لقاء عباس غانتس: عودة سلطة "روابط القرى" الفلسطينية

الساعة 11:44 ص|04 سبتمبر 2021

فلسطين اليوم | عصري فياض

لعل اللقاء الذي جرى قبل أيام بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعضا من طاقمة في الرئاسة الفلسطينية وخصوصا مسؤول ملف الشؤون المدنية حسين الشيخ  ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج من جهة، ووزير الامن "الاسرائيلي"  بيني غنيس ومنسق ما يسمى شؤون المناطق في حكومة الاحتلال غسان عليان، أول ما ذكّرنا من ناحية نتائجه ومخرجاته بلقاءات مسؤولي  ما كان يسمى سابقا ، ــ وقبل الانتفاضة الاولى ــ مسؤولي “الادارة المدنية ” ببعض الشخصيات الفلسطينية سواء كانوا رؤساء بلديات اوفعاليات في مؤسسات او شخصيات دينية واجتماعية واعتبارية، والتي كانت في جوهرها تتركز على قضايا معيشية غير سياسية، فمثلا قائد الادارة المدنية في ذلك الحين أو قائد ما يسمى المنطقة الوسطى مثل “فرايم سنيه” و “عمرام مستناع”، اعتادوا في فترة الثمانينات على عقد لقاءات مع شخصيات فلسطينية محلية كان البحث فيها بعيدا عن السياسة،فقط كان محور هذه اللقاءات يتركزعلى مطالبة تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين الخاضعين للاحتلال في الضفة والقطاع، مثل تسهيل السفر، واصدار تصاريح العمل، وزيادة قبول طلبات لم شمل العائلات، وتعبيد الطرقات والشوارع، وإقامة المدارس والمؤسسات، وإصدار رخص جديد للبناء، وأمور اخرى لا يتسع المجال لذكرها، لكنها تظل ضمن قائمة مطالب حياتية للمواطن الذي كان مطحونا تحت الاحتلال، وكانت بعض هذه الشخصيات والفعاليات تنسق مع منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مكتبها في عمان خاصة في بداية وخلال عقد الثمانينات لسببين: الاول لتكون هذه الشخصيات والفعاليات تعمل برضا من المنظمة التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. والثاني لكي تكفل هذه الشخصيات دعم وحماية أنفسها من أية غضبة من جماهير الشعب في الوطن المحتل، وكانت هذه الامور تسير بالرغم من انها كانت تسبب ألما وحنقا لدى الوطنيين والشعور والوعي الوطني الذي كان يتطورا يوما بعد يوم حتى إنفجر انتفاضة رافضة للاحتلال والتواصل معه في أي من المجالات.

فجاءت اوسلو، حكم ذاتي موسع ومؤقت لفترة معينة،فتنكرت حكومات إسرائيل المتعاقية لهذه الاتفاقيات، واخترقت ورفضت تعهداتها، وساقنا التاريخ لثمانية وعشرين عاما عن توقيع أسلو بكل ما حمل من تغيرات وتبدلات فلسطينية واقليمية ودولية، ووصلنا الى مرحلة ما بعد  اليميني المتطرف نتنياهو، ودخلنا في مرحلة رئيس حكومة "اسرائيل" نفتالي بنت اليميني المتطرف ايضا،في ظل وجود رئيس ديمقراطي امريكي هو جو بايدن آخر ما يفكر به هو القضية الفلسطينية، الامر الذي شجع بنيت أن يقول جهارا نهارا”لا تفاوض مع الفلسطينين، ولا احتمالية لحل معهم”، حتى انه سبق ومنع وزير جيشه عقد لقاء مع الرئيس الفلسطيني،لكنه بعد زيارته الاخيرة للولايات المتحدة والتي كان الملف الفلسطيني مغيب تماما من على طاولتها،واقتصر معظم البحث على الملف الايراني،سمح بنيت لوزير جيشه ومنسق حكومته لشؤون الضفة الفلسطينية بلقاء الرئيس الفلسطيني وبعضا من قادة رئاسته، وكانت النتائج الصادرة عن هذا الاجتماع تتلخص في تحقيق الامور التالية:

منح السلطة الفلسطينية قرضا ماليا بقيمة 500 مليون دولار على مدى اربعة اشهر،والوعد بالموافقة على منح الموافقة على خمسة الاف طلب لم شمل العائلات، والسماح بخمسة عشر الف عامل جديد للدخول الى "اسرائيل" للعمل هناك، وإدخال خدمة G4 لسكان المناطق الفلسطينية، بالمقابل يتم تعزيز التنسيق الامني بين الطرفين،وإبلاغ الجانب الفلسطيني أن حكومة الاحتلال ستقوم بـ :” تنظيف “ظاهرة ما سمته بظهور عناصر ” الارهاب” في شوارع جنين ورام الله !!.

