خبر ليس هكذا تدار الحروب العادلة- هآرتس

الساعة 08:28 ص|08 ابريل 2009

بقلم: افيشاي مرغليت ومايكل فلتسر*

 (المضمون: آسا كيشر وعاموس يدلين يقرران بان امن جنودنا أسبق على امن مدنييهم. وبالتالي فانهما يشوشان التمييز الاخلاقي بين المقاتلين وغير المقاتلين - المصدر).

لفهم سر السلوك موضع الخلاف للجيش الاسرائيلي في الحملة الاخيرة في غزة ينبغي أن نقرأ مقالة آسا كيشر وعاموس يدلين من العام 2005، "القتل المتعمد والقتل الوقائي". كيشر هو بروفيسور في فلسفة الاخلاق والممارسة في جامعة تل أبيب، ومستشار اكاديمي للجيش الاسرائيلي وواضع مدونته الاخلاقية. اللواء عاموس يدلين هو رئيس شعبة الاستخبارات، وقائد الكليات العسكرية سابقا. في مقال نشر في "هآرتس" في 6 شباط 2009 ادعى عاموس هرئيل بان التعليمات التي بلورها الرجلان هي التي وجهت خطى الجيش الاسرائيلي في الحملة في غزة.

"الحجة الهامة والحساسة" للغاية لدى كيشر ويدلين، كما يصفانها، يمكن تلخيصها بالقول بان أمن جنود "نا" اسبق على أمن مواطني "هم". هذه الحجة مغلوطة وخطيرة وهي تقوض التمييز بين المقاتين وغير المقاتلين، الذي هو تمييز بنيوي وتأسيسي لنظرية الحرب العادلة، ولا سيما للسلوك المناسب في الحرب.

النقطة المركزية في نظرية الحرب العادلة تتعلق بتحديد قواعد لسلوك الجيش اثناء الحرب وتقييد المدى الشرعي للقتال.

الحرب بين الدول محظور أن تكون حربا شاملة بين الامم والشعوب ومحظور أن تكون حرب ابادة. عليها ان تكون محصورة بالقوات المقاتلة فقط. والامر صحيح ايضا حين لا يكون الطرف الاخر دولة، ولكنه يؤدي دوره كهيئة سياسية شبه دولة مثلما في حالتي حماس وحزب الله. والامر صحيح ايضا اذا كانت هذه الهيئات تتخذ اساليب الارهاب. المدنيون هم مدنيون – حتى وان كانوا تحت حكم ارهاب.

الوسيلة الحاسمة لتقييد مدى القتال هي تحديد خط واضح بين المقاتلين وغير المقاتلين. هذا هو التمييز الاخلاقي ذو الصلة الوحيدة الذي ينبغي لكل الاطراف أن توافق عليه. الارهاب، بفعل جوهره، هو محاولة شريرة لتشويش هذا التمييز في أنه يجعل المدنيين هدفا مشروعا. عند القتال ضد الارهاب، محظور محاكاته.

القدرة على المس والاضرار هي التي تجعل المقاتلين هدفا مشروعا عند الحرب؛ اولئك الذين لا يمكنهم أن يمسوا وان يضروا، أي غير المقاتلين، هم جميعا مثابة أبرياء. المقاتلون ملزمون بالحساب على سلوكهم اثناء الحرب، وفقط على سلوكهم اثناء الحرب – وليس على مجرد مشاركتهم في الحرب. وذلك لان المقاتلين يعتبرون كمن يؤمنون بان دولتهم تقاتل حربا عادلة.

   يجب التمييز جيدا بين مفهومي الحرب العادلة: تلك التي موضوعها العدل الذي يقبع خلف قرار شن الحرب (jus ad bellum) وتلك التي موضوعها السلوك العادل في وقت الحرب (jus in bello). على رؤساء الدول ان يعطوا الرأي في العدل الذي في شن الحرب، اما الجنود والضباط – ففي السلوك العادل اثناء الحرب.

مقاتلو حماس وحزب الله يعتبرون هم ايضا، ككل مقاتل، كمن يؤمنون بان حربهم عادلة. ليس في ذلك بالطبع ما يعفيهم من اعطاء الحساب على سلوكهم في الحرب ولا سيما عندما يحولون مدنيين الى هدف اول لهجماتهم، مثلما ايضا حين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية. ولكن ليس ايا من هذه الجرائم يمكنها أن تعفي المقاتلين ضدهم من واجب الامتناع او التقليل من اصابة المدنيين.

