نادي الاسير: الأجواء مهيّأة لصفقة تبادل تشمل أسرى "جلبوع"

الساعة 05:04 م|20 سبتمبر 2021

فلسطين اليوم

في الثانية من فجر الأحد، انتهت عملية نفق الحرية الذي نفذه 6 أسرى فلسطينيين من سجن " جلبوع" الأشد تحصينا بين 28 سجنا "إسرائيليا". وبعد أسبوعين من المطاردة، اعتقلت قوات خاصة "إسرائيلية" الفاريْن مناضل نفيعات وأيهم كممجي من منزل آواهما بمدينة جنين شمال الضفة الغربية.

وبهذه العملية، أكملت "إسرائيل" اعتقال المجموعة التي أحدثت اختراقا هزّ منظومتها الأمنية، بالهروب عبر نفق حفروه بأدوات بدائية على مدار عام. ولاقى تحرّرهم المؤقت أصداءً فلسطينية وعربية، وتضامنًا عالميًا واسعًا مع آلاف الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال.

يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس إن هذه "النهاية" كانت متوقعة و"رغم أن إعادة الاعتقال ليست قدرا محتوما" فإن منفذي الهروب يدركون أنه أحد السيناريوهات المحتملة خلال الإعداد أو أثناء الهروب أو بعده، خاصة أن العمليات السابقة بعضها كُشف وبعض المشاركين فيها استشهد، بينما آخرون تمكنوا من اجتياز الحدود إلى دول عربية.

وقد عايش هذا الرجل تخطيط وتنفيذ واحدة من أشهر عمليات هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن نفحة الصحراوي عام 1987، حين نجح خليل الراعي وشوقي أبو نصيرة وكمال عبد النبي بالفرار مستغلين ثغرة في إجراءات الحراسة خلال أعمال بناء بالسجن، ووصلوا غزة فعلا قبل أن يكشف أمرهم، لاحقا، أثناء محاولة تهريبهم إلى مصر.

ما الاختراق الذي أحدثه عملية نفق الحرية؟

تعتبر إسرائيل نفسها الأكثر تطورا على مستوى التقنيات المستخدمة في حراسة السجون وإحكام القبضة على الأسرى، والأكثر خبرة لتجربتها الطويلة في مواجهة محاولات عديدة للهرب سابقا. لذا اعتقدت أنها أغلقت كل الثغرات الممكنة أمام هذه العمليات.

وحين بنت سجونا جديدة، صممتها بطريقة تجعل من احتمالية نجاح أي أسير في تحرير نفسه صفرا. لذلك، كانت هذه العملية " صدمة" لمنظومتها الأمنية كاملة. فالهروب لم يكن خلال تنقلات من سجن لآخر أو في الطريق إلى المحكمة أو العيادة، بل باختراق الجدران المحصّنة وعلى مرآى كاميرات المراقبة وأعين السجانين.

لذلك جنّدت إسرائيل كل قوّتها لإعادة اعتقالهم في إطار عملية لرد الاعتبار لمنظومتها الأمنية، ولرفع معنويات المجتمع الإسرائيلي واستعادة ثقته بالجيش والشرطة والمخابرات. كما أن أهم منجزات هذه العملية هو " تآكل قوة الردع" الإسرائيلية، الذي أحدث جدلا واسعا، و" كان الضربة الأقسى" حسب التقديرات الإسرائيلية نفسها.

ومن حيث تصميم العملية، كان الهروب في السابق أسرع وأقل تخطيطا ومشقة، أما في "جلبوع" فقد استمر حفر النفق لمدة عام حسب تصريحات الأسرى، كما أن السجن الذي تمت فيه يُعد الأكثر تحصينا، والمسافة بين السور الخارجي وغرف الأسرى طويلة.

كما رشح عن الأسرى، لم يكن لديهم خطة بعد هروبهم، والواقع الأمني كان يهدد حياتهم. لماذا لجؤوا إلى الهرب؟ وعلى ماذا عوّلوا؟

بالنسبة للأسرى فهم مجبولون بالمغامرة، لا يخضعون خططهم للحسابات المنطقية، وإلا لن نشهد أية بطولات بالهرب وغيره. هذا ليس مشروعا له دراسة جدوى، وجل تفكيرهم كان بكسر قيود السجن والخروج بأي ثمن.

هذه ليست خطوة اليائس بفعل القهر داخل السجن، بل خيار المنسجمين مع فطرة الإنسان الذي يُعتقل ويرفض السجن، تحدّثه نفسه بالتحرر كل يوم. وهم يدركون أن الاحتلال يتفوق أمنيا وتقنيا، لكن عند توفر أسباب نجاح أي خطوة نحو حريتهم فإنهم يقبلون عليها.

هل ستحدث العملية تحولا في واقع الأسرى داخل السجون، وفي قضيتهم خارجها؟

نعم، لأن هروب الأسرى أعاد طرح أسئلة كبيرة حول قدرات الاحتلال على السيطرة داخل وخارج السجون. كما أنه أعاد الاعتبار لمسائل ظننا أنها صارت جزءا من الماضي، كالحلم بالحرية. وفهمنا أن القدرة ممكنة إذا توفرت الإرادة، وأن لا شيء مستحيلا.

الذي حدث في "نفق الحرية" معجزة إذا ما أخذنا بالاعتبار إمكانيات الاحتلال، أمام إمكانيات الأسرى المعدومة. ومن المتوقع أن تحاول إسرائيل استخدامه ذريعة لتصعيد هجمتها عليهم. وهي تاريخيا تذرّعت بالأمن لتبرير قمعهم. وقد استشعر الأسرى هذا المخطط، لذلك لوّحوا بالإضراب الجماعي عن الطعام لمواجهة محاولة الاحتلال فرض واقع قمعي جديد في أوساطهم.

