خبر الاسترالية د. جين كالدر: الإعلام الغربي متحيز جدا للرواية الإسرائيلية

الساعة 11:59 ص|04 ابريل 2009

فلسطين اليوم: غزة

"رحلة الحب والتحدي " هكذا وصفت د. جين كالدر استرالية الجنسية رحلتها التي تناثرت بين ثلاث محطات تزرع البسمة والأمل بين روائح البارود والدمار تمنح الحياة والحب لمن سلبت الحرب أرواحهم وأسكنتها الأشباح كمدن مهجورة وذلك في كتابها الذي شرحت فيه رحلتها وعنونت له "أين يقود الطريق".

عشقت الفلسطينيين وانحازت بقلبها وعقلها وإنسانيتها لهم قبل أن تخالطهم.... ورغم ما سمعته عنهم من نعوت..." إنهم إرهابيون ".. يحظر التعاطف معهم أو دعمهم ومساندتهم..

اختارت الدروب الشائكة، بعيدا من حياة الرفاهية الغربية ، وهي تحمل قيمة إنسانية وتؤمن بان "من يعمل مع ذوي الإعاقات لا بد أن يعمل بعقله وقلبه ويده" وهو ما طبقته في عملها أكثر من 30 عاما في خدمة هذه الفئة...

تقول كالدر السبعينية، وعميدة كلية تنمية القدرات في جمعية الهلال الأحمر في خان يونس في حوار خاص بإيلاف  :"قبل قدومي للشرق الأوسط ،كنت اعمل محاضرة في جامعة في استراليا في كلية التربية الخاصة قسم التربية البدنية ،كان حلمي السفر وتقديم المساعدة لمن يحتاجها في أي دولة نامية، وفي هذا الوقت ، كانت تتردد الأخبار عن الفلسطينيين ومعاناتهم وكنت اشعر أنهم شعب مضطهد ومسلوبة حقوقه ، رغم أن الإعلام الغربي  كان ينعتهم بالإرهابيين وينفر من الاقتراب بهم أو حتى إظهار الدعم والتعاطف معهم ،مشيرة إلى أنها قرأت مقالا وقتذاك من أن ممثلة أوروبية مشهورة  قدمت أدوارا في فيلم عن "الفلسطينيين" ولكنهم بعد ذلك حظروا التعامل معها بل ورفضوا أن يعطوها أدوارا أخرى ، وتتابع "لم أكن أصدق كل ما يقال هنا لذا قررت أن لابد أن أفعل شيئا وأرى بنفسي ما يحدث هناك بل شعرت بأنه مهم جدا العمل معهم وان لم افعل ذلك  سيكون خيانة لقضيتي الإنسانية لذا حزمت أمتعتي إلى لبنان .

المحطة الأولى: " بيروت كانت محطتي الأولى ، عملت مع فرق إغاثة في العام 1980م حتى التقيت الراحل د. فتحي عرفات رئيس الهلال الأحمر الفلسطيني آنذاك، وعرضت عليه العمل معهم، وعملت معهم منذ عام 1981، تواصل كالدر.

تحتفظ بهدوئها الذي ينساب كنسيم عليل وتستذكر قائلة :"كم كانت قاسية تلك الأيام التي عشتها في بيروت ، رفض اللبنانيون وجودي بحجة عدم حوزتي على تصريح للعمل ، وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كانت الحكومة اللبنانية تخرج كافة الأجانب العاملين فيها ،حتى استطاع فتحي عرفات أن يحضر لي تصريح عمل من خلال جامعة الدول العربية وبعدها رفضوا وجودي بحجة عدم وجود فيزا ، فعدت إلى استراليا وحين حصلت عليها سجنوني مدة 3أيام وأمروا بترحيلي فورا إلى خارج لبنان ،ورفضوا تسليمي جواز سفري إلا وأنا في الطائرة، وغادرت قسريا لبنان وعيوني على المصابين والمكلومين خلفي ورحلوني إلى القاهرة وهناك عملت مع فرق الهلال مدة 12 عاما ،استطعت أن أنشئ مركزا للتدريب والتأهيل استفاد من الفلسطينيين والمصريين .

وتتابع:"بيروت هي الفترة الأصعب في حياتي، حيث تفوح من شوارعه رائحة الحرب وكنت على بعد أمتار من الموت حين خرجت من الملجأ لجلب شيء من فوق السطح وإذا بقذيفة كادت تصيبني لولا اختبائي في زاوية ".

