خبر حكومة الأفق المغلق والحروب المفتوحة ..نواف الزرو

الساعة 10:36 ص|06 ابريل 2009

ـ البيان الإماراتية 6/4/2009

كنا نقول دائماً أن هناك إجماعاً سياسياً إسرائيلياً يمتد من أقصى اليمين الفاشي إلى أقصى اليسار المعتدل على الأهداف والثوابت الاستراتيجية الصهيونية، مع أننا كنا نستثني أحياناً بعض قوى ورموز اليسار الحقيقي وهم قلة قليلة اليوم في إسرائيل.

أما اليوم وقد أطل علينا المشهد السياسي الإسرائيلي بحلة يمينية فاشية صافية، بعد هذه الاتفاقات التي عقدها نتانياهو أولاً مع العنصري الفاشي السافر افيغدور ليبرمان زعيم حزب «يسرائيل بيتينو».

وثانياً مع الجنرال باراك صاحب أكبر قدر من الأوسمة البطولية التي حصل عليها مكافأة له على حروبه ومجازره واغتيالاته التي اقترفها ضد الفلسطينيين، وثالثاً مع حزب شاس الديني المتشدد، ورابعاً مع حزب «البيت اليهودي» الديني المتطرف، فيمكننا ان نثبت بالبنط العريض «ان إسرائيل أصبحت اليوم دولة بيبرمانية فاقعة تماماً ـ أي بقيادة ثلاثية ورؤوس ثلاثة رئيسية من بيبي نتانياهو وباراك وليبرمان.

ويبدو انها أول حكومة في إسرائيل تتشكل من ممثلي كافة الأطياف السياسية الصهيونية، ففيها الجنرال باراك عن العمل والمؤسسة العسكرية الأمنية، وفيها نتانياهو وليبرمان عن الايديولوجيا الصهيونية العنصرية الإرهابية، وفيها عن التيار الديني المتطرف من شاس والبيت اليهودي، إذن نحن عملياً أمام حكومة صهيونية شاملة لكل الأطياف السياسية باستثناء طبعاً أقصى اليسار والأحزاب العربية...!

من حيث الجوهر تعتبر هذه الحكومة حكومة يمينية فاشية استيطانية سافرة، ببرنامج أيديولوجي متطرف، وأجندة حربية صارخة، ولذلك يمكن أن نوثق أنها ستكون عملياً حكومة حروب عدوانية استيطانية تهويدية، فلن نرى في ظل هذه الحكومة عملياً سوى لغة القوة والغطرسة والإخضاع والتهديد والوعيد...!

هكذا كانت حكومات «إسرائيل» من قبل أيضاً: شارونية مثلاً أو بن غوريونية أو ديانية أو بيغنية أو شاميرية... ليتبين لمن مازال الغشى يغطي على عيونهم وما زالوا يتحدثون عن احتمالية السلام مع إسرائيل بحكومتها وأجندتها الراهنة أننا بتنا عملياً وبمنتهى الوضوح أمام خريطة سياسية إسرائيلية بيبرمانية يمينية عنصرية إرهابية أكثر من أي وقت مضى.

فلن تكون حكومة مفاوضات وسلام ألا ما يتعلق بالإعلام واستهلاك الرأي العام.. وهي كذلك حكومة اللاءات الكبيرة تجاه كل ما يتعلق ليس فقط بالالتزام بالاتفاقيات السياسية الموقعة مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، وإنما تجاه كافة العناوين الكبيرة من الدولة الفلسطينية إلى القدس إلى تفكيك تكتلات المستعمرات إلى ترسيم الحدود، إلى هضبة الجولان، ويجمع الثلاثة في هذه الحكومة على مواصلة الحصار على غزة وشن المزيد من الحروب ضد أهلها تحت زعم محاربة الإرهاب وإسقاط حماس، في الوقت الذي يعتبرون فيه أيضاً حتى الرئيس أبومازن بأنه «غير ذات صلة ولا يصلح لأن يكون شريكاً للسلام»...!

إلى كل ذلك، فان الحقيقة الكبيرة التي تحظى بأوسع إجماع هي أن هذا الليبرمان الذي أصبح وجه إسرائيل في الخارجية «يذكر بموسوليني كظاهرة فاشية» كما جاء في يديعوت أحرونوت مثلاً..

