خبر فتح« و »حماس": صراع أوهام الماضي والحاضر ..معتصم حمادة

الساعة 11:21 ص|01 ابريل 2009

ـ النهار اللبنانية 1/4/2009

إن المتابعة لأعمال لجان الحوار الفلسطيني في القاهرة تشير إلى أن القوى الفلسطينية كافة أجمعت على ضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، وان بعضها قدم في هذا السياق مشاريع واقتراحات تشرح وجهة نظره في كيفية استعادة هذه الوحدة، وآليات الوصول اليها.

غير أن التدقيق في طبيعة هذه الاقتراحات والمشاريع يوضح أن مفهوم "استعادة الوحدة" كان مفهوماً مطاطاً، له أكثر من معنى، وأكثر من صيغة. ويمكن، في هذا السياق أيضاً، القول إن الحالة الفلسطينية في حوارات القاهرة عبرت عن ثلاثة اتجاهات رئيسة:

الاتجاه الأول عبرت عنه حركة "فتح" في الاقتراحات التفصيلية لوفدها. ويمكن القول إن "فتح" كانت تدفع في اتجاه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بحيث تستعيد الحالة الفلسطينية وحدتها الداخلية، والأوضاع التي كانت عليها السلطة الفلسطينية قبل 14/6/2007، تاريخ لجوء "حماس" إلى الحسم العسكري في قطاع غزة.

ورغم أن وفد "فتح" بدا وكأنه يأخذ - إلى حد ما - في الاعتبار مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليمية والفلسطينية، بما في ذلك فشل المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي تحت سقف أنابوليس، ومجيء حكومة إسرائيلية متشددة برئاسة بنيامين نتنياهو، فإنه بقي، في مواقفه يرواح في المربع نفسه، مربع إعادة ترتيب أوضاع السلطة، بحيث تبقى "فتح" الممسكة بزمام القرار الفلسطيني، سياسياً ومالياً، وتنظيمياً وإدارياً، وبحيث تستعيد بطريقة قسرية موقعها القيادي على رأس الحالة الفلسطينية.

ولعل ما يساعد "فتح" على اتباع هذا السلوك هو ارتكازها الثابت على أنها هي صاحبة الطلقة الأولى في المقاومة الفلسطينية، وأنها هي التي غامرت في العملية التفاوضية، ودخول دهاليز أوسلو. وأنها هي التي تحملت - وحدها - أعباء بناء السلطة الفلسطينية.

كذلك يساعد "فتح" على إتباع هذا السلوك، أنها رغم الهزيمتين اللتين ألحقتا بها، ما زالت تمسك بالكثير من المفاصل الإستراتيجية في السلطة الفلسطينية وفي منظمة التحرير، وهذا ما يمنحها قوة سياسية ومعنوية يمكّنها من التحرك لمصلحة سيادة وجهة نظرها - بشكل عام - في حوارات القاهرة. من بين هذه المفاصل موقع رئيس السلطة صاحب الصلاحية في تسمية رئيس الحكومة، وتعيين الحكومة أو إقالتها متى يشاء، وتسمية كبار الضباط في الأجهزة الأمنية وترقيتهم وإقالتهم... وغيرها. فضلاً عن ذلك فإن الرئيس عباس يعرف جيداً أنه الممر الإجباري نحو الجهات المانحة، وأن لا مال للسلطة، بما في ذلك المال الضروري لإعادة اعمار قطاع غزة، إلا عبره هو شخصياً.

الاتجاه الثاني: عبرت عنه حركة "حماس" التي انطلقت من أن الحالة الفلسطينية شهدت متغيرات، إذ باتت منقسمة إلى كيانين، لكل منهما حكومته وجهازه الإداري والقضائي والأمني الخاص به، كما له اتجاهاته السياسية. وأن هذا الحوار، لا يكرر مؤتمرات الحوار السابقة، بل هو حوار بين كيان في رام الله، تمسك بزمامه حركة "فتح"، وآخر في قطاع غزة تمسك بزمامه حركة "حماس"، وأن المطلوب ليس إقصاء "حماس" عن مسؤوليتها عن كيان غزة، أو إلغاء وجود هذا الكيان، بل هو إيجاد صيغة لوحدة ما بين هذين الكيانين، تبقي "حماس" في موقعها المسيطر على القطاع، وتشركها في الوقت نفسه (بنسبة معينة) في إدارة الكيان في الضفة الفلسطينية. واستندت "حماس" في رؤيتها هذه إلى أنها (أولاً) تمسك بالقطاع دون شريك أو منافس وهو ما يعطيها ورقة قوة تميز موقعها التفاوضي الحالي عما كان عليه في آذار 2005. وهي (ثانيا) تمسك بزمام رئاسة المجلس التشريعي، وغالبية مقاعده، وهو أمر يعطها ورقة قوة أخرى في الحد من سلطة الرئيس عباس في سن التشريعات وإصدار القوانين. كما يعطيها القدرة على تعطيل المجلس التشريعي أو شله إن هي أرادت ورأت في ذلك خدمة لمصالحها. وهي (ثالثا) تمسك برئاسة حكومة توصف إعلامياً بأنها مقالة، لكنها تقدم نفسها بأنها هي الحكومة الشرعية الوحيدة في السلطة الفلسطينية. كذلك تستند إلى القدرة على الزج بالحالة الفلسطينية في صدام مع العدو الإسرائيلي، أو إدخالها في التهدئة.