وحول مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها أكثر من 3500 شخص ، قالت :" طوال الوقت  كنا نختبئ في الملاجئ ومحاصرين بالموت وأقوم بمساعدة المحتاجين ، وعندما خرجنا صدمنا مما رأينا ، المشاهد كانت مؤلمة حقا ولكن لم أيأس أوأحبط كنت اعلم أن اختياري سيكون في ظروف صعبة ولكن استطعت أن أتكيف وسط الحرب وأقوم بعملي ، "بدر وحمودة ودلال " ثلاثية الجرح والألم وبشاعة الحرب ، مقطوعة حزينة لقصص يحتفظون ببعض تفاصيلها المؤلمة في ذاكرتهم، أطفال كانوا يصرخون في شوارع بيروت اكتووا بنار الحرب التي مزقتهم ووجدوا أنفسهم بلا أسرة أو أوراق ثبوتية ، شكلوا كل اهتمام كالدر ،عنهم تقول :" هؤلاء عائلتي التي أقيم معها في غزة ،تساعدها دلال التاجي بذاكرتها" وهي كفيفة وترجمت اللقاء مع كالدر" وتواصل :" بعد أن حطت الحرب أوزارها ، كنت اعمل مع  الأطفال وقتها في المستشفى استدعوني بان هناك أطفالا قدموا للمستشفى ووضعهم صعب وبحاجة للمساعدة توجهت إليهم ، لأجدهم دون اسر أو أوراق ثبوتية ومكثت معهم فترة ، وقمت برعايتهم ، وبعد أن رحلوني من لبنان ، كنت قلقة عليهم ولا استطيع تركهم وحدهم ، وبسبب عدم وجود أوراق ثبوتية لهم رفض أن يسافروا معي ، فاستطعنا بعد تدخل جمعية الهلال الأحمر والصليب وأخرجناهم للأراضي المصرية ليلتحقوا بي وينضموا إلى رعايتي  وما زالوا يلازمونني ،للآن كطيف جميل أرى في وجوههم انتصار الحياة .

غزة: وعن رأيها بغزة ، تبتسم كالدر التي تنحدر من أسرة استرالية كادحة ابتسامة نقية وتقول:" غزة علمتني الكثير استغرب كم هم أهلها صامدون في ظل كل هذه الظروف دون إحباط أو يأس ، ومن صمودهم استمد عزيمتي في المضي من اجل خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنهم بحق يستحقون كل اهتمام ورعاية ،ويثبتون في كل يوم أنهم أقوى وأصلب ".

وتضيف مستغربة موقف المجتمع الدولي مما يحدث في غزة :" الوضع في غزة اليوم صعب جدا ، في الانتفاضة الأولى عام 1987 زرتها  لأول مرة ولكن الوضع لم يكن بهذه الصورة ،حتى الآن لا أفهم لما تبدو ردة فعل المجتمع الدولي بهذا البرود القاتل ،وتشير إلى أن الإعلام الغربي متحيز جدا للرواية الإسرائيلية ولا يعطي تغطية موضوعية أو متوازنة لما يحدث هنا ، وتشير إلى أنه ما زال يحارب كل من ينحاز للفلسطينيين وتضرب مثلا بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر حين استعمل كلمة " تفرقة عنصرية " في كتابه وتم اتهامه بكرهه السامية وكذلك شن حربا عليه في لقائه الأخير مع قيادات حماس بسوريا وتعامل الإعلام الغربي مع " استقلال إسرائيل" دون التطرق ل" نكبة الفلسطينيين "  وتنتقد  الموقف الأميركي من استقلال إسرائيل قائلة " الرئيس الأميركي المفروض أن يكون حياديا ويساهم في حل المشكلة الفلسطينية ولكنه يحتفل مع الإسرائيليين دون ذكر قضية نكبة الفلسطينيين.

مازالت كالدر تحتفظ بعلاقاتها مع أسرتها في استراليا وأقارب لها في مختلف دول العالم وعن ذلك تقول :" لي أخت واحدة متزوجة وأتواصل معها عبر الانترنت بسهولة، وكذلك مع أبناء عمومتي أحدثهم عن غزة وما يحدث فيها من عنف بسبب الإسرائيليين ،وتضيف:" كثيرا ما ألح أهلي بسبب الأوضاع في فلسطين من طلب عودتي خوفا على حياتي، بل وقالوا بإمكانك أن تعملي هنا ، فأناس كثيرون بحاجة للمساعدة ولكني رفضت واصريت أن أبقى لتحقيق رسالتي ، وقد كنت اعلم أني سأواجه صعوبات وربما خطر وهذا يزيد من إصراري أيضا .

