خبر مستقبل إعمار غزة في عهد نتنياهو ..صالح النعامي

الساعة 08:36 م|05 ابريل 2009

لا زال عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين دمر جيش الاحتلال بيوتَهُمْ خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، يعيشون دون مأوى، في ظروف مأساوية، على الرُّغْمِ من مرور أكثر من شَهْرَيْن على انتهاء الحرب، ولا يوجد للأغلبية الساحقة منهم آمالٌ في إعادة بناء بيوتهم قريبًا.

 

وواضح تمامًا أنه على الرغم من أنّ هناك إجماعًا على أن إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتوصل لاتفاقٍ يُعِيدُ وَحْدَةَ الضفة الغربية وقطاع غزة، يُمَثِّلُ مطلبًا ضروريًّا لتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، إلا أنه مما لا شك فيه أن إسرائيل ستلعبُ دورًا مركزيًّا في تحديد ظروف إعادة إعمار القطاع، كونها تتحكَّمُ في المعابر الحدودية التي  من خلالها سيتم نَقْلُ الموادّ اللازمة لإعادة إعمار ما تم تدميره.

 

وقد حدَّدَتْ إسرائيل موقِفَهَا مِمَّا قام جيشها بتدميره خلال حربها الإجرامية على قطاع غزة من منطلق استراتيجي، يقوم على أن سماح تل أبيب بتنفيذ هذه العملية يتوقف على عدم اضطلاع حماس وحكومتها بدور فيها.

 

وقد خرجت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني في الرابع عشر من يناير الماضي، وفي الوقت الذي كانت الطائرات الإسرائيلية تُوَاصِلُ قَصْفَهَا لمدن ومخيمات وقرى القطاع؛ لِتُعْلِنَ في مؤتمر صحافي أنّ إسرائيل لن تَسْمَحَ بحالٍ من الأحوال بأن تُشْرِفَ حركة حماس على عملية " إعادة الإعمار "، وأضافت بالحرف الواحد قائلة: " لن نسمح بأن تتحول عمليةُ إعادةِ الإعمار إلى مصدرِ قُوَّةٍ آخَرَ لحركة حماس ".

 

والذي جعل إسرائيل أكثرَ حساسيةً لدور حماس في عملية " إعادة الإعمار " هو تجربةُ حرب لبنان الثانية؛ حيث تُجْمِعُ دوائر التقدير الإستراتيجي في تل أبيب على أن إسرائيل نجحتْ بالفعل في رَدْعِ حزب الله، والدليل على ذلك هو الهدوءُ السائِدُ في الجبهة الشمالية، لكنّ هذه الحرب في المقابل عملتْ على تعزيز مكانة حزب الله السياسية بدلًا من إضعافها، وذلك لأن الحزب اضطَلَعَ بدورٍ كبيرٍ ومركزيٍّ في عملية " إعادة الإعمار " التي تَلَتِ الحرب، وهو ما مَكَّنَهُ من احتكار تمثيل الشيعة في لبنان عمليًّا، وتعزيز تحالفه مع قطاعاتٍ من الموارنة، وشَقّ الصف الدُّرْزي الذي يقوده وليد جنبلاط.

 

لذا فقد قَدَّمَ قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، المسئولةِ عن بلورة التقييم الاستراتيجي للدولة العبرية، تقريرًا لصُنَّاع القرار، أكّد على أن أحد معايير إنجاز الأهداف المرسومة لحرب " الرصاص المصهور " التي شُنَّتْ على القطاع هو مَنْعُ حركة حماس من الاضطلاع بأي دور في عملية إعادة الإعمار.

 

وتَرْبِطُ إسرائيل إعادةَ الإعمار بالتهدئةِ، ووَقْفِ عمليات المقاومة، وإنهاءِ ملف شليت، مع العلم أنّ مؤتمر شرم الشيخ تَبَنَّى رسميًّا هذا الشرطَ الإسرائيلي؛ حيث ربط بين إعادة الإعمار والتَّوَصُّل لتهدئة وإنهاء الانقسام.

