خبر قنبلة موقوتة /هآرتس

الساعة 08:28 ص|03 ابريل 2009

بقلم: عكيفا الدار

        (المضمون: في المكان الاكثر حساسية في الحوض المقدس في القدس تتعاظم اعمال الاستيطان والتطوير من الجمعيات اليمينية التي تتحدث علنا عن تهويد المدينة وتجد التأييد والدعم العلني والخفي من السلطات المحلية والسياسية على أنواعها – المصدر).

جواد صيام امتشق نشرة صادرة عن بلدية القدس تتحدث عن أشغال تطوير في قرية سكنه، سلوان، شرقي القدس. واشار الى الخريطة في النشرة: "أترى شارع "طريق شيلوح"؟" سأل. "كان هذا على مدى السنين شارع عين سلوان.  شارع معلوت عير دافيد؟ كان هذا شارع وادي حلوة. الشارع الذي الى جانبه، ملكيه تسيدق، كان هذا المستر".

من غرفتين صغيرتين، على مسافة غير بعيدة من أسوار البلدة القديمة، يدير صيام، مع رفاقه في لجنة حي عين الحلوة في سلوان ومع حفنة اصدقاء يهود، معركة أخيرة في احدى الساحات الاكثر تفجرا في العالم. من ناحيته، تهويد "الشوارع" مثله ايضا الاستيطان اليهودي في المكان بتشجيع من جمعيات اليمين، ونية البلدية هدم عشرات المباني في الحي، هي فقط المقدمة لخطة الترحيل. الهدف الحقيقي برأيه هو الطرد الزاحف لـ 500 من سكان عين حلوة، كجزء من تخفيف عدد التواجد الفلسيطني في المنطقة.

سلوان، التي تسميها السلطات الاسرائيلية مدينة داود او قرية شيلوح، توجد في قلب "الحوض المقدس" حول البلدة القديمة – المنطقة التي هي بركان متلظي يهدد بهز الشرق الاوسط. هنا يتداخل الواحد بالاخر صراعات يهودية – فلسطينية على المنازل، على الدين وعلى الثقافة: جمعيات يمينية تسيطر على بيت آخر وموقع آخر، احيانا بالتعاون مع البلدية؛ وسطاء عنها يغرون فلسطينيين ببيع بيوتهم؛ التماس الى محكمة العدل العليا يلحق بدعوى تشهير؛ وعلماء آثار يتجادلون بينهم حول دور الجمعيات في مواقع الاثار في المنطقة.

التاريخ يدل على انه لا يوجد منتصر في مثل هذه الصراعات في مدن مقدسة – مختلطة – متنازعة. احيانا يسفك فيها دم. حسب صيغة كلينتون، التي عرضت في المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية في 2000 يفترض بسلوان ان تكون جزءا من العاصمة الفلسطينية المستقبلية. يبدو أن "اسرلة" القرية لن تساعد في الوصول الى حل في القدس وعليه فان الاسرة الدولية تتابع بقلق المحاولة المتواصلة لخرق التوازن الحساس في الحوض المقدس. دبلوماسيون كثيرون يتجولون هناك ويبعثون بالتقارير المفصلة الى عواصمهم.

على مدى السنين جرى الحفاظ على هذا التوازن، بفضل رئيس بلدية معتدل (تيدي كوليك) وحكومات حذرة (كحكومة اسحق رابين). في ايلول 1996 ولد التزاوج بين رئيس وزراء يميني، بنيامين نتنياهو، ورئيس بلدية، في حينه من ذات المعسكر، ايهود اولمرت، فتح نفق المبكى. الحدث "الاحتفالي" انتهى باضطرابات دموية في المناطق قتل فيها 16 جنديا اسرائيليا واكثر من 60 فلسطينيا.