اعتراف بالفلسطينيين: "كالدر كرمت في مناسبات عدة من قبل المؤسسات الأهلية الفلسطينية على جهودها في العمل التطوعي في خدمة قضية تؤمن بها وكان التكريم الذي أثلج صدرها ،وتصر انه اعتراف من العالم بالفلسطينيين وبمعاناتهم حصولها على جائزة " ِِِِAC" وهي ارفع جائزة تقدمها استراليا لمواطنيها ،وذلك جراء عملها التطوعي في خدمة الفلسطينيين .

 

تقول كالدر :" أنا لا اعمل كي أكرم أو أحظى بجوائز  تقديرية ، لقد تفاجأت العام 2007 ،بترشيحي من قبل مؤسسات وأشخاص يعرفون بعملي للجائزة ، تقول بتواضع رزين :" أنا لا أستحق ذلك ، سعيدة بها فقط لأنها تشكل  اعترافا بالفلسطينيين وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة ،وهذا وحده كاف لتفنيد نظرتهم أي "العالم الغربي" لهم وفرصة كي يتعرف الاستراليون إلى الشعب الفلسطيني عن قرب من إنسان من جلدتهم .

الزنانة والكتابة:"للزنانة الإسرائيلية تأثير على د.جين كما أثرت في كل الفلسطينيين وأنغصت عليهم حياتهم بل أشعلت توترهم وتساؤلاتهم حول الموت القادم على جناحيها ، كان للدكتورة جين مواقف معها ، أفردت لها مقدمة كتابها  " where the road"   " An Australian woman s journey of love and determination" الذي صدر في سبتمبر 2007 الماضي .فتقول من " بعد حصولي على الجائزة طلب مني تدوين تجربتي في العمل مع الفلسطينيين فكتبت كتابا باللغة الانكليزية " أين يقود الطريق " " رحلة الحب والتحدي" تطرقت فيها إلى رحلتها في العمل مع الفلسطينيين في المحطات الثلاث " بيروت القاهرة وغزة " سجلت معاناة الفلسطينيين على الحواجز وفي الحصار وفي الانتفاضة الأولى والثانية وعن علاقتها بالثلاثي " بدر وحمودة ودلال " ويضم الكتاب صورا عدة للأحداث الفلسطينية.

وتشير إلى أن الكتاب لاقى اهتماما خاصا من قبل الكتاب والصحافيين الذين اتصلوا بها لإجراء حوارات معها حوله ، وخاصة جذبتهم المقدمة التي تحدثت فيها عن الزنانة وتضيف كالدر :" كنت أدون في الكتاب والزنانة كانت تضرب في أذني بشكل مزعج ومخيف كنت اشعر أن حياتنا مراقبة لا نستطيع مشاهدة التلفاز وكنت أسأل نفسي في كل مرة " يا ترى من المستهدف هذه المرة ".مشيرة إلى أن الناشرين أحبوا المقدمة كثيرا.

الفرحة بالحصول على الجائزة بددها الاحتلال ،إذ منعت د. كالدر من السفر إلى استراليا في حزيران العام الماضي لحضور حفل تسلمها ،بل أنها منعت أيضا مدة ستة أشهر في العام 2006 من السفر للفيزا وتم إرجاعها عن معبر بيت حانون "ايريز" مرتين بحجة عدم التنسيق مع انه منسق لها .

وحول موقف حكومة دولتها  من الفلسطينيين تقول الحكومة الاسترالية  تتبع الولايات المتحدة ولكن هناك أناس يساندون الشعب الفلسطيني في أوروبا نفسها فموقف الحكومة شيء والناس شيء آخر هناك صفحات بالإعلام الغربي خصصت لنكبة الفلسطينيين وأنا يوميا أرسل نشرات من فلسطينيين  تصلني عبر البريد إلى أكثر من 100 شخص حول العالم هم بدورهم يقومون بنشرها .  المشوار مع د.كالدر لا ينتهي بل إن الحلم لم يبدأ بعد هذا العمر ما زالت تحتفظ بالكثير من الأحلام التي تتمنى أن يسعفها العمر لتمضي بقيته بالقرب من العمل الذي أحبته ووسط الناس الذين اخترتهم فتعطيهم كل وقتها حتى أبدتهم عن حياتها الخاصة ،:" هناك الكثيرون لا يقدرون على تلقي خدمة التأهيل ، لدي أقسام بالكلية ننوي إنشاءها وناد للطفل وكذلك أنشطة كثيرة، أتمنى أن يحل السلام على الفلسطينيين.

المصدر: ايلاف