خبر مواجهة نتنياهو بسلطة تابعة! ..ياسر الزعاترة

الساعة 08:32 م|05 ابريل 2009

يحتار قادة السُّلطة في الطريقة التي يَرُدُّون بها على مُعْضِلَةِ نتنياهو، ولذلك تراهم يتحدثون، في كل مرة، بشكل مختلف. وقد سمعنا وقرأنا للرئيس الفلسطيني نَصَّيْن مختلفين في يوم واحد؛ أحدهما للتلفزيون الرسمي الفلسطيني، والثاني لإذاعة بي بي سي.

 

مصدر الحيْرة يتمثل في أنهم لا يملكون غيرَ برنامج واحد؛ برنامج لم يصلح مع أولمرت لكي يصلح مع نتنياهو، أعني برنامج "الحياةُ مفاوضات"، الرافض لأي لون من ألوان المقاومة المسلَّحة، بل حتى السِّلميَّة؛ ربما باستثناء مظاهراتٍ بمشاركة ناشطين أجانب قُرب الجدار في قرية "بلعين"!!

 

الرئيس الفلسطيني، في إحدى المقابلتين، قال: إن هذا الرجل (يعني نتنياهو) لا يؤمن بالسلام، وتساءل عن كيفية التعامل معه، مُطَالِبًا العالَمَ بالضغط عليه، بينما ذهب في الحوار الآخر إلى أن كلمته أمام الكنيست لم تُغلِق الباب أمام المفاوضات، حيث تحدَّثَ عن تعامله مع الفلسطينيين من خلال مسارٍ اقتصاديٍّ ومسارٍ أمنيٍّ وثالثٍ سياسيٍّ، مع أن أحدًا لم يتوقع أن يُعلِن نتنياهو الانقلابَ على المسار السياسيّ.

 

المسار الاقتصادي، كما يعرف الجميع، هو شقيق المسار الأمني، وهذا الأخير تلتزم به السُّلطة القائمة على نحوٍ تُحْسَدُ عليه!! ونتذكر هنا كيف صاغ نتنياهو مصطلح "التَّبَادُلِيَّة" عندما كان رئيسًا للوزراء بين عامي 96 و 99، والذي يربط التَّقَدُّمَ في المفاوضات وحصول السلطة على عائدات الجمارك والمعونات، بوفاء السلطة بما عليها من التزامات أمنية.

 

اليوم تُنَفِّذُ السلطة سائرَ التزاماتها من دون ضغط، وبصرف النظر عن تقدُّم المفاوضات، وبصرف النظر عن وفاء الطرف الإسرائيلي بالتزاماته؛ إذ يُدير الجنرال دايتون مؤسسة الأمن بِحِرَفِيَّةٍ عالية، وبتعاونٍ أمنيٍّ يشهد له الإسرائيليون، بينما تبقى الحواجز، ويتواصل الاستيطان، ومعه المُدَاهَمَاتُ والاعتقالات؛ وحتى الاغتيالاتُ، إذا لزم الأمر.

 

أما السلام الاقتصادي الذي يتحدث عنه نتنياهو فقائمٌ بالفعل، وخلاصتُه حصولُ السُّلطة على المعونات وعائدات الجمارك، مع تسهيلات لعقد المؤتمرات الاقتصادية عبر الحصول على تأشيرات دخول للمشاركين فيها من سلطات الاحتلال. ويبقى السياسي، وعنوانه المفاوضات التي قال نتنياهو إنه لن يوقِفَهَا مع الفلسطينيين. هذه هي الحقيقة التي يَتَعَامَى عنها حوارُ القاهرة، الذي لا يعني بالنسبة للسلطة ولمصر، غيرَ الوصول إلى مربَّع الانتخابات التي يعتقدون بقدرتهم على كسبها بأية طريقة كانت (دفع حماس إلى الاعتراف بدولة الاحتلال جزء من إرادة التشويه وليس شيئًا آخر)، وبالطبع من دون دفع أية استحقاقات مُلْزِمَةٍ للمستقبل، لاسيما تلك المتعلقة بإعادة تشكيل منظمة التحرير، والنتيجة هي عودة القوس إلى باريها، والشرعية العتيدة إلى أصحابها، ومن ثم المُضي في برنامج السلطة والمفاوضات، سواء وصلت إلى نتيجة سريعة، أم استمرت وبقيت السلطة (الدولة) القائمة على حالها، ما دام الخيار الآخر (المقاومة) نوعًا من العبث الذي لا يعود (برأيهم) بغير الدم وفقدان الامتيازات!!

 

من هنا قلنا ونقول وسنظل نقول: إن مضمون حوار القاهرة لا يَمُتُّ إلى المصلحة الفلسطينية الحقيقية بصلة، وهو خيار المضطر بالنسبة لحماس بعد ورطة الانتخابات والحسم العسكري؛ وفي ظل الحاجة لإعمار القطاع وتخفيف العبء عن فرعها المطارَد بقسوة في الضفة، بينما هو عودة ضرورية إلى الخيار الاستراتيجي بالنسبة لمن يريدون العيش في ظل الاحتلال والتَّمَتُّع بتسهيلاته.

 

لقد رفضنا مشاركة حماس في الانتخابات من الأصل، وقلنا: إن هذه السلطة مُصَمَّمَةٌ لخدمة الاحتلال، وديمقراطيتُها كذلك، وهي عبءٌ على القضية بِرُمَّتِهَا، ومن أراد خدمة القضية فلا يمكنه المرورُ من خرم الحفاظ على سلطة لا تتنفس إلا من رئة الاحتلال، وليس ثمة عاقل يعتقد أن المحتل يمنح الحياة لمن ينغِّص حياته، ويجعل وجوده مُكَلِّفًا.

 

الانتخابات المقبلة إما أن تُفْضِيَ إلى فوز حماس، فيعود مسلسل الحصار من جديد، وإما أن تفضي إلى فوز فتح فتستمر الملهاة الحالية (سلطة في ظل الاحتلال تحافظ على أمنه مقابل المعونات، ومفاوضات لا تأتي بنتيجة أو تفضي إلى حل بائس مشوّه).

 

لو عادت فتح إلى روحها وجذورها لكان بالإمكان التوافق على مسار جديد عنوانه "المقاومة"، لكنَّ بقاءها في ظل القيادة الحالية يعني أننا سندفع الكثير قبل الوصول إلى تلك النتيجة، وقد ندفع أكثر لمواجهة حلٍّ مشوَّهٍ قد تتوصل إليه قيادتها، خلاصته دولة كانتونات على القطاع وأجزاء من الضفة الغربية من دون عودة اللاجئين.