التزاوج بين رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو، رئيس البلدية الجديد نسبيا نير بركات ووزارات حكومية تركت لحالها في يد احزاب اليمين (البنى التحتية، الاسكان والبناء والداخلية) كفيل بان يبشر بارتفاع مستوى التوتر، في القدس بشكل عام والحوض المقدس بشكل خاص. في العام الماضي، عشية الانتخابات المحلية، انطلق بركات في جولة مغطاة اعلاميا في الاحياء الفلسطينية في المدينة، بمرافقة نشطاء من الجمعيات اليمينية، بينهم مؤسس جمعية "العاد" دافيد باري. كرئيس بلدية، احدى الخطوات الاولى التي قام بها كانت استئناف اجراءات البناء لـ 230 شقة لليهود في ابو ديس ("كدمات تسيون")، ونشر اوامر هدم لعشرات المنازل التي بنيت بشكل غير قانوني في سلوان، يسكن فيها مئات السكان.

في هذه الاثناء، في ظل الضغط الامريكي، جمدت البلدية الخطة لهدم المباني في المنطقة التي تسميها "حديقة الملك". ليس صعبا التخمين أي جلبة كانت ستندلع مع هدم عشرات المنازل متعددة الطوابق واخلاء مئات الاشخاص الى الشارع.

"حسب نهج رئيس البلدية، فانه لا صلة بين الحفاظ على القانون وفرضه وبين مسألة الهوية الوطنية لسكان المدينة"، كما جاء من بلدية القدس. "في نيته مواصلة الحفاظ على القانون في غربي وشرقي المدينة دون تحيز. سياسة فرض القانون في نطاق حديقة الملك تدرس من المحاكم التي لم تجد فيها أي علة". حتى اغلاق العدد لم ترد البلدية على اسئلة بشأن سياسة الاستيطان اليهودي في الاحياء الفلسطينية.

"النوافذ العليا"

يبدو ان ماتي دان، رئيس "عطيرت كوهانيم"، احدى الجمعيات المركزية العاملة على تهويد الحوض المقدس، تؤكد مخاوف جواد. في تقرير نشر في موقع الانترنت للقناة 7 اقتبس كمن يقول ان "الرب تعالى اسمه وعدنا بالقدس. لجيلنا توجد مسؤولية لتحقيق نصر حرب الايام الستة وتثبيت الاستيطان في القدس".

في التقرير يجري الحديث عن 43 نطاقا "انقذه" دان ورفاقه من ايدي الفلسطينيين في الحي الاسلامي وفي الحي المسيحي في البلدة القديمة. قبل نحو عقد من الزمان بدأت الجمعية توسع نشاطها الى خارج البلدة القديمة، في ظل السيطرة على أملاك الغائبين – منازل واراض كانت تعود لليهود حتى 1948. هكذا استوطن اليهود سلوان، جبل الزيتون (بيت اوروت)، الشيخ جراح (شمعون الصديق)، راس العامود (معليه زيتيم)، ابو ديس والثوري. حسب معطيات جمعية "عير عميم"، التي تعمل من اجل التعايش في القدس، يسكن اليوم في الحوض المقدس وفي البلدة القديمة، فضلا عن الحي اليهودي، نحو 2.500 اسرائيلي، منهم نحو 400 في سلوان – مدينة داود وعدد مشابه في راس العامود.

"نرى هنا يد الرب بشكل واضح... في سياقات السنين"، يتباهى دان. "السعوديون والاوروبيون يستثمرون الملايين في شرقي القدس لوقفنا، ونحن نقف امامهم وحدنا". ولكن من شبه المؤكد ان ليست يد الرب فقط تساعد "عطيرت كوهانيم". في ذات التقرير جاء انه في الجمعية يقولون انه "على القدس يوجد اجماع... حتى في النوافذ الاعلى، وان كان خفيا بعض الشي. نحن نتلقى اسنادا لا ينشر في الصحف. كما أن اولئك الذين يتحدثون في وسائل الاعلام بشكل مغاير، يفتحون لنا الابواب عندما يدور الحديث عن بناء القدس".

وها هو مثال على باب فتحته "النوافذ العليا" اياها – هذه المرة لخروج فلسطينيين من الحوض المقدس. في 2004 أمر لاول مرة مهندس بلدية القدس اوري شطريت، بهدم المنازل غير القانونية في سلوان وبرر ذلك باسباب لا ترتبط على الاطلاق بالتخطيط المديني. "بداية القدس هي في تل مدينة داود. لهذه البقايا توجد قيمة دولية وقومية كبيرة وهي تمنح المدينة مكانتها كاحدى الدول الهامة في العالم"، قال مفعما بالشاعرية. "سهل الملك... يشكل الى جانب تل مدينة داود وحدة اثرية كاملة". تجربة السنين الاخيرة تدل على انه في الاماكن التي تركها الفلسطينيون اكراها او طواعية، يستوطن يهود.

