خبر الحكم الذي عاد / معاريف

الساعة 08:28 ص|03 ابريل 2009

بقلم: بن كاسبيت

        (المضمون: نتنياهو يرى امامه امرين اثنين فقط ايران والازمة الاقتصادية اما ما عدا ذلك فهو كلام فارغ - المصدر).

        من الواضح لي، قال بنيامين نتنياهو، ان علي ان افعل شيئا ما. انا افهم الوضع. انا اعرف انه سيكون من الصعب علي ان اناور في مواجهة امريكا واوروبا وكل العالم من دون عملية سياسية عميقة. وانا ادرك هذه المشكلة جيدا. انني لا ارغب في تغيير الوضع، واريد ان ادخل التاريخ. انا اعرف انني لن احصل على فرصة اخرى. بهذه الطريقة ولكن ليس بهذه الكلمات، تحدث نتنياهو قبل تشكيل حكومته بايام، مع سياسي مقرب منه في محادثة ليلية. ما الذي ينوي المراهنة عليه؟ كيف ينوي تغيير الوضع؟ هل يعرف ان ما لن يفعله في الاشهر الاولى لن يفعله في اية مرة من المرات؟ هل استخلص العبرة من فشله الاول؟ وهل تحسن اداءه؟ لشدة الاسف الرد على هذه الاسئلة سلبي وفقا لمعطيات الوضع الحالي.

        نتنياهو يرى امرين اثنين امامه فقط: ايران والوضع الاقتصادي في اسرائيل. من الممكن التحدث معه حول كل شيء وفي اخر المطاف سيصل من هناك الى طهران. الخطر الايراني بالنسبة لنتنياهو هو خلاصة كل شيء هو جوهر المسألة. هو يأخذه معه عندما يذهب للنوم ليلا وينهض معه في الصباح. معالجة اسرائيل لهذه المسألة في العقد الاخير تعتبر في نظره فشلا مطبقا ومدويا، واكبر من فشل يوم الغفران. أحد اتباعه المقربين قال انه كان من الواجب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لو ان الامر جرى في دولة طبيعية، من اجل التحقق من الفشل الاسرائيلي المتواصل في هذه الحكاية.

        في لقاء عمله الاول مع رئيس هيئة الاركان، سيسمع نتنياهو عن شح الخيار العسكري الاسرائيلي في مواجهة ايران. هذا الخيار لن يغير رأيه، فهو عازم على بلورة خيار كهذا. ويريده ان يكون موضوعا امامه على الطاولة. الاراء متباينة حول القدرة الاسرائيلية لالحاق ضرر حقيقي في المشروع النووي الايراني، في الاوساط الامنية الاسرائيلية. هناك من يعتقدون انها لا تمتلك هذه القدرة بينما يعارضهم الاخرون. نتنياهو ينتمي للمجموعة الثانية. من الناحية الاخرى الثمن واضح. عدا عن المترتبات والاثار الاقليمية والعالمية، ستطلق ايران كل ما لديها نحو اسرائيل. الامر هنا لا يدور حول الصواريخ ولا لسكاد ايضا. وابل من صواريخ شهاب ذات الرؤوس القتالية التي يبلغ وزن كل واحد منها طنا، سيسقط على تل ابيب وبناتها. يكفي ان تتمكن عشرة منها من اختراق الدفاعات الاسرائيلية حتى نحصي الاف القتلى، فهل توجد لدى اسرائيل قدرة على تحمل مثل هذا القدر من الخسائر؟ والسؤال هو من اجل ماذا. ان استؤنف المشروع النووي الايراني بقوة اكبر بعد هذا الهجوم وبعد ان يزول غبار المعركة فالجواب هو لا. اما ان تم تأخير القنبلة الايرانية لخمس او عشر سنوات فربما يكون الجواب نعم.