وهو «أحد أخطر صقور إسرائيل وأخطر سياسي إسرائيلي من جهة مواقفه العنصرية، وهو امتداد لكهانا ورحبعام زئيفي.. بل انه الأميز كهانياً.. وهو «الوجه الحقيقي لإسرائيل ـ كما يثبت الكاتب ب. ميخائيل» وهو أيضاً «الوجه الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي ـ كما يضيف جدعون ليفي في هارتس».

فهذا الليبرمان يتميز على سبيل المثال عن كافة أقطاب وصقور إسرائيل الفاشيين بجرأته وصراحته وعدوانيته وعنصريته وإرهابيته الصريحة.

فهو يعلن قائلاً مثلاً: «إن إسرائيل اليوم في وضع تكون أو لا تكون»، و«اننا أمام تحديات كبيرة وأن الحرب قادمة وشيكة ويجب أن يكون ـ هو ـ بجانب طاولة الحكومة عند اتخاذ القرارات المصيرية» و«أن ما يشعر به الجميع في إسرائيل هو أننا وصلنا إلى لحظة الحقيقة والدولة بحاجة إلى رب للبيت ـ أي هو نفسه».

وقد دعا ليبرمان علناً وإعلامياً إلى «تدمير السد العالي في مصر» وإلى «قتل حسن نصرالله» وإلى «أنه كان يجب تسوية سجن أريحا على من فيه بدلاً من الاجتياح والاعتقال» وإلى ترحيل ـ ترانسفير عرب 48 «وإلى تدمير القرى والمدن الفلسطينية على رؤوس أهاليها» ثم إلى «معالجة الملف النووي الإيراني بأسرع وقت ممكن قبل ان يفوت الأوان»، والأقرب والأخطر في تصريحاته دعوته لـ «إبادة غزة باستخدام قنبلة نووية». ولكل ذلك وغيره تم تعيينه في حكومة أولمرت المنصرفة وزيراً للملف الاستراتيجي لمواجهة التهديدات الاستراتيجية الداخلية والخارجية.. وتم تعيينه في حكومة نتانياهو وزيراً للخارجية...!

لا شك ان ضم باراك إلى حكومة نتانياهو إنما جاء كمحاولة لتجميل وجه الحكومة «البيبرمانية» ولإطالة عمرها لأطول فترة ممكنة، ولكن لانضمامه للحكومة أيضاً رسائل أخرى بليغة منها أن ذلك الحزب التاريخي الذي انشأ وقاد إسرائيل على مدى عقود قد بات وفق المؤشرات الإسرائيلية في غرفة الإنعاش.

وأن باراك إنما يستنفذ فرصته الأخيرة في السلطة، بينما يؤشر انضمام ليبرمان إليها إلى «أن المجتمع الإسرائيلي بات كله يبرمانيا» وان النزعة الليبرمانية تتسيد المشهد الإسرائيلي وأن الأوضاع تسير من الآن فصاعدا نحو المزيد من التصعيد الحربي العدواني ضد الفلسطينيين واتجاه غزة على نحو حصري، ونحو التصعيد العنصري ضد عرب 48، ونحو التصعيد الاستيطاني التهويدي على صعيد الضفة وليس نحو المفاوضات والسلام.

فقد أعلن ليبرمان في أول خطاب له «أن الحكومة الجديدة غير ملتزمة بمسيرة أنابوليس»، وقال: «من يظن أنه من خلال التنازلات سيحظى بالسلام مخطئ، وهذا لن يؤدي إلا إلى الحروب، ومن يريد السلام فليستعد للحرب».

أما نتانياهو فيعد لإجراء إعادة تقويم للسياسة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، والتقدير هو أن نتانياهو سيواصل المفاوضات مع الفلسطينيين، إلى جانب استمرار العزل البارز بين يهودا والسامرة وغزة، وإسقاط الدولة الفلسطينية عن الأجندة. فكيف يمكن لإسرائيل البيبرمانية إذن وهذا هو وجهها ان تسير نحو التفاوض والسلام؟!

فاللغة البيبرمانية هي لغة القصف والتدمير والترانسفير العنصري فقط.... ولغة أن تكون إسرائيل أو لا تكون بالمضامين الحربية الصهيونية المعروفة. فهي إذن بالتأكيد حكومة الأفق السياسي المغلق تماماً، وحكومة الحروب والاستيطان والتهويد في الضفة الغربية والمدينة المقدسة. ما يعني من جهة أخرى أن على الفلسطينيين والعرب أن يعودوا إلى رشدهم وأن يستعيدوا إرادتهم وأن يقوموا بترتيب أولوياتهم السياسية من جديد بما يتناسب مع إسرائيل البيبرمانية.