تصريحات تعرض الفلسطينيين كمخالفي بناء اكراهيين تثير حفيظة المحامي داني زايدمان من "عير عميم" . في الفتوى التي حررها مؤخرا شرح بان قوانين التخطيط والبناء اصبحت الاداة الرئيسة لتقليص مساحة العيش الفلسطيني في شرقي القدس: منذ 1967 صادرت اسرائيل 35 في المائة من اراضي شرقي المدينة كي تبني عليها 50 الف شقة لليهود. في ذات الوقت لم يبنَ أي حي للفلسطينيين، رغم ان عددهم في شرقي المدينة تضاعف أربع مرات. كل تلك السنين بنيت في الاحياء الفلسطينية القائمة 600 شقة فقط بدعم حكومي، مع انه حسب وتيرة النمو الطبيعية الفلسطينية في المدينة فانهم يحتاجون الى 1.500 شقة جديدة كل سنة.

حسب زايدمان، لا يمكن البناء على معظم الاراضي المتبقية في ايادي الفلسطينيين بسبب التأخيرات البيروقراطية التي تراكمها اسرائيل. الطاقة الكامنة للبناء داخل الاحياء الفلسطينية قد استنفدت تقريبا. والفلسطينيون الذين حظوا بالسكن في منطقة يوجد لها مخطط هيكلي مقر، يستنزفون بالعراقيل القضائية، الاقتصادية والبيروقراطية، لدرجة أنهم في النهاية تغريهم المخاطرة بالبناء دون ترخيص. شرقي القدس هو المكان الوحيد في اسرائيل الذي تعمل فيه وحدة من وزارة الداخلية – وليس من السلطة المحلية – لفرض قوانين البناء (على الفلسطينيين بالطبع). وهكذا، حتى  عندما تجمد البلدية هدم المنازل، فان الهدم يتواصل بأمر من وزارة الداخلية.

اليافطة استبدلت

الى جانب دق وتد في احياء سكنية في البلدة القديمة ومحيطها، بدات جمعيتان يمينيتان "العاد" و "عطيرت كوهانيم" تتسلم ادارة المواقع الاثرية المنتشرة هناك. وبهذه المهمة لا تستخدم الجمعيتان القوة العليا  - إذ يبدو ان السلطات العامة تتعاون معها.

الموقع الابرز هو الحديقة الوطنية "مدينة داود"، التي تقع جنوبي البلدة القديمة وفيها مكتشفات اثرية عديدة. يبدو أن التعاون بين السلطات وجمعية العاد – التي ترفع علنا لواء تهويد شرقي المدينة – واضح على نحو خاص في هذه الحالة. ويتباهى مؤخرا مؤسس جلعاد دافيد باري في مقابلة صحفية بقوله "اليوم 70 في المائة من التلة في مدينة داود بملكية يهودية، والفكرة هي شراء المنازل حتى في تلة جبل صهيون المجاورة، لخلق تواصل مع الحي اليهودي".

في 1998 أمرت وزارة جودة البيئة سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية بايداع ادارة الحديقة في يد العاد التي ادعت بانها اشترت معظم الاراضي في المكان. وذلك على الرغم من احتجاج سلطة الاثار التي لم يعجبها تسليم موقع أثري حساس لادارة جمعية رؤساؤها معروفون بهوية سياسية معينة. حتى اليوم ليس واضحا لماذا قررت الوزارة ذلك. الوزيرة في حينه، داليا ايتسيك، تقول انها لا تذكر القضية. سلطة الطبيعة والحدائق افادت بانها درجت على نقل المواقع التي توجد على اراض خاصة لادارة اصحابها. ولكن كتب العام الماضي وزير البناء والاسكان في حينه زئيف بويم بان معظم منطقة الحديقة التي سلم للجمعية، ليست بملكيتها على الاطلاق، بل تعود للدولة وللصندوق القومي لاسرائيل.