وأخيراً تستند "حماس" إلى علاقات إقليمية توفر لها غطاء سياسياً في التوازنات العربية وتساعدها في إحداث اختراقات في العلاقات الدولية (موسكو ـ الوفد البرلماني البريطاني ـ الاتحاد الأوروبي) لذلك نلاحظ أنها كانت تدفع باتجاه تمديد ولاية المجلس التشريعي، إذ ما من شيء يكفل لها أن تستعيد وضعها الحالي في "التشريعي" الثالث، كذلك نلاحظ تمسكها باستعادة حكومة مكة في نسخة جديدة، تمكنها من السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً، أو الدعوة في الوقت نفسه للربط بين الأمد الزمني للتشريعي الحالي (حتى 25/1/2012) والأمد الزمني للحكومة الجديدة، أي لسنتين ترى أنهما كافيتان لترميم أوضاعها في القطاع بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، واستعادة أوضاعها المدمرة في الضفة، وتثمير علاقاتها الإقليمية وتعزيز اختراقاتها الدولية، ربما عبر الأطلسي نحو البيت الأبيض هذه المرة، مع الاستعداد للالتزام بدفتر الشروط. الاتجاه الثالث: وقد مثلته الفصائل الأخرى من بينها القوى اليسارية (الديموقراطية - الشعبية - حزب الشعب) وقوى أخرى تحسب على التحالف مع "حماس" (القيادة العامة - الصاعقة) أو على التحالف مع "فتح" (فدا - النضال - الفلسطينية - العربية الفلسطينية) دعت إلى استعادة الوحدة في ظل اصلاحات سياسية مدخلها صياغة قانون جديد للانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل، وبنسبة حسم لا تتجاوز 5,1 % بما يتيح لكل القوى (من جهة) أن تدخل المجلسين التشريعي والوطني، وبما يقطع الطريق ( من جهة أخرى) على الحركتين الكبيرتين، "فتح" و"حماس" لتستأثرا بالسلطة معاً أو منفردتين. فالقوى الأعضاء في منظمة التحرير. لا تكف عن الشكوى من استفراد "فتح" بالقرار واستئثارها بالسلطة دون احترام لأسس الائتلاف في المنظمة. والقوى المتحالفة مع "حماس" خلصت في تجارب الانتخابات أن الحركة الإسلامية لا تقيم وزناً إلا لمصالحها الفئوية، خاصة أنها رفضت حمل أي من مرشحي حلفائها على لوائحها الانتخابية في الانتخابات التشريعية والمحلية والبلدية، مما دفع هؤلاء الحلفاء، جميعاً، إلى التشكيك بصدقية التحالفات مع "حماس"، والدعوة إلى قانون انتخابات يفتح لها باب المشاركة في المؤسسة الفلسطينية الرسمية بعد طول انقطاع. غير أن الفارق بين الاتجاهات الثلاثة. أن الأول والثاني يتحركان من موقع قوة تفاوضية واضحة للعيان. بينما يفتقد أطراف الاتجاه الثالث إلى وحدة في التحرك والتكتيك، فضلاً عن أنهم لا يستندون إلى أرضية مادية (سلطة ـ أرض ـ تحالفات) تمكنهم من فرض إرادتهم على "فتح" و"حماس" الأمر الذي ينبئ منذ الآن أن حوارات القاهرة لن تخلو في نتائجها من اتفاقات محاصصة بين هاتين الحركتين، هي بطبيعة الحال نتاج لموازين القوى وللخريطة الفصائلية القائمة حالياً.