا اللهيب.. وقادتي المطر.. فمتي سأستعر؟!», لكنه فجر ثورته كالبركان في وجه الاحتلال وعاقبهم على جرائمهم البشعة بحق شعبنا ومقدساتنا.

 

في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس الا انت يا فادي.. لقد تداعت علينا الأمم كما تتداعى الاكلة الى قصعتها, وتحالف الطغاة والاشرار وسماسرة الأوطان والاعراب على قضيتنا لينالوا من عزيمة هذا الشعب واصراره على نيل حريته واستقلاله, لكنهم كانوا كمن يحارب موج البحر الهادر, او تلك الرياح العاتية, ظنوا ان حي الشيخ جراح وحى سلوان وازقة البلدة القديمة ستستسلم لهجمة المستوطنين وجنود الاحتلال, وانه من السهل تهويدها وتهجير أهلها منها بقوة السلاح وتحت وطأة الضربات الموجهة, لكنهم فوجئوا بأن اهل القدس منغرسون في ارضهم وبيوتهم وجذورهم ضاربة في أعماق الأرض منذ قديم الزمان, وان الموت اهون عليهم الف مرة من ترك بيوتهم وارضهم لقطعان المستوطنين الأشرار, ظنوا ان تلك الزعامات العربية المسكونة بالهزيمة تستطيع ان تمنحهم ارضا يعيشون فوقها بأمن وامان, لكنهم افاقوا من احلامهم على ما كان, وايقظهم صوت الاذان وصيحة الله اكبر التي صدح بها فادي وهو يرسم بسلاحة حدود الوطن من النهر الى البحر, بعد ان توهموا ان القدس عاصمتهم الأبدية وانها بشرقيها وغربيها باتت ملكا لهم, لكن الختام جاء بحلو الكلام الذي تلاه على مسامعنا فادي فقال « والقدس تعرف نفسها.. اسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ.. فكلُّ شيء في المدينة ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ, في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ.. حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ», لقد لخص الشهيد البطل فادي أبو اشخيدم علاقته الحميمة بالقدس من خلال الفعل وليس القول, وكتب وصيته الى شعبه وامته بالنار, فهل ندرك معنى الرسالة ونعمل بها؟!.