كيف يشوش كيشر ويدلين التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين؟ في أنهما يسمحان لمقاتلي "نا" بالقفز الى مقدمة الطابور الاخلاقي وتقديم مدنيينا في الدفاع عن أمنهم، رغم أن اولئك المدنيين يتمتعون باعتبارهم ابرياء.

قبل حرب لبنان الثانية، في 2006، انتشرت شائعات بموجبها يخطط حزب الله لاحتلال كيبوتس على الحدود مع لبنان: كيبوتس منيرا ذكر كأحدى الامكانيات. هيا نفترض بان حزب الله أخرج الى حيز التنفيذ هذه الخطة وننظر ونفكر بعدة سيناريوهات محتملة:

1. حزب الله يحتل منيرا ويحتجز اعضائه من مدنيين اسرائيليين، كرهائن. مقاتلو حزب الله يختلطون باعضاء الكيبوتس كي يحموا انفسهم من هجوم مضاد.

2. حزب الله يحتجز كرهائن فقط المتطوعين من الخارج ممن كانوا يمكثون في منيرا ويستخدمهم كدروع بشرية.

3. حزب الله يحتجز كرهائن فقط متظاهرين من الخارج، وصلوا لهذا الغرض كي يحتجوا على السياسة الاسرائيلية في لبنان، ويستخدمهم كدروع بشرية.

4. حزب الله يخلي الكيبوتس ويجلب اليه مدنيين من جنوب لبنان، بدعوى أن الارض تابعة لهم، ويستخدمهم كدروع بشرية.

كرد، توشك اسرائيل على الخروج الى حملة عسكرية كي تحرر منيرا.

بزعمنا، من ناحية اخلاقية، على اسرائيل أن تتصرف في كل تلك الحالات دون تمييز. مدونة سلوك جنودها في مثل هذه الحاة ينبغي أن تكون متشابهة، دون أي صلة بمشاعرهم تجاه مجموعات المدنيين المختلفة. اذا ما حرص جنود اسرائيل على قواعد السلوك واخذوا المخاطرة الاخلاقية الالزامية، فان المسؤولية عن موت الدروع البشرية لحزب الله تقع فقط على حزب الله.

جنود الجيش الاسرائيلي يقاتلون الاعداء الذين يحاولون قتل مدنيين اسرائيليين ويعرضون مدنييهم للخطر في ظل استخدامهم كدروع بشرية. اسرائيل تندد بالممارسات غير الاخلاقية ظاهرا هذه ولكن تنديدها ليس مصداقا. وذلك لان اسرائيل مسؤولة عمليا عن قسم اكبر بكثير من المدنيين القتلى من ذاك الذي مسؤول عنه اعداؤها. وحتى لو لم تقتلهم هي عن قصد، فانها تعمل بعلم واضح بان اعمالها ستؤدي الى موت مدنيين كثيرين.

كيف يمكن إذن لاسرائيل أن تثبت لنفسها وللاخرين معارضتها لممارسات اعدائها؟ وبالفعل، لا يكفي الا يكون جنودها يقصدون قتل مدنيين: عليهم أن يقصدوا الا يقتلوا مدنيين. النية النشطة هذه يمكنها أن تكون مصداقة فقط اذا اخذ مقاتلو اسرائيل على انفسهم مخاطر أعلى من المخاطرة التي توقعها اعمالهم على المدنيين. دون أخذ مخاطرات، فان التنديد الذي تندد به اسرائيل الارهاب هو تنديد مخلول.

لاي مخاطرة مسموح تعريض الجنود الاسرائيليين؟

الخط الموجه ينبغي برأينا أن يكون التالي: في محيط يوجد فيه مدنيون، عليهم ان يقاتلوا بذات درجة الحرص والمراعاة وكأن المدنيين في الجانب الاخر هو مدنيون اسرائيليون.

مثل هذه التعليمات لا يفترض أن تبدو غريبة لمن يأخذون على انفسهم في هذه الايام بالذات التعليمات العليا، "في كل جيل وجيل ملزم الانسان بان يرى نفسه وكأنه هو الذي خرج من مصر".