خبر خيار الدولة الواحدة استراتيجية أم تكتيك؟ ..سامي حسن

الساعة 09:44 ص|04 ابريل 2009

ـ السفير 4/4/2009

يعود تبني خيار الدولة الديموقراطية الواحدة في فلسطين إلى ما قبل نكبة 1948 حيث كانت عصبة التحرر الوطني في فلسطين، من أوائل القوى التي دعت لتبنيه ( انظر، ثلاث وثائق تاريخية ـ عصبة التحرر الوطني في فلسطين ما بين 1945ـ1948/ العقدة الفلسطينية والطريق إلى حلها، مذكرة العصبة الى رئيس حكومة بريطانيا 1945، إصدار مركز فؤاد نصار).

في عام 1968 دعت حركة فتح إلى تبني فكرة الدولة الديموقراطية الواحدة، وفي عام 1971 تبنى المجلس الوطني هذه الدعوة. وفي عام 1972 تأسست داخل فلسطين المحتلة عام 1948 حركة أبناء البلد، وتبنت وما زالت حتى اليوم، بوضوح تام، خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية. وقد شكل تبني المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 للبرنامج المرحلي (إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره) الإعلان شبه الرسمي عن تخلي منظمة التحرير عن خيار الدولة الواحدة لمصلحة حل الدولتين الذي سيُتبنى رسمياً عام 1988 في دورة المجلس الوطني التاسع عشر في الجزائر، من خلال ما سمي «إعلان الاستقلال» أي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلت عام 1967؟ وقد جاء مؤتمر مدريد ومن ثم توقيع اتفاق أوسلو ومن بعده انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني 1996 وإلغاء بنود الميثاق الوطني المعادية لإسرائيل، ليؤكد على تمسك منظمة التحرير بحل الدولتين. إلا أن فشل المفاوضات في كامب ديفيد 2000 دفع بهذا الخيار إلى نفق مظلم لا نهاية له. اليوم، وبكل ثقة، يمكن القول إن إسرائيل، بفعل إجراءاتها العملية على الأرض (استمرار الاحتلال، الاستيطان، مصادرة الأراضي، إقامة جدار الفصل العنصري، احتلال الضفة الغربية مباشرة، وفصلها عن قطاع غزة المحتل بشكل غير مباشر، ...الخ) قد أطلقت رصاصة الرحمة على حل الدولتين، ودقت آخر إسفين في نعش هذا الحل. ونتيجة لذلك عادت لتطفو على السطح، الدعوة إلى تبني خيار الدولة الواحدة، لا سيما من المثقفين الفلسطينيين. إلا أن دوافع الداعين لتبني هذا الخيار متباينة. فهناك من يدعو إلى تبنيه خيارا إستراتيجيا لحل الصراع مع المشروع الصهيوني، وهناك من يدعو لهذا الخيار من باب ممارسة الضغوط على إسرائيل كي تقبل بحل الدولتين؟

ينطلق أصحاب الدعوة إلى التبني الاستراتيجي لخيار الدولة الواحدة من قراءتهم لطبيعة المشروع الصهيوني وطبيعة الصراع معه، ويبرزون الأبعاد الأخلاقية والقانونية والسياسية لهذا الصراع. ويعتبرون أن حل الدولة الواحدة هو الوحيد الذي يعطي الفلسطينيين حقوقهم. ويعتبرون أن التغيرات التي حصلت على الأرض منذ نكبة 1948 وقيام الدولة الصهيونية حتى الآن، والنتائج التي ترتبت على ذلك، إنما تؤكد على أن حل الدولة الواحدة، هو الحل الأكثر واقعية. بالتالي لم يكن فشل خيار الدولتين بالنسبة لهؤلاء هو الدافع لتبني خيار الدولة الواحدة، بل جاء هذا الفشل كعامل يضاف إلى مبررات الدعوة لتبني خيار الدولة الواحدة. فالموقف من حل الدولتين واضح قبل فشل هذا الحل، وفي ذلك يقول الأستاذ عمر البرغوثي «فإن حل دولتين لشعبين لم يكن يوماً حلاً منطقياً من الناحية العملية، عدا عن كونه غير أخلاقي في جوهره. ففي أفضل أحواله يمكنه تحقيق معظم الحقوق المشروعة لأقل من ثلث الشعب الفلسطيني على أقل من خمس أرض فلسطين التاريخية»(1)