في بداية 2000 اعيدت الحديقة الوطنية لمسؤولية سلطة الطبيعة والحدائق. قبل اشهر من ذلك قضت محكمة العدل العليا بان الاذن الذي صدر عن مديرية اراضي اسرائيل لجمعية العاد لادارة الحديقة جرى بغير وجه قانوني وسيلغى (مديرية اراضي اسرائيل لم تعقب على الاسئلة في هذا الموضوع). مع ان السلطة وقعت على عقد مع المديرية التي نقلت الى حوزتها الحصرية اراضي الدولة في الحديقة، الا انها في 2002 عادت ونقلت معظم الاملاك التي فيها الى ادارة العاد. السلطة لم ترد على طلب بالحصول على رد فعل حول الموضوع. اما العاد فافادت بان ادارة الحديقة يتم حسب القانون.

عن العلاقات بين العاد والسلطة يمكن التعرف من خلال ان مدير لواء القدس في السلطة، أفيتار كوهين كان قبل ذلك مدير مركز الزوار في الحديقة بتكليف من العاد (الناطقة بلسان السلطة: هو مر بفترة تبريد). رموز الهيئتين ظهروا أيضا في وقت غير بعيد على يافطة تعلن عن بناء مركز معلومات جديد في جبل الزيتون، خارج نطاق الحديقة الوطنية. في اعقاب توجه من "السلام الان" ازيل رمز السلطة. حتى اغلاق العدد، لم تعقب الهيئتان على سؤال في هذا الموضوع.

علماء آثار يعارضون نشاط الجمعية رووا بانه في الجولات التي يجريها مرشدوها في الحديقة، بما في ذلك للكثيرين من جنود الجيش الاسرائيلي، يشددون على التاريخ اليهودي للمكان ويتجاهلون تقريبا تواجد الفلسطينيين هناك. رئيس سلطة الاثار، البروفيسور بنيامين كيدار، كتب مؤخرا بان العاد هي "منظمة ذات اجندة ايديولوجية معلنة تعرض تاريخ مدين داود بشكل مضلل". وافادت الجمعية معقبة بانها تحرص على أن يكون المضمون الذي ينقله مرشدوها يمثل على نحو مخص المفاهيم العلمية المختلفة واولئك الذين يعربون بينهم عن مواقف سياسية يعاملون بتشدد.

حسب التماس رفعته مؤخرا "السلام الان" الى محكمة العدل العليا عن الحفريات في منطقة الحديقة المسماة "موقف جفعاتي للسيارات" العاد تخطط لاقامة مركز تجاري وقاعة افراح. في اعقاب الالتماس جمدت المحكمة الاعمال في المكان، باستثناء الاعمال الثرية. المستشار القانوني لبلدية القدس، يوسي حفيليو، طلب هذا الاسبوع الفحص اذا ما وكيف تدحرجت هذه المنطقة، التي كانت مستأجرة من البلدية حتى 2006، الى ملكية الجمعية. اما العاد فافادت معقبة بان "موقف جفعاتي للسيارات هو منطقة خاصة "الحقوق فيه مسجلة في سجل الاراضي"، ولكنها لم تعرض توثيقا لملكيتها عليها.

رسالة مفتوحة

في الغرفة الصغيرة في نادي الحي جلس هذا الاسبوع جواد وبعض من علماء الاثار الاسرائيليين، الذين يقترحون على السياح جولات تتضمن لقاءات بالواقع المشوه في القدس. وقد صاغوا رسالة مفتوحة لقاضية المحكمة العليا مريم ناؤور، التي رفضت طلبهم استصدار أمر احترازي ضد استمرار "اعمال التطوير" في الحي، والتي برأيهم ترمي الى تحسين حياة المستوطنين اليهود. القاضية قررت بانه لما كانت الاعمال لم تبدأ بعد، فليس آمنا وقفها.

كتبوا لها يقولون: "تخيلي كيف كنتِ ستشعرين لو ذات يوم سقطِ تحت تعسف مجموعة من السكان الجدد، مكانتهم المدنية اعلى منكِ ومن ابناء عائلتك، وخلفهم تقف محافل اقتصادية ثقيلة، الى جانب السلطات البلدية وفي مدخل بيتهم يقف ليل نهار رجال شركة حراسة يتجولون في الشوارع مسلحين يهددون ابنائك".