«شادي مهنا» قائدٌ صلب وسجلٌ جهادي مشرف

الساعة 01:32 م|27 أكتوبر 2021

فلسطين اليوم

هو قدر العظماء يا شادي.. أن يرحلوا سريعاً.. تجاه الفردوس.. نحو جنان الرحمن.. بخطوات سريعة كان رحيلك أبا حمزة.. عظيماً في زمن التخاذل.. عزيزاً رافع الرأس.. خطواتك كانت سريعة، رحيلك أسرع.. استعجلت "أبا حمزة" الخطى نحو رفيقيك القائدين مقلد حميد ومحمود جودة، أسرعت إليهم حاملاً بشرى انتصار المقاومة واندحار العدو.. دموع أحبابك لم تتوقف.. جباليا التي دافعت عنها بروحك خرجت عن بكرة أبيها تقول لك وللشهداء وداعاً.. وداعاً أبا حمزة، كانت كلمة صدح بها المائة والخمسون ألفاً الذين قالوا لا للاستكبار في جنازتك.

خرج المخيم المذبوح برجاله و أطفاله وشبابه وشيوخه ليقول.. لم يمت شادي مهنا.. نعم لم يمت شادي مهنا.   شادي مهنا .. أسد الشمال وضرغام الإسلام عندما يرحل الشهداء نجد الابتسامة دوماً على شفاههم ، فهم العاشقون لتراب الوطن، وهم المدافعون عنها بروح إسلامية عظيمة، فيكونون في أوطانهم كالغرباء، لكن الأوطان تفخر بهم وبتضحياتهم، فالكل يمضي على الطريق بمشوار طويل فمن يصدق الله يصدقه الله ويصطفيه فتنتهي حياته بشهادة عظيمة، فكان على الطريق الشهيد القائد شادي سهيل ساكب مهنا الذي رحل عن الدنيا بعد مشوار طويل طويل من التضحيات والعمل الجهادي.

ميلاد القائد

ولد شهيدنا القائد شادي سهيل مهنا في السادس من يناير في العام 1980م في أزقة مخيم جباليا وعاش في كنف أسرة فلسطينية لاجئة فقيرة متواضعة كريمة ملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومحافظة على تقاليد المجتمع الفلسطيني في منطقة ' الفالوجا ' شمال قطاع غزة، وتعود جذور ‏عائلته إلى بلدة المسمية بعدما شرد العدو الصهيوني عائلته منها كباقي الأسر الفلسطينية تحت تهديد السلاح.

نشأ شهيدنا القائد شادي في أسرة مؤمنة تعرف واجبها نحو ربها وشعبها وأرضها المحتلة، فكان له من الأخوة ثلاثة ومن الأخوات خمسة، وشهيدنا القائد متزوج وقد رزقه الله بولد وبنت هما: ' زينب وحمزة.  

نموذج في العطاء

كان شهيدنا القائد يتحلى بصفات طيبة، طيب القلب مرضياً ومطيعاً وباراً بوالديه وحنوناً عطوفاً على اخوانه، وكان يقبل قدمي أمه وأباه حتى يرضيا عنه في الدنيا، وكان يحب اخوانه حباً كثيراً وعندما يشتاق إليهم يتصل بهم، أما على اخوانه الصغار فكان الأب و الأخ الكل يحترمه ويحبه، وأبنائه الصغار يحبهم كثيراً ويعطف عليهم ويلاعبهم، ويوصى زوجته بتربيتهم تربية إسلامية صالحة. 

صفات لم تحصى اتضحت في شخصية الشهيد شادي مهنا ، فكان شهيدنا شديد التواضع لله، وعلاقته بربه علاقة روحانية متصلة لا تنقطع كذلك مع الناس أيضا مليئة بالحب والحنان، تميز بأخلاقه الحسنة وتصرفاته الحكيمة، فلم يقطع رحمه أبداً، كان شهماً وكريماً يعامل الناس معاملة حسنة في كل مكان سواء في النادي الرياضي أو في الشارع أو في المسجد، وكان محباً لمساعدة الفقراء والمحتاجين دوماً، وكان يردد دوماً ' اللهم احشرني مع زمرة المساكين'.

تميز شهيدنا شادي مهنا بمميزات القائد الصلب العنيد، الذي لا يخاف في الله لومة لائم، فكان القائد الذي أفنى حياته في سبيل الله خدمة الإسلام والمسلمين، فقد حمل الراية وعمل من أجل رفعها، ولم ينكسها إلى يوم ارتقائه للعلياء شهيداً.

كان رحمه الله طيب القلب، محبوب من الجميع، بسيط متواضع، خجول وكريم ذو صفات حميدة، فكان نعم الرجل ونعم القائد، وكان مثالاً للأخلاق الحميدة، وكان أجمل صفاته غيرته على الإسلام، ومصاحبته للشهداء الأحياء في مسجده الذي اعتبره دائماً مسجد الاستشهاديين مسجد الشهيد عز الدين القسام فكان المحب للفصائل الأخرى، لا يفرق بين أي تنظيم وأخر، وخاصةً التنظيمات الإسلامية المجاهدة . 

كان القائد شادي محباً لألعاب القوى وتميز بجسمه الضخم المتميز عن غيره من الكثيرين، فكان المحب دوماً لممارسة ألعاب القوى ' كمال الأجسام' والتمارين الرياضية، حتى أصبحت تتضح على جسده ملامح الصلابة والقوة التي أعطته مزيداً من الصمود في وجه أعداء الله، بل وزادته عزيمة وإرادة على بناء جسده الذي تقطع اشلاءاً في سبيل الله.  