        لايران ثلاثة قواعد اساسية من حولنا: سوريا، لبنان (حزب الله) وغزة (حماس). هؤلاء ايضا سينضمون للمهرجان، ان بدأت المعركة. ونحن نستطيع ان نتحمل صواريخ نصر الله والجعبري بسهولة نسبية. ققد اعتدنا عليها. اما صواريخ سكاد السورية فسيكون ابتلاعها اشد صعوبة. الحرب مع ايران وسوريا في المقابل كبيرة علينا الان بعض الشيء. نتنياهو يعرف انه سيضطر لاخراج سورية من هذه المعادلة ان كان يرغب في النجاح فعلا. من هنا نتوقع جولة مباحثات سرية بين دمشق والقدس. مثلما حدث في المرة السابقة. في السابق كان الوسيط رونالد لاودر اما اليوم فمن يعرف.

        بيبي لا يفتقد للوسطاء. كان من الممكن رؤية بعضهم بمراسيم اداء يمين القسم في هذا الاسبوع. شيلدون ادلسون مثلا . هو اسس صحيفة من اجل نتنياهو فماذا تعتبر الزيارة القصيرة لدمشق بالنسبة له. الصفقة المحتملة القادمة التي ستطرح على الطاولة امام الاسد ونتنياهو قد تكون اقامة كازينو ضخم فوق هضبة الجولان. ادلسون هو الممول.

        بالمناسبة، لا تصدقوا الروايات المخففة التي تسهل الامر. نتنياهو قد اقترح على الاسد الاب كل الجولان. كاملا غير منقوص. لا الخط الجبلي ولا حذاء. اما التفاصيل فسيكون من الممكن قراءتها عما قريب في سيرة اسحاق موردخاي التي ستصدر من قبل يديعوت. كيف اكتشف موردخاي ذلك عندما قرأ معلومات استخبارية سرية وكيف رفع سماعة الهاتف على عجل باريئيل شارون وجنده هو الاخر لمهمة التصدي، وكيف هدد نتنياهو مطالبا اياه بالتراجع عن ذلك في محادثة هاتفية غاضبة في صبيحة احد الايام. "انظر في عيوني يا بيبي" قال له موردخاي في اللقاء التلفزيوني الذي جرى بينهما في 1999 وقصد كل كلمة قالها. ليس هناك سبب بان لا تتكرر هذه الحكاية. مكالمة هاتفية ستجري في هذه المرة ولكنها ستكون بين ليبرمان ونتنياهو. السؤال هو ان كان بيبي سيتنازل في هذه المرة. هو يعرف انه لن تكون هناك مرة اخرى ويعرف الى اي مدى من المهم اخراج سوريا من محور الشرق. ويدرك ان الجولان قرض بعيد المدى. ما ينقصه هو تحديد جدول الدفعات للسداد. هو سيحاول المساومة والتحدث عن الاستئجار وعن "الانسحاب في الجولان" وليس "من الجولان"، وحول تسوية جزئية. الاسد لن يوافق على سماع ذلك. في مرحلة معينة سيضطر نتنياهو لاتخاذ القرار. حتى ان اعطاه ايهود باراك دعمه (الامر الغير مؤكد بالمرة لان باراك يدعم فقط من يخدم مصالحه الشخصية) ولن يكون ذلك كافيا. سيكون بحاجة الى تسيبي لفني.