لو قارنا بين التاريخ القديم الذي كانت فيه شخصيات وفعاليات فلسطينية تلتقي مختارة أو مجبرة قادة الاحتلال سواء عسكريون أو مدنيون منذ عام الـ67 وحتى اندلاع انتفاضة الحجارة، وبين ما جرى في اللقاء الاخير، لأدركنا تشابها كبيرا بين الحالتين،الاول كان بدون سياسة، بالرغم من أن الثاني قد يكون تطرق لقضايا سياسية لكني أجزم أن الجانب الاسرائيلي اعتبره مجرد كلام، لكن القيادة الفلسطينية تعي تماما أن موقف رئيس الحكومة "الاسرائيلية" ومعظم وزارئها ليسوا مع التفاوض السياسي مع الجانب الفلسطيني خوفا من كثير من الاشياء ،أهمها هشاشة هذه الحكومة، وخوفها من الانهيار،بالاضافة لكونها حكومة رأسها جاء من واقع التطرف الاستيطاني.

الامر الثاني ان اللقاءات الاولى لم تكن تشترط على الفلسطينيين شروطا لتحقيق ما يمكن ان يقدم لهم، لكن في الحالة الثانية الشروط مسبقة تعزيز التعاون الامني، بمعنى رفع حضوره وفعاليته ومكانته، والحث على مساعدة الطرف الفلسطيني على محاربة ظاهرة خروج المسلحين وتصديهم لقوات الاحتلال التي تقتحم المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية لاعتقال الشبان والموطنين الفلسطينيين.

لذلك لم يكن هذا اللقاء الذي جاء بعد احدى عشر عاما من المقاطعة السياسية على هذا المستوى بين الجانبين لقاء عارضا،بل لقاء يحمل من المعاني والأبعاد الشيء ألكثير، منها النقاط التالية :

أولا: لقاء بهذه النتائج كان من المفروض كان ــ  إذا كان له أن يكون ـــ أن يكون بين خبراء، ومسؤولي ملفات، ولا يكون بين رئيس ووزيرجيش حكومة احتلال، خاصة أن الامور السياسة فيه كانت امرا عارضا من الجهة الفلسطينية،ومرفوضا من الجانب الاسرائيلي.فتمثيل الجانب "الاسرائيلي" بوزير الامن ومنسق نشاطات حكومته دليل على أمنية الاجتماع،الأمن الذي يقع في المرتبة العليا اسرائيليا.

ثانيا: الجانب الامريكي الذي تحاول "اسرائيل" جره اكثر لجانبها في خططها التي تعدها كما تقول في الملف النووي الإيراني الجانب الامريكي هو من طلب وضغط على الجانب الاسرائيلي لتقديم مثل هذه “التسهيلات” للفلسطينيين،ولو رفض الفلسطينيون أللقاء لجاءتهم هذه الامور دون عناء.

ثالثا: موافقة القيادة الفلسطينية على عقد لقاء بهذا الشكل وبهذه النتائج  وعلى هذا المستوى دشن مرحلة سياسة جديد لحكومة بنيت، ربما تقتصر مستقبلا على تحسينات وتسهيلات للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بدلا عن التفاوض السياسي الذي حتى هو لو كان،لا أمل في تحقيق شيئا يرتجى منه.

رابعا: إذا كان موقف الجانب الفلسطيني التأكيد للعالم والمجتمع الدولي أن القيادة الفلسطينية ملتزمة للتفاوض والسلام،فقد باعت القيادة الفلسطينية موقفا للعالم على حساب كثير من الحسابات والحقوق الفلسطينية بثمن معروف مسبقا، ومجرب كثيرا،وهو أن العالم والمجتمع الدولي لن يصفق لهذه الخطوات ويقف لها،لأنه باختصار مشغول بقضاياه ومسائله الدولة والمتغيرات الجارية عالميا، والسياسة التي لم تجلب شيئا للقضية الفلسطينية، اصبحت بالنسبة للعالم والمجتمع الدولي مكررة ومملة ولا تحظى بالاهتمام المطلوب.

خامسا: لقد حظيت هذه الخطوة برفض طال كل قوى المعارضة مجتمعة، من فصائل خارج منظمة التحرير وداخلها،وحتى في داخل فتح نفسها، في الوقت الذي تحتاج الحالة الفلسطينية للحمة والوحدة وانهاء الانقسام، وأن هذه الخطوة التي جرت زادت من الهوة بين الطرفين، وعمقت الانقسام ورفعت وتيرة التراشق الاعلامي.

سادسا: وأخيرا لماذا لم تطلب القيادة الفلسطيني ومن وزير الجيش الاسرائيلي مثلا اشياء تقع ما بين السياسية والخدماتية كطلب إجراء الانتخابات في القدس، وبالتالي في كل الاراضي الفلسطينية، هذا المطلب لو طلب وحصل على الموافقة مقابل ما تقدمه السلطة من التزامات ترضي اسرائيل والراعي الامريكي والاوروبين معا، لكان ذلك مفيدا نوعا ما للداخل الفلسطيني الطامح للتعبير والتغيير.

من هنا نستشف، أن هذا اللقاء التي غيبت  القضايا السياسة، وذهب للأمور الخدماتية التي لا تعبر عن أي بعد استقلالي أو حقوق سياسية، ربما يكون صورة عن التفاوض المقبول "اسرائيليا" والمبارك امريكيا والغير مرفوض فلسطينيا، وبالتالى يكون الفلسطينيون بهذه السياسة قد هبطوا خطوات في الدرك من التنازل.

كلمات دلالية