 سجل الشرف الجهادي

عمل شهيدنا القائد بعد أن خرج من المدرسة مع عمه في منجرة خشبية، من ثم التحق للعمل في صفوف جهاز البحرية الفلسطينية لمدة عامين، ومع دخول الانتفاضة تحرك فكره نحو أبناء شعبه الذي يقتل ويذبح وأصر على الانتقام والعمل في صفوف المقاومة، فكانت نقطة البداية للالتحاق في صفوف حركة الجهاد الاسلامي وبركب اخوانه المجاهدين الذي لطالما تمسك به وعمل من أجل الارتقاء في العمل الجهادي نحو الأفضل في مواجهة العدو الصهيوني. 

اشتد ارتباط شهيدنا بإخوانه في حركة الجهاد الاسلامي بعد عمل دؤوب ومتواصل في جهاز الدعوة والذي كان يعتبر من الأعضاء النشيطين فيه فكان الدعوي القائد، والقائد الميداني الذي لم يترك شيئا إلا وعمل به، ومع اندلاع الانتفاضة المباركة، تحركت المشاعر واشتد الطلب لمواصلة الطريق نحو إرضاء الله عز وجل فكان الميول الأكبر لشادي أن ينضم مع اخوانه في سرايا القدس والتي انطلقت مع بداية الانتفاضة المباركة ليعمل جنباً الي جنب مع إخوانه الشهداء القادة محمود جودة ومقلد حميد في المجموعات الأولى للسرايا في شمال غزة. 

ومع تواصل الانتفاضة واشتداد لهيبها وازدياد نشاط الشهيد مهنا لاحظ فيه إخوانه صفاته القيادية التي يستطيع من خلالها قيادة العمل الجهادي فكان على الطريق مقلد حميد ومحمود جودة اللذان سبقاه في الشهادة وارتقيا الي عليين، ليواصل المسير نحو الجهاد والمقاومة ليكون قائداً لسرايا القدس في محافظة شمال غزة بعد جهد دؤوب وعمل متواصل وتضحيات بالمال والوقت والنفس، وليكون شهيدنا من الحريصين على وحدة ابناء الشعب، فيخطط ويدبر المصائد لأعداء الله مع اخوانه في كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى  ولجان المقاومة الشعبية وله العديد من العمليات التي تشهد له بذلك. 

عمل شهيدنا بعد ان شارك اخوانه في سرايا القدس في عمليات كبرى في وحدة التصنيع، ويسجل له الكثير من عمليات اطلاق الصواريخ والتي كان آخرها قبل استشهاده بأيام حيث أطلق ما يقارب ' 25 صاروخاً تجاه مغتصبة سديروت المحتلة وذلك رداً على عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت القائد العام لسرايا القدس في الضفة المحتلة لؤي السعدي ومرافقه ماجد الأشقر، الي غير ذلك في العمل الجهادي الذي تعجز الألسنة عن تعبيره، ولقبه الكثيرون من ابناء المخيم بـ ' أسد الشمال ' في سرايا القدس ، نظراً لصلابته وقوته وعنفوانه وشدته في تعامله مع المحتل الصهيوني وأعوانه. 

ومع تواصل الانتفاضة واشتداد نار لهيبها على أبناء شعبنا ما كان لشهيدنا القائد شادي مهنا إلا وأن يخطط ويدبر العملية تلو الأخرى لأعداء الله، فله العديد من العمليات التي تشهد على ذلك وأبرزها:

- اطلاق مئات قذائف الهاون والقذائف الصاروخية تجاه مغتصبات العدو الصهيوني.

- مقتل جنديين صهيونيين في عملية نفذت في معبر ايرز للشهيد محمود المقيد الذي استشهد على يد أجهزة السلطة الفلسطينية .

- عملية الشهيد المجاهد حاتم أبو القمبز والتي أسفرت عن مقتل جندي صهيوني وإصابة آخرين.

- عملية الاستشهادي موفق الأعرج والتي نفذت على طريق كيسوفيم وهي عملية مشتركة وأسفرت عن مقتل جندي صهيوني وإصابة آخرين.

- عملية الاستشهادي مؤمن الملفوح في محررة دوغيت والذي تحتجز قوات الاحتلال جثمانه الطاهر حتى يومنا هذا.

- عملية تفجير الزورق البحري بالقرب في عرض بحر محررة مغتصبة دوغيت.

- عملية الانتقام الأول لاستشهاد رفيق دربه القائد مقلد حميد بالقرب من بيت حانون.

- قنص جنديين في عمارة الجمل خلال الإجتياحات المتكررة في منطقة السكة شرق جباليا.

وضع "الشاباك" الصهيوني اسمه على قائمة المطلوبين للاغتيال لنشاطه الجهادي ولوقوفه خلف عدة عمليات عسكرية لسرايا القدس ضد المغتصبات الصهيونية قبل الاندحار الصهيوني من قطاع غزة.

موعد مع الرحيل 

وبعد مشوار طويل من التضحيات الجسام لابد للأسد أن يستريح ويلحق بمن سبقه من الشهداء فكان موعد الرحيل في تمام الساعة الثامنة مساء يوم الخميس الموافق 27/10/2005، بعد ان أطلقت طائرات الغدر الصهيونية صواريخها الحاقدة تجاه السيارة التي كان يقودها القائد شادي مهنا والقائد محمد قنديل، في شارع العلمي قرب تل الزعتر في جباليا فارتقي القائدان إلى علياء المجد والخلود بعد جهاد وملاحقة صهيونية طويلة، وقد استشهد في القصف خمسة مواطنين ليستريح القائد ويخلفه ألف قائد يواصل الطريق نحو تحرير أرض فلسطين.

كلمات دلالية