        نتنياهو يبذل في المشكلة الايرانية كل تفكيره منذ عدة سنوات. هو يرسل الوسطاء المجهولين لدول مجهولة اكثر من ذلك. هو يقول في المحادثات المغلقة ان هناك في العالم العربي من يخافون من القنبلة النووية اكثر من اسرائيل. وان من الممكن اقامة تحالف سري معهم. نتنياهو يقول لمقربيه ان هناك اناس في العالم العربي يفرحون لفوزه. فهم يعرفون انه خلافا للاخرين يعرف كيف يعالج المعضلة الايرانية وانه خلافا للاخرين سيتمكن من كبحها. ولكنه يعرف في هذه الاثناء ان رام الله وغزة اكثر قربا. هذا هنا تماما على مسافة بصقة من ديوانه في القدس. نتنياهو سينفذ في الاسابيع القريبة "اعادة تقييم" للوضع السياسي الاسرائيلي قبالة الفلسطينيين. ومن المتوقع ان يبلور ويقترح خطة اقتصادية – سياسية كبيرة للمفاوضات والتعاون وعدا ذلك سلسلة تسويات بيننا وبينهم. هو قال ذلك لجورج ميتشل خلال محادثتهم الاخيرة هنا. ميتشل لم يسقط من مكانه بل على العكس. ميتشل قال نحن ايضا (وفقا لرواية اتباع نتنياهو) نعيد دراسة الوضع يحدونا الامل فقط ان تكون نتيجة اعادة دراسة الوضع في القدس وواشنطن متماثلة او على الاقل متشابهة. والا فان نتنياهو سيضطر الى اقناع ادارة براك اوباما قليلة الصبر للحصول على اعتماد بان نهجه هو الاصح. نأمل ان يقرأ كتب مارتن اندك ودينس روس قبل ان يخوض هذه المهمة.

        اوباما. فلتتحدث امامه بصوت ضعيف

        زوج وزيرة الخارجية الحالية الذي كان ذات مرة رئيسا للولايات المتحدة، سأل المحيطين به في ختام محادثة مع رئيس الوزراء نتيناهو في عام 1996. "يا للسماء، هذا الرجل مقتنع بانه هو الدولة العظمى وليس نحن". يجب ان نأمل بأن يكون نتنياهو قد درس الواقع وفهمه: امريكا هي الدولة العظمى وليس نحن. يتوجب التحدث بكلمات ضعيفة امام رئيس الولايات المتحدة وليس القاء المحاضرات بل يتوجب الاصغاء بين الحين والاخر.

        امريكا بوش ماتت، اوباما هو الرئيس الجديد وهناك خلافا للوضع هنا، لا يمكن لذلك ان يتغير. على نتنياهو ان يدرك ان انصاره المسيحيين اليمينيين والمحافظين الجدد الذين سيطروا على امريكا خلال السنوات الثمانية الاخيرة، لم يعودوا موجودين. هناك لحن جديد يعزف في واشنطن ومن الواجب الرقص على انغامه. على هذه الخلفية من المهم جدا ان نعرف من الذي سيكون سفيرا لاسرائيل في واشنطن. هناك ضغوط شديدة تمارس عليه من رونالد لاودر، الصديق الاخر الذي يمتلك الاموال لتعيين الدكتور دوري غولد. خطأ شديد طبعا، غولد على صلة بالمؤسسة الجمهورية وكل من ليس ذي صلة في واقع واشنطن اليوم. واكثر من ذلك: غولد هو يهودي – امريكي. ليس هناك امر اكثر اثارة للحساسية من هذه المسألة في منظومة العلاقات العصيبة في امريكا اليوم. قضية "الولاء المزدوج" عند اليهود الامريكيين والتي يقبع بسببها جونثان بولارد في سجنه للعقد الثالث على التوالي وما زال الحبل على الجرار.

        ليبرمان. لتحطم العظام

        احدى المسائل المركزية الضرورية لبقاء نتنياهو هي المدة الزمنية التي سيصمد فيها التحالف الجديد – القديم بينه وبين افيغدور ليبرمان. ايفيت استغل ولاته كوزير للخارجية هذا الاسبوع بالقدم اليسرى التي ترتدي حذاء ذو مسامير معدنية. لماذا كان عليه ان يهدد موظفي وزارة الخارجية في خطابه الافتتاحي؟ ولماذا كان عليه ان يشعل لنتنياهو الارض ("انابوليس" يمكنها ان تذهب للجحيم مع مبارك) ومن قبل ان يجلس على مقعده؟

