خبر لحظات عودة مواطن غزي من بغداد إلي غزة بعد40عاما زحفا عبر الأنفاق

الساعة 05:55 ص|30 مارس 2009

فلسطين اليوم-غزة

مثل طفل يعود الى احضان امه رجع أبو طارق عبيد "72 عاماً" حبواً على ركبتيه لأمتار طويلة عبر نفق امتد من الأراضي المصرية إلى منطقة رفح جنوب قطاع غزة ، وهو يبكي قائلاً :" غزة.. غزة"، ذراعاه تعانقان ابنته آلاء التي تركها طفلة واستقبلها أماً لحفيدته .للحظات قليلة مسحت أوجاع أكثر من 40 عاما من الفراق عن الأهل قضى الكثير منها أسيرا في سجون إيران بعد الحرب العراقية- الإيرانية ولم يعرف أحد مصيره وهل كان ميتا أو حيا ؟  سجلت مشاهد لقاء أبو طارق بأفراد أسرته.

 

رغم معاناة السفر عبر الأنفاق وسنوات أبو طارق التي تجاوزت السبعين إلا أنه يتمتع بصحة جيدة تصاحبها إرادة قوية استمدها من تجاوز الكثير من المحن التي المت به.

 

قال بكلمات ممزوجة بالتعب جراء رحلة شاقة بدأت من العاصمة العراقية بغداد لتنتهي في قطاع غزة "كنت أخشى أن أموت بعيداً عن فلسطين خاصة أن عمري تجاوز السبعين ، إلا أن إرادة الله عز وجل كانت أكبر من كل شيء".

 

وجراء زحفه لمسافات طويلة عبر النفق ،فقد تمزق الجلد المحيط بركبتيه وكوعيه ، واجبره الالم على قطع حديثه بين فترة وأخرى ،إلا أن القاء بابنته و فراد عائلته الكبيرة جعله يواصل الحديث المصحوب بنظرات الشوق إليهم جميعاً ، رغم انه لم يكن يعرف الكثير منهم .

 

في منزل شقيقه الأكبر ازدحم البيت بالمهنئين الذين تركوا أعمالهم ومصالحهم «سواء كانوا من أقاربه الذين يعرفونه أو حتى الذين سمعوا عنه » بمجرد أن علموا بأن أبو طارق سيصل إلى قطاع غزة .

 

عاد ابو طارق بالذاكرة بعد أن أخذ نفسا عميقا إلى سنوات طويلة مضت ، وبالتحديد الى عام 1958 بعد أن اجبره الاحتلال الإسرائيلي على الهجرة مع أفراد عائلته من مدينة المجدل إلى قطاع غزة، وبعد ان حصل على الثانوية العامة قرر السفر الى الخارج بحثاً عن فرصة عمل لتكوين نفسه خاصة أنه عاش يتيما وهو في عامه الثالث، فسافر في قارب تجاري إلى لبنان ثم إلى سوريا.

 

وتابع:" حينما كنت في سوريا سمعت أن العراق بحاجة إلى مدرسين فسافرت الى العراق وسكنت في منطقة بعقوبة، وسرعان ما درست الحقوق إضافة إلى الدراسة في الكلية العسكرية وتعلمت اللغة الفرنسية في فترة حكم عبد الكريم قاسم".

 

وأضاف في سرد لمسيرته من غزة الغربة إلى غزة اللقاء من جديد: "عام 1962 عدت إلى قطاع غزة وتزوجت من وابنة عمي وعدت الى العراق برفقتها، وقد رزقني الله تعالى منها ستة أبناء ومنذ ذلك الوقت لم أعد إلى غزة".

 

وبعد استراحةلبضع دقائق من مشاق السفر الطويل أصر ابو طارق أن يتناول كل من حضر لاستقباله قطعاً من الحلوى بمناسبةسلامته، وعودته إلى أحضان غزة.

 

واستكمل حديثه بعد أن أغمض جفنيه وهز رأسه :"في الثمانينات بدأت الحرب العراقية الإيرانية وتم أسري ولم يعلم أحد عني اي شيء وهل أنا ميت أم حي . فقد تم أسري لمدة23 عاما لا أعرف خلالها شيءعن أفراد عائلتي".

 

في هذه اللحظة شارك رائد عمه الحديث قائلا "كنت كثيرا ما اسمع بأن لي عم في العراق لكن لا أعلم عنه أي شيء إلا صورة تحمل ملامح شاب رياضي أحرز العديد من البطولات المختلفة وحصل على الكثير من الأوسمة".

 

وتابع وهو يبادل عمه الكثير من ابتسامات المحبة والشوق :"علمت أنه تم أسر عمي ،و سمعنا بأنه قد مات وقال البعض أنه لا زال على قيد الحياة إلا أنه والحمد لله تعالى يشاركنا اليوم جلستنا وإنا سعيد جدا ان أرى عمي الذي طالما سمعت عنه"،

 

وكانت آلاء أكثر الجالسين حرصا على الا تغيب عيناها عن والدها خاصة أن آخر مرة رأته فيها وهي طفلة في الخامسة من عمرها فكانت كثيراً ما تحمل طفلتها وتناجي والدها وتقول"هذه حفيدتك يا أبي ..هذه حفيدتك ".

 

بابتسامة فرحة العودة إلى قطاع غزة استكمل أبو طارق كلماته :"تم اطلاق سراحي عام 2003 قبل يوم واحد فقط من بدء حرب أمريكا على العراق".

 

وأشار إلى أنه ابلغ عائلته في قطاع غزة بأنه على قيد الحياة وإنه موجود في العراق وان عائلته دعته للقدوم إلى غزة خاصة أنه كان يعاني من وعكة صحية إلا أنه لم يستطع القدوم في ذلك الوقت".

 

وذكر أنه بعد سنوات استطاع مغادرة العراق وصولا إلى مصر ومنها إلى قطاع غزة.

 

وقال بضحكات ممزوجة بالتعب :"لم يكن أمامي سوى خيار الوصول إلى غزة عبر النفق ، وقدكنت أحبو فيه على ركبتي وكان من يدلني على الطريق يقول لي :لقد وصلنا انظر إلى ذلك الضوء إنه من غزة وكلما كنا نقطع مسافة يكرر نفس العبارة ، إلى أن وصلت إلى حدود قطاع غزة وساهم نفق غزة في ولادتي من جديد"، متمنياً أن يجمعه الله تعالى بأفراد أسرته حيث لا زال لديه أبناء في دول مختلفة لم يرهم منذ أكثر من 25 عاما .