 

وتُطَالِبُ إسرائيلُ بعدم توظيف أموال إعادة الإعمار في إعادة بناء ما تعتبره " المؤسساتِ والأنشطةَ الإرهابية "، مع العلم أنّ هذا مُصْطَلَحٌ فضفاض، وقد يعني رَفْضَ إسرائيل السماحَ بدخولِ بعض الموادِّ، بزعم أنها تدخل في صناعة الصواريخ، أو إصدارِ فيتو إسرائيليٍّ على إعادة إعمارِ بعض المؤسسات، بزعم أنها تُسْتَخْدَمُ لأنشطة " إرهابية "، ورفض السماح بإعادة بناء منازل مقاومين دُمِّرَتْ خلال الحرب.

 

ولا تختلف حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو عن حكومة أولمرت في نظرتها لحماس، بل إنها ضَمَّنَتِ البرنامجَ السياسِيَّ لها بندًا يَنُصُّ على الالتزام بإسقاط حكم الحركة.

 

ومع ذلك، فإن هناك عدةَ عوامل ستُقَلِّص قدرة حكومة نتنياهو على إعاقة عملية إعادة الإعمار، وقد تكون حكومة نتنياهو أكثرَ استعدادًا للتجاوب مع متطلبات إعادة الإعمار أكثرَ من حكومةٍ برئاسة حزب كاديما.

 

فبرنامج نتنياهو السياسي يُرَكِّزُ على " السلام الاقتصادي "،  الذي يعني عمليًّا أن تُصْبِحَ غاية الاتصالات مع السلطة الفلسطينية تحسينَ ظروف الفلسطينيين المعيشية، بدلًا من الانسحاب من أي جزءٍ من الضفة الغربية؛ حيث لا تسمح تركيبة حكومة نتنياهو له بأي هامشِ مناورةٍ، بالحديث عن تسويةٍ تقومُ على مبدأ الانسحاب، حتى ولو على الصَّعِيد الدِّعائي، وهذا ما سيَضْطَرّ نتنياهو لإبداء مرونةٍ في مجال إعادة الإعمار.

 

من ناحيةٍ ثانيةٍ ثبت تاريخيًّا أن حكومات اليمين تُؤْمِنُ دومًا بفكرة البدائل الاقتصادية كحلول للصراع، وعلى الرغم من مسارعة الدول الأوروبية للتأكيد بأنها ستتعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو، فإن هذه الحكومة ستُبَاشِرُ العَمَلَ وهي تعاني من أزمةِ شرعِيَّةٍ دولية؛ حيث يدرك نتنياهو أن الدول الْمُؤَثِّرَةَ في العالم تعي الطابِعَ المتطرفَ جدًّا لحكومته، وأن هذه الدول قلقةٌ بالفعل من سياسات هذه الحكومة، وبالتالي فإن نتنياهو مُتَيَقِّنٌ أن هذه الدول لا تُخْفِي القلقَ من هذه الحكومة، وبالتالي يمكن الافتراضُ أن يدفع هذا الواقعُ نتنياهو إلى عدم إعاقةِ عمليةِ إعادة الإعمار، سيما وأنّ الكثيرَ من الدول تُبْدِي حماسًا لها.

 

يدرك صُنَّاع القرار في إسرائيل أنّ بقاء الوضع على حاله إلى أمدٍ بعيدٍ في القطاع سيُؤَدِّي إلى تَفَجُّرِ الوضع الأمني في القطاع، مع العلم بأنه من الواضح أنّ إيران على ستكون على رأس الأجندة الأمنية لحكومة نتنياهو، وليس قطاع غزة.

 

إن قدرة الفلسطينيين على الشروع في عملية إعادة الإعمار تتوَقَّفُ بشكل كبير أيضًا على الكيفية التي يديرون بها الصراع في المرحلة المقبلة، وأهم متطلب لذلك يتمَثَّلُ في نجاحِ الحوار، وإنهاءِ الانقسام الداخلي.