خبر يوم الأرض.. تحدٍ لتهويد المكان والإنسان

الساعة 07:09 ص|30 مارس 2009

بقلم: النائب العربي مسعود غنايم 

يعتبر يوم الأرض 1976 من المحطات الهامة في تاريخنا كأقلية عربية داخل دولة إسرائيل؛ والسبب في ذلك يعود لكونه أول استجابة لتحدي نكبة 1948،  لقد فرضت هذه النكبة على الشعب العربي الفلسطيني تحديا كبيرا تمثل في تشريد معظم الشعب الفلسطيني خارج وطنه، والأهم أنه تمثل بتحول شعب كان أكثرية في وطنه إلى أقلية تحكمها أكثرية يهودية كانت لوقت قريب تعيش كأقلية في هذه البلاد.

إن تحدي دولة إسرائيل كدولة يهودية تسيطر فيها الأكثرية اليهودية على السلطة وعلى الأرض والموارد، بينما تعيش أقلية عربية على هامش هذه الدولة، استوجب ردا من الأقلية على هذا التحدي. ولا زلنا كعرب في هذه البلاد نحاول بلورة استجابة خلاقة لهذا التحدي، وكان يوم الأرض من أولى محاولات تكوين استجابة فاعلة لمحاولة تهويد المكان والإنسان، الذي يحاول المشروع الصهيوني فرضه علينا.

لقد بدأت قضية الصراع على الأرض قبل قيام دولة إسرائيل، لأن الحركة الصهيونية منذ قيامها في أواخر القرن التاسع عشر أقامت مؤسسات همُّها الأول التحضير لقيام الدولة عن طريق امتلاك أكبر كمية من الأراضي في فلسطين. وقد لعبت الوكالة اليهودية دورا هاما في هذا المجال. وبعد وعد بلفور عام 1917 وتعهد بريطانيا الدولة المنتدبة لحكم فلسطين نشطت حركة انتقال الأراضي من ملكية العرب إلى اليهود، وقامت بريطانيا بدور فاعل في هذا المجال.

لم تكن أحداث الثلاثين من آذار عام 1976 وليدة اللحظة أو اليوم الذي تفجرت فيه المواجهات بين الجماهير العربية وبين السلطة الحاكمة في الدولة وأذرعها الأمنية، بل جاءت هذه الأحداث تتويجا لتراكم كيفي وكمي للأحداث التي مرت بها الأقلية العربية منذ عام 1948، ولكن كانت هذه الأحداث بالأساس ردا على سياسة الكبت والتهميش والتعامل العنصري الذي عاشته الجماهير العربية خاصة أثناء الحكم العسكري الذي استمر حتى عام 1966. جاءت أحداث يوم الأرض كتعبير عن مقاومة سياسة الإقصاء والتهميش التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية بحق الأقلية العربية الفلسطينية ومقاومة طمس هويتها ووجودها.

لقد كشفت أحداث يوم الأرض 1976 زيف الديمقراطية الإسرائيلية محدودة الضمان والهشة، لأنها بخلت على العرب بممارسة حقهم كمواطنين في التعبير عن احتجاجهم على مصادرة أرضهم بإعلان إضراب أو بمسيرة ومظاهرات سلمية. اعتبرت الدولة كل مظهر من مظاهر الاحتجاج تهديدا أمنيا ووجوديا يجب قمعه ومنعه بالقوة، بعكس المظاهرات والإضراب في المجتمع اليهودي، فهناك تتصرف الدولة بشكل مختلف لأنها تعتبر الديمقراطية مرتبطة بيهودية الدولة أي أن حدودها لا يتعدى سياج الهوية اليهودية، وإذا تجاوزته لحدود هوية الأقلية العربية فهناك قواعد أخرى لا تمت للديمقراطية بصلة.

في يوم الأرض 1976 قاومت الجماهير العربية محاولة تهويد منطقة الجليل تحت شعار وحجة تطوير الجليل، وهكذا ومن يومها اكتشفنا أن كل تطوير بلسان الحكومات الإسرائيلية عندما يتعلق بالعرب يقف من ورائه محاولة تهويد.

كانت مصادرة آلاف الدونمات من الأرض تمهيدا لمخطط أصبح معروفا وكشفته منذ عام 1976 ما سمي بوثيقة كينغ الذي كان متصرفا للواء الشمال، وثمار هذا المشروع ما زلنا نعاني منه في الجليل على سبيل المثال بمحاصرتنا عن طريق المجالس الإقليمية وعلى رأسها المجلس الإقليمي مسجاف الذي يحد من امتداد القرى والمدن العربية التي يحيط بها كالأخطبوط من جميع الجهات.

يوم الأرض 1976 والذي بدأ كإضراب وانتهى بسقوط ستة شهداء وعشرات الجرحى كان بداية العمل على تنظيم الأقلية العربية الفلسطينية وترتيب أوراقها، وبداية العمل المنظم في مواجهة سياسة الحكومات الإسرائيلية تجاهنا كعرب في هذه البلاد. وأثبتت أحداث يوم الأرض أن هناك حاجة ملحة لتوحيد القوى العربية في البلاد وضرورة انطلاقها من تحت سقف واحد ليصبح لديها فاعلية أكبر. ومن الجدير ذكره أن إضراب يوم الأرض 1976 أعلنته ونظمته لجنة الدفاع عن الأراضي بينما وقف رؤساء السلطات المحلية في معظمهم ضد الإضراب، وهذا يعبر عن مرحلة كان فيها تأثير كبير للسلطة أيام "المباي" على الكثير من الرؤساء.

يجب أن نسأل أنفسنا السؤال الهام: ما هي العبرة التي استنتجناها كعرب من أحداث يوم الأرض؟ وماذا فعلنا في قضايا الأرض والمسكن؟

يعتبر هذا السؤال هو الأهم لأن مقاومة مشروع تهويد الأرض والإنسان في إطار أدوات ووسائل المواطنة الإسرائيلية وحدود الديمقراطية غير الواسعة في الدولة يستوجب مشروعا متكاملا تتضافر فيه الجهود السياسة والمهنية والثقافية بعيدا عن حاولات احتكار من قبل الحزب الفلاني أو الحركة الفلانية للخطاب السياسي للجماهير العربية، ومتبعا نهج المشاركة والجهد الجماعي الذي يحاول الاستفادة من طروحات جميع الحركات والأحزاب، ومن الخبرات المهنية والثقافية لتصب بالتالي بالهدف الأكبر وهو بناء الإنسان ليبقى ثابتا على أرضه والمحافظة على انتمائه وهويته، ليقاوم الذوبان في الآخر أو محاولة اختراع انتماءات مشوهة.

أعتقد أن يوم الأرض 1976 كسر حاجز الخوف الذي ارتفع بنيانه منذ عام 1948. وأعلن العربي في هذه البلاد أنه يرفض الكائن الاصطناعي المسمى "العربي الإسرائيلي" (ערבי ישראלי) الذي حاولت الدولة توليده في دفيئتها، وأعلن عن هويته العربية الفلسطينية.