خبر لماذا كَثُر التائهون منهم؟! .. سري سمور

الساعة 06:40 م|03 ابريل 2009

لا يكاد يمضي أسبوع دون أن يرد نفس الخبر المكرر مع اختلاف المنطقة؛خبر مفاده أن قوات الأمن الفلسطينية «أعادت مستوطنا أو جنديا أو مجندة إسرائيلية ضل أو تاه أو دخل خطأ إلى مناطق السلطة» وكانت الحادثة الأخيرة غرب نابلس قبل أيام ،وسبقتها أخبار مشابهة في رام الله و طولكرم وأريحا وجنين ،ومن الملاحظ أن هذه الأخبار يجري التعامل معها بشكل روتيني ،وكأن من الطبيعي ومن المألوف أن «يضل» مستوطن أو جندي ويدخل إحدى مدن أو قرى الضفة الغربية!

 

فكرة «التيه» لا تبدو منطقية خاصة أننا نتحدث عن أفراد من جيش الاحتلال وعن مستوطنين مدربين ومعهم تعليمات أمنية صارمة،ثم إن شكل ومظهر أي مدينة عربية من بداية تخومها يظهر بأنها عربية فلسطينية،بل حتى لو جاء سائح من أوروبا أو أمريكا أو الصين لاستطاع من الوهلة الأولى أن يميز بين المناطق الفلسطينية من مدن وقرى في الضفة الغربية وبين المدن والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 أو المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية،ناهيك عن انتشار اللوحات الإرشادية باللغات الثلاث (العربية والعبرية والإنجليزية) على مفترقات الشوارع وامتداد الطرقات ومداخل التجمعات الاستيطانية والمناطق الفلسطينية،ولو صحت قصة «التيه» في حالة أو اثنتين ،فليس من العقل والحكمة تصديقها في كل حالة،وهل أصبح جنودهم ومستوطنوهم من «التائهين» وممن «ضلوا طريقهم» فقط منذ سنة ونصف ،وقبلها كانوا عكس ذلك؟! إن في الأمر ما يدفع للتوجس والتساؤل والريبة.

 

طبعا لن أطرح فكرة تبادل أسرى بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ،فهذا أمر خيالي،فالسلطة تتحجج بالتزامات واتفاقات مع الاحتلال،وهناك جنرالات أمريكيون يشرفون على أجهزة السلطة الأمنية،رغم أن الاحتلال  لا يلتزم من ناحيته ،بأي اتفاقيات ولا يحترم أي تعهدات،وترى السلطة أن السماح للمواطنين الفلسطينيين بأسر أو قتل من يدخل إلى مناطق الضفة الغربية المأهولة سيجر على المنطقة المعنية وعلى السلطة ويلات عظام لا تحتمل،ولست هنا بصدد مناقشة هذه الحجج،ولكن مما لا شك فيه أن الحالة النفسية لدى أهالي الضفة الغربية قد تغيرت وتبدلت،بسبب تراكمات واحباطات ومؤامرات ،جعلتهم أقل حماسة للإمساك بزمام المبادرة،ولو أن الحالة النفسية لديهم مختلفة عما هي عليه اليوم،لما تمكنت كل قوات الأمن الفلسطينية من منعهم،حتى لو تجمعت كلها بقضها وقضيضها فلن تحول بين جمهور غاضب،أو شبان ثائرين وجندي قاتل أو مستوطن أقل ما يوصف به بأنه لص يقيم في أرض ليست أرضه ويستولي على ماء وحتى هواء لا حق له فيه،ولكن حالة من اللامبالاة والسلبية تسود الضفة الغربية ،وسببها مجموعة من العوامل لا مجال لسردها الآن،ولا ننسى في سياق المقارنة بين الحالة النفسية اليوم وقبل سنوات حادث مقتل جنديين من قوات الاحتياط احتجزا في مقر الأمن الفلسطيني في رام الله ،وذلك في تشرين أول (أكتوبر) عام 2000 أي في بواكير انتفاضة الأقصى،ورغم ما كان للسلطة من قوة وجبروت وعناصر لم تستطع منع الثائرين من قتل الجنديين وإلقائهما من النوافذ!

 

أما تكرار هذه الحوادث فله تفسيرات عدة،وأشدد على ضرورة استبعاد فكرة «التيه» عند النظر إلى هذه الحوادث ،ومن هذه التفسيرات:-

 

1)  إجراء اختبار عملي لقوات الأمن الفلسطينية،وهل يوجد فيها عناصر متمردة على النهج السائد،أو على الأقل لا تهتم بالأمر،أي «مقصرة» بمفهوم الاحتلال والمشرفين الأمريكان؟

 

2)   قياس الحالة النضالية والنفسية للسكان في كل منطقة وكيفية تعاطي الجمهور مع الحدث ،وهل ما زال هناك أناس لديهم حماسة وجرأة وكم عددهم؟وما توجهاتهم؟ومن يشجعهم؟وهل معهم أسلحة نارية أم لا؟وهل هناك رضا شعبي عن إجراءات السلطة في التعامل مع هذا الأمر أم لا؟

 

3)  قلت في مقال سابق بأن الاحتلال يسعى لتكرار تجربة جزّار الحرم الإبراهيمي «باروخ غولدشتاين» في الضفة الغربية،وربما هذه المرة بشكل متزامن أي في أكثر من منطقة بنفس التوقيت ،وهؤلاء يدخلون كاستطلاع ميداني أو استخباري مباشر.

 

4)  رغم حركة الاستيطان المكثفة في الضفة الغربية،إلا أن كثيرا من المستوطنين المقيمين داخل الخط الأخضر أو ممن هاجروا إلى هنا حديثا ما زالوا يعيشون حالة من الخوف والريبة تجاه الإقامة على أراضي الضفة الغربية ،وهذه الحوادث المتكررة المغطاة إعلاميا تعطي هؤلاء تشجيعا بأن«تعالوا واستوطنوا في مناطق الضفة فأنتم في أمان حتى لو كنتم في شوارع جنين ونابلس وطولكرم...لا داعي لخوفكم ولا مبرر لترددكم»!!

 

قد يُطرح سؤال:معروف حرص الاحتلال على أرواح وحياة الجنود والمستوطنين فكيف يعرضهم لخطر في سبيل هذه الاختبارات والاستطلاعات الميدانية؟صحيح،ولكن حين يدخل جنود بلباس عربي للقيام بعملية خطف أو اغتيال في أي منطقة فإنك تلحظ سرعة حضور قوات الجيش بالجيبات مع تغطية بالمروحيات لمساعدتهم بعد أو فور انتهاء مهمتهم ،ومن «يتيهون» لا شك بأن بحوزتهم أجهزة تجعلهم تحت الرقابة الشديدة وفور شعور الاحتلال بأن هؤلاء في خطر فسوف يأتي لتخليصهم في لحظات ،ثم إن قادة الاحتلال يدركون أنه لا بد من وجود «ضحايا» في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى،وليس ثمة هدف أكبر من إغراق الضفة بالمستوطنين ،وقتل المواطنين ،عندما يحين الوقت المخطط له،بكل سهولة وبلا مقاومة،ومراقبة حملة السلاح من أجهزة الأمن الفلسطينية.

 

برغم كل شيء فإن الوضع في الضفة الغربية حاليا هو شاذ ومؤقت وعابر،وما هي إلا فترة زمنية ،لن تطول على الأرجح،حتى تعود الضفة كما كانت ؛عامل رعب وخوف وفزع لجيش الاحتلال ومستوطنيه،ممن يزعمون«التيه» وممن يأتون للقتل والخطف علنا!