أسرٌ استوطنها العجز لعدم قدرتها على علاج أطفالها..وأملها يتجدد بأيدي فلسطينية

الساعة 10:26 ص|03 نوفمبر 2021

فلسطين اليوم

غزة/ أمل خالد الوادية:

بين أمل الشفاء وعجز الدواء، تقف تلك الأم حائرة بين صدمتها الكبرى باكتشافها مرض ابنها الذي بذلت الغالي والنفيس لإنجابه على الحياة، وبين الوجع الأكبر بعدم قدرتها على علاجه وتوفير احتياجاته الاساسية، تنظر إليه بعينيها المملوءتين بالحسرة والحزن وهو يكابد بكاءه، ويصارع مرضه، ويسرقها تفكيرها بمستقبله المجهول..

فهي تعجز عن تأمين تكاليف علاجه بشكل كامل، لأن رب الاسرة بالكاد يستطيع توفير لقمة عيشهم اليومي، لا سيما وأن فرص العمل بغزة شبه معدومة نتيجة الحصار الاسرائيلي الخانق منذ 12عاماً.

في إحدى جلسات العلاج الطبيعي تجلس أم انس على كرسيها منتظرة انتهاء ابنها من جلساته الخاصة، بعد أن تبرع أحدهم بعلاجه الطبيعي فقط ولمدة محددة، تنظر إليه وكلها يقين بشفائه، ووقوفه على قدميه ذات يوم، لكن سرعان ما تخطفها تكاليف علاجه الاخرى يموت أملها بشفائه، وتسابقها دموعها.

تقول أم أنس لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": بعد أن أنجبت ابني أنس أصابه نقص الأكسجين، وحمى شوكية زادت مشكلته وأثرت على الدماغ، ليفقد أنس توازنه ويعاني من صعوبة النطق، فلم نكن قادرين على اخذه لجلسات العلاج الطبيعي، فكل ما يقع باليد من شيء نذهب به إلى جلسات العلاج، وبعدها نتوقف بسبب وضعنا المادي الصعب".

وأضافت:"ابني يحتاج باستمرار لجلسات العلاج الطبيعي، وأدوية تعيله على القيام بما يريد، إلى جانب احتياجه لمكملات غذائية نحن لا نستطيع توفيرها له، بالإضافة إلى عجزنا عن تأمين علاجه للنطق، وعدم قدرتنا على ذهابه للمدرسة وقد أصبح عمره 8سنوات، فقد تخرج والده من الجامعة ولم يجد فرصة عمل له، كحال باقي الخريجين بغزة".

بذات المكان يلقي والد الطفل نوفل نظراته على ابنه وهو يمارس تمارينه العلاجية، ويذهب خارجاً حتى لا يبكي عليه، ويتألم فؤاده على قلة حيلته وعدم قدرته بعد فترة معينة من الذهاب لجلسات العلاج الطبيعي.

يقول:" بعد أن أصبح عمر ابني سنة لاحظت أن أقدامه غير طبيعتان، ليكتشف الطبيب أن عضلات أقدامه ضعيفة جداً، فقد تبرع أحدهم بعلاجه الطبيعي لكن مدة محددة، فأنا بالكاد أستطيع تأمين أجرة الطريق وكلها بالدين، حيث كتب لي الأطباء أن ابني يحتاج لحذاء طبي وأنا لا أستطيع توفيره له، لأن عملي بالبناء ليس دائم، وبعد جائحة كورونا توقف وأصبح شبه معدوم، ناهيك عن احتياجه لأدوية ضرورية أستدين ثمنها وأشتري علاجاً شبيه بالذي أوصى به الطبيب".

 في نفس الجلسة تحمل أم وليد وعمر وزوجها الخريج طفليهما، فبعد سنوات عجاف رزقهما الله بهما، لكن الصدمة الكبرى أن تكتشف بعد فترة مرضهما، وينقطع رزق والدهما بعد عمله منذ9 سنوات بإحدى المحلات التجارية بسبب جائحة كورونا، تقول أم الطفلين:" بعد أن أخبرني الطبيب بان ابني وليد يعاني من ضمور في الدماغ ، اكتشفت بعد فترة أن عمر ايضاً مريض كحالة اخيه تماماً، أصبح الحمل عليَ ثقيل جداً، لأنهما اثنان ومصاريف علاجهما تحتاج للكثير ونحن لسنا بقدرتها، فقد تبرع احدهم بجلسات علاجهما الطبيعي، لكننا عاجزان عن تلبية احتياجاتهما الاخرى، ووضعنا لا يسمح بان نستمر بعلاجهما بعد انتهاء منحة العلاج، اذ ان زوجي حين يعمل بالكاد يوفر لقمة عيشنا فاجرته اليومية لا تقضي لسد احتياجات علاجهما".

ويُذكر أن نسبة البطالة بقطاع غزة بلغت في الآونة الأخيرة46%، بسبب جائحة كورونا التي انتشرت بشكل كبير بالقطاع، ناهيك عن الحصار الاسرائيلي المفروض على غزة منذ سنوات طويلة.

ومن جهتها أوضحت د. الهام لبد مديرة مركز كيدز كلينيك للعلاج الطبيعي بالأطفال أن مركزها احتضن اعداد كبيرة من الحالات الانسانية، وتقديم منح علاجية لأغلبهم، وهناك حالات بثمن رمزي جداً، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة.

وأشارت إلى أن  فكرة افتتاح المركز جاء من خلال افتقار قطاع غزة لمراكز متخصصة في خدمة العلاج الطبيعي المكثف، وحاجة الأطباء لتحويل الحالات لهذه المراكز، مضيفاً أن أكثر ما شجعها لتنفيذ الفكرة أن ابنها أخصائي علاج طبيعي، ونظراً لعدم توافر فرص عمل خاصةً بقطاع غزة الذي يعاني بنسبة كبيرة من البطالة، زاد ذلك من إصرارها لافتتاح مركز للعلاج الطبيعي للأطفال عام 2016، وفي عام 2019 افتتحت فرع بخانيونس، مشيرةً إلى أنها تسعى لافتتاح فرع بالمنطقة الوسطى، مؤكداً أن افتتاحها جاء بعد دراسة وبحث استمر سنة كاملة حتى يتكلل بالنجاح.

 ونوهت مديرة المركز إلى أن الاسلوب الناجح للبدء بجلسات العلاج الطبيعي هو وضع خطة علاجية مناسبة، ومتابعة التقييم الشهري لكل حالة، مع توصيات شفاهية للأخصائي، فتكون النتائج مُرضية.

وبدورها تحدثت أخصائية العلاج الطبيعي رواء زيارة أن العلاج الطبيعي للأطفال هو إعادة تأهيل الطفل من مرحلة معينة الى مرحلة متقدمة حسب التطور الحركي للحالة، بهدف توصيل الطفل لأقصى درجة من الاعتماد على نفسه في جميع مناحي الحياة، وتجنب حدوث مشاكل ليس لها حلول.

وقالت الأخصائية أن:" آلية العلاج تكون باستخدام أجهزة ميكانيكية كجهاز المشي مثلاً مع متابعة الطفل وتصحيح مشيته، الى جانب جهاز القفص العنكبوتي الذي يتطلب تركيزاً من الاخصائي، واستخدام أجهزة أخرى وتمارين مختلفة كل طفل حسب حالته، منوهةً إلى أن العلاج الطبيعي لا يختلف كثيراً عن العلاج المتعارف عليه، إذ أنه علاج مكثف يُهيىء الطفل نفسياً وجسدياً قبل البدء به، فتكون مدى استجابته ممتازة جداً "

 

 

 

كلمات دلالية