نعرف أن محاولات إدارات السجون لن تتوقف، ونذكر أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق جلعاد أردان شكّل لجنة أمنية قبل أعوام قليلة وما زالت فاعلة، هدفها "تصعيب حياة الأسرى". لكن صلابة الحركة الأسيرة، والالتفاف الشعبي حول قضيتهم يظل عاملا حاسما في حمايتهم.

ما تقييمكم للتفاعل الشعبي الفلسطيني الذي رافق عملية الهروب؟ هل كان على مستوى الحدث؟

التفاعل الشعبي كان في تصاعد، ولو مضى الأسرى نحو الإضراب عن الطعام لوجدنا مساندة ومشاركة شعبية أوسع. إذ كل المؤشرات كانت تتحدث عن انفجار وشيك في كل فلسطين. وقد يكون هذا أحد أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت الاحتلال إلى التراجع عن عقوباته في زمن قياسي، لاستشعاره أن المعركة لن تظل حبيسة جدران السجون وسيكون لها تداعيات أمنية وسياسية كبيرة.

استطاع الأسرى، بهذه العملية، فرض قضيتهم بقوّة على أجندة السياسة الفلسطينية. ما المطلوب الآن لتحريرهم وعدم تركهم سنوات طويلة بالزنازين؟ وهل هناك إستراتيجية؟

إذا أُنزلت قضية الأسرى المنزلة التي تستحق، ووضعت على سلّم الأولويات لن يمكثوا سنوات أخرى في السجن. ومما تعلمناه من هذه العملية أن معاناة الأسرى يمكن استثمارها في عرض القضية الفلسطينية على العالم من بوابة أشخاص لهم وجوه وقصص وأحلام ومعاناة ويريدون العيش بحرّية. وهذا يساعد في تحريرهم، وفي تحريك القضية الفلسطينية أكثر من الحديث عن السياسة بلغة جافة.

رغم ذلك، لا يمكن القول إن لدى السياسة الفلسطينية إستراتيجية فعلية لتحريرهم، لأن العمل على تطبيق أي إستراتيجية بحاجة لقبول من كل القوى والفصائل، وهذا غير متوفر سياسيا، رغم أن قضية الأسرى ما زالت موحِّدة للفلسطينيين عامة، ويمكن استثمارها من أجل تعزيز الوحدة الداخلية دائما.

رأينا كيف شهد العام الأخير نزاعات سياسية على الكثير من الملفات الفلسطينية، لكن عندما حدث "هروب جلبوع" عاد الفلسطينيون وتوحّدوا خلف الأسرى في حراكات يومية بالضفة وغزة والداخل، وفي أدوات إعلامية تعمل بتناغم لدعمهم.

قضية الأسرى قادرة على توحيد الفلسطينيين، وهذا من أكبر الدروس التي ألقى بها هروب الأسرى الأخير بين شعبهم، إذ رغم أنهم ليسوا من فصيل واحد فإنهم استطاعوا، بالتوحد والإرادة، تحرير أنفسهم.

ربطت المقاومة في غزة إنجاز صفقة تبادل قادمة مع إسرائيل بالإفراج عن هؤلاء الأسرى المعاد اعتقالهم. إلى أي حد هذا ممكن قريبًا؟

المقاومة في غزة تعهدت علنا بالإفراج عنهم، وهي أكثر معرفة منا جميعا بقدرتها على تحقيق ذلك، وتعلم حساسية هذا الملف على المستوى الوطني والإنساني، ولولا أن لديها الثمن التي تستطيع دفعه لأجلهم، لما قدّمت هذا الوعد.

والظرف الآن ناضج جدا لإتمام عملية تبادل أسرى بتسليم المقاومة ما لديها من جنود إسرائيليين مأسورين في غزة منذ عام 2014، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين بسجون الاحتلال. لأن إتمام التبادل أصبح جزءا من عملية تغيير البيئة والمناخ السائد في المنطقة، وخاصة مع ربطها بالحصار المفروض على غزة وإعادة إعمارها وضخ أسباب الحياة فيها، والتي أيضا بسبب حصارها تهدد الأمن الإسرائيلي، حيث صار الاحتلال يدرك أنه لا يمكن توفير الأمن لمستوطنيه، وخاصة في المستوطنات المحيطة بغزة، دون أن تعيش غزة بسلام.

وأيضا بسبب موقف عائلات الجنود المأسورين في غزة الضاغط على حكومة إسرائيل باتجاه إعادة أبنائهم، وضعت قضية الأسرى في منتصف الطريق نحو الحل، وأصبحت عقبة فعلا، وصار إتمام صفقة تبادل مطلوبا للخروج من المأزق عند عدة أطراف.

ما هي العِبر التي استقاها الفلسطينيون من "عملية جلبوع"؟

أدرك الفلسطينيون، وخاصة الأجيال الجديدة منهم، أن لا شيء مستحيلا الآن. فإذا كان الأسرى الستة الذين تمكنوا بإرادتهم وأدوات بسيطة من تحرير أنفسهم، هم عينة من الشعب الفلسطيني، والمنظومة الأمنية في سجن جلبوع هم دولة إسرائيل، فإن انتصار الشعب الفلسطيني ممكن.

ورغم أن "إسرائيل" دولة نووية وتملك اقتصادا قويا، فإن هذا يمكن هزيمته بتخطيط جيد وعزيمة قوية وتوحّد في الميدان.

"الجزيرة"

كلمات دلالية