        الخطأ الاشد فداحة وربما حتى الفتاك، كان ظهور ليبرمان الغريب في مراسيم تبديل الوزراء في وزارة الامن الداخلي. لم يسجل هنا منذ زمن مثل هذا العمل الاحمق. الان، من الذي يمكنه ان يقنع الناس ان يتسحاق اهرونوفيتش هو وزير مستقبل. ما الذي اراد ليبرمان ان يقوله لضباط الشرطة من خلال حضوره لهذه المناسبة؟ هل اراد ان يقول لههم ان الاخ الاكبر يراقبهم وانهم قيد التحقيق من الان؟ نتنياهو قام بعمل مشابه عندما عين يوفال شتاينتس في منصب وزير المالية ومن ثم قطع رأسه بعد خمس دقائق من خلال خطاب اداء يمين القسم في الكنيست حيث قال امام الجميع انا الذي ساقود الاستراتيجية الاقتصادية. ولكن في هذه الحالة ليست هناك حساسية متفشية مثلما هو الحال في قضية ليبرمان الخاضع للتحقيق البوليسي الشديد والذي سيفضي الى تقديم لائحة اتهام خلال مدة قصيرة وفقا للتسريبات. من فوق منصة الخطابات، الدكتور ايفيت هو ايفان الرهيب. اما في داخل الغرفة فهو شخص لطيف براغماتي وذكي وذو عقل. ايفيت يمقت ايهود باراك (رفض الجلوس بجانبه خلف طاولة الحكومة) ولا يحترم تسيبي لفني كثيرا اما استخفافه بنتنياهو فلا منافس له. ليبرمان استقال من منصب مدير عام ديوان نتنياهو في السابق عندما وصل الى استنتاج بأنه شخص لا يمكن العمل معه وانه لا يمتلك خصيتين وغير قادر على تحمل الضغوط. هذا حدث بعد ان قرر ليبرمان اعادة صلاحية اختيار قائمة الليكود للكنيست لاعضاء مركز الليكود. هو اعتقد انه من خلال هذه الطريقة سيحطم الوزراء واعضاء الكنيست الذين بدأوا يتمردون على بيبي وينكلون به. مركز الليكود كما يعرف ليبرمان يعود له ولبيبي واعضاء الكنيست سيدركون حينئذ من الذي سيبقى ان قوم خطه ومن الذي سيقال.

        هذه الخطوة واجهت معارضة شديدة. ليمور لفنات وقفت حينئذ وسألت اعضاء مركز الليكود ان كانت هي ورفاقها قد انتخبوا لتوزيع المناصب (اجل قالو جميعا)، ميخائيل ايتان شن هجمة فشعر كبار المسؤولين بالمرارة. التمرد اصبح اشد قوة ونتنياهو دخل في حالة ضغط. محادثة هاتفية مع مستشاره ارتور فينغلشتاين اقنعه بالتراجع. حينئذ استشاط ليبرمان غضبا واتهمه بالجبن ووضع امامه مفاتيح ديوانه وغادر. ايفيت راقب المفاوضات الائتلافية التي اجراها نتنياهو في هذه الفترة غير راض وقال ان هذا الشخص لم يتغير. ليبرمان متمركز حول اهدافه ويتعامل مع نتنياهو كعقبة هامشية فقط. ايفيت هو شخص غير متوقع. من جهة تجده جديا وقادر على مواجهة كل الضغوط، كلمته لا تتغير وغرائزه السياسية حيوانية. ممن جهة اخرى يصاب في بعض الاحيان بالغطرسة والمزاجية ويقع في الاخطاء. هذه فرصته للدخول نحو الاجماع الوطني والالتفاف على نتنياهو من اليسار مثلما فعل شارون في حينه بعد ان اقنع بيبي بتعيينه وزيرا للخارجية. المشكلة هي ان ايفيت قادر على الاندفاع نحو الاجماع الوطني وكذلك تحطيم هذا الاجماع ومعه عظامه وعظامنا جميعا. ليبرمان يضرب على الطاولة ايضا عندما يطلب ان يناولوه السكر حتى يضعه في الشاي، عليه ان يعود نفسه على مزاج وزير الخارجية. فكيف سيعرف ما هو هذا المزاج؟ الامر بسيط جدا: بصورة معاكسة تماما لمزاجه الحالي.