أما «التكتيكيون»، فإنهم بالرغم انتقاداتهم لاتفاق أوسلو، واعترافهم بالصعوبات العملية التي خلقها الاحتلال في الواقع (الجدار، المستوطنات، الحواجز، المعازل...) والتي تعقد برأيهم حل الدولتين بل ربما تجعله مستحيلاً، وبالرغم من قناعتهم بأن الدولة المستقلة العتيدة التي يمكن أن تعطى للفلسطينيين ما هي إلا «بقايا» دولة، إلا أنهم يصرون على التمسك بهذا الخيار؟ الأمر الذي يبدو جلياً بدعوتهم لتبني خيار الدولة الواحدة كما أشرنا كعامل ضغط على إسرائيل يجبرها على القبول الفعلي بحل الدولتين؟ وفي ذلك يقول الأستاذ علي الجرباوي «واضح تماماً أن جذر المأزق السياسي الفلسطيني الراهن يعود إلى اتضاح عدم إمكان التوصل مع إسرائيل إلى تسوية على أساس حل الدولتين... علينا أن نعلن لإسرائيل والعالم أن تعذر حل الدولتين لن يقود تلقائياً إلى استمرار المفاوضات واقتراح المبادرات. بل إن هذا التعذر سيقود، انسيابيا سريعا، إلى إغلاق الباب نهائياً على حل الدولتين واستبداله بحل الدولة الواحدة، احتلالية كانت، أم ثنائية القومية، أم لكل مواطنيها. وعلى إسرائيل، لا علينا، يقع الخيار: فإما أن تقبل بالدولتين، لكن ليس على أساس «البقايا» وإما أن تعرض بنفسها أساس وجودها للخطر»(2)

الحقيقة أنه شيء يدعو للاستغراب، أن يقع أستاذ مثل علي الجرباوي في مثل هذا التناقض الواضح في مقطع مكون من بضعة أسطر، فيعلن في بداية المقطع عن عدم إمكانية التوصل مع إسرائيل إلى حل الدولتين، وفي نهايته يراهن على هذه الإمكانية من خلال التلويح لإسرائيل بحل الدولة الواحدة؟ إن هذا المنطق يتقاطع مع تلك التهديدات بتبني خيار الدولة الواحدة التي يطلقها بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية (أحمد قريع مثلاً)، من أجل الضغط على إسرائيل كي تقبل بحل الدولتين؟ والفارق بينهما، أن السلطة الفلسطينية، سلطة الحكم الذاتي، ربما تقبل بدولة «البقايا» التي يرفضها الأستاذ الجرباوي، ويصر على المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بحدود الـ67 ، وإيجاد حل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.

مما لا شك فيه، أن معظم الإسرائيليين، باستثناء عدد محدود من النخب، يرفضون حل الدولة الواحدة، ولا يخفون مخاوفهم من هذا الحل، ويعلنون صراحة أنه يعني نهاية دولتهم وحلمهم الصهيوني. وقد عبر عن ذلك أخيراً، الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بقوله: «ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فليس من الممكن للشعب اليهودي أن يقبل ترتيباً يعني نهاية وجود الدولة اليهودية» (3) ولأن الأمر كذلك، ولأن حل الدولة الواحدة، هو الوحيد الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، فإن على من يرفض هذا الحل ويصر على تبني حل الدولتين، أن يكف عن اللف والدوران، ويعلن صراحة أن حل الدولتين، إن تم، ولن يتم، فإنما سيكون على حساب حقوق أساسية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في العودة.