خبر إدارة الصراع وسلال « الدولة » الفارغة! ..بقلم: ماجد الشّيخ

الساعة 07:04 م|29 مارس 2009

شكلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، إحدى سبل الاعتراض على ما يمكن تسميته "اتفاقا دوليا" أو "إجماعا دوليا"، وإن بشكل نسبي، على هدف استمرار المفاوضات، الهادفة للتوصل إلى تسوية سياسية؛ تتيح إيجاد آلية تنفيذ خريطة الطريق أو غيرها من سبل للتسوية العتيدة. هذه النتائج والتشكيلة الحكومية اليمينية المتاحة جراءها، ليست تتعارض وعملية استئناف المفاوضات فقط، بل هي تتعارض بالكامل مع جوهر الموقف السياسي، وبرنامج الحكومة القائم على أسس الرفض الكامل لقيام دولة فلسطينية، لما "تعتقده" الأحزاب المكونة لها من مخاطر إستراتيجية مصيرية على إسرائيل وأمنها، بل ووجودها.

 

من هنا يمكن فهم موقف نتانياهو الداعي إلى اقتراح حكم ذاتي في الضفة الغربية، محملا إياه مجموعة من الإغراءات التي يؤمل منها أن تنتج "سلاما اقتصاديا"، هو أبعد ما يكون عن حلم تشجيع مستثمرين مغامرين، أو جلب استثمارات أمست في ضوء الأزمة الرأسمالية المالية والاقتصادية الراهنة أقرب للاستحالة.

 

لهذا يتوقع أن يكون لسلوك حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة أثمان مضاعفة، تتعدى إطار الصدام مع واشنطن، وبما يغذي أطروحات أولئك الذين ينادون بـ "الدولة الواحدة ثنائية القومية" بديلا لعدم توافر إمكانية الوصول إلى "حل الدولتين" لسبب أو آخر، أو إبقاء الوضع على حاله، ما يعني ازدياد انكشاف الوجه الكولونيالي الاحتلالي لإسرائيل أمام العالم، خاصة لجهة تواصل الاستيطان، واستمرار بناء الجدار، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت ومصادرة هويات أبناء القدس وطردهم من بيوتهم.. إلخ من ممارسات السلوك الإحتلالي المعهود في الضفة الغربية. وقد يشمل قطاع غزة كذلك، إذا لم يجر التوصل إلى تهدئة جديدة في ظل توافق وطني فلسطيني شامل، يستعيد رأب الصدع الانقسامي السياسي والجغرافي.

 

وإذا كانت إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة، جادة في خوضها معركة الملف النووي الإيراني للحد مما تعتقده مخاطر أمنية إستراتيجية، فإن حاجتها إلى دعم الإدارة الأميركية يضعها مباشرة في مواجهة مطالب بتقديم تنازلات، أو على الأقل تسهيل عملية مواصلة التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وهذا أشبه باستحالة أن يتحرك الإسرائيليون باتجاه ما يكرهون رؤيته يتحقق على أرض الواقع، بل ويتمنون فعليا أن يتبدد أمل إمكانية قيام دولة فلسطينية في جزء من أرض فلسطين التاريخية.

 

لهذا رأى جلعاد نتان (معاريف 4/3) أنه "آن الأوان للنزول من قمة الأوهام الأمنية، إلى أرض الخراب الاقتصادي الملتهبة، التي تهدد الأجراء بدل استخدام فزاعة الخوف الإيرانية والطاجيكية وغيرهما، وعلينا الاعتراف بأن التهديدات الوجودية التي سببها الاقتصاد النيو ليبرالي مجسدة بالفجوات الآخذة بالاتساع بين السكان والبطالة والفقر، وهي التهديد الذي يجب مواجهته اليوم."

 

ويبدو أن مقولة "إدارة الصراع" تمسي هي الحل، أو شكل الحل الممكن، في ظل غياب الحلول الواقعية الممكنة، بوجود يمين ديني وقومي متطرف في سدة السلطة في إسرائيل، فيما الإدارة الأميركية الجديدة عاجزة عن تقديم أي ترياق لحلول ممكنة لقضية أو قضايا الصراع في المنطقة.

 

من هنا رأى "عكيفا ألدار" في مقال له (10/3) أن لنتانياهو شريك لنهج إدارة الصراع، لا لإيجاد حل فوري للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، حيث يقترح موشيه يعلون من الليكود التنازل عن محاولات إيجاد صيغة لتسوية محتملة؛ بل لصالح نهج أكثر عملية يركز في الوقت الحالي على إدارة الصراع. وهذا ما ستجده حكومة نتانياهو لدى شريك وفي لمثل هذا النهج: حركة حماس، وهي التي منذ أن فازت بانتخابات المجلس التشريعي ما تني تكرر عروضها على إسرائيل بالتخلي عن وهم حل الصراع، والتوجه نحو إدارته.

 

لكن الإدارة الناجحة للصراع - حسب "ألدار" – لا تتساوق مع فرض الحقائق الجديدة على الأرض التي تزيد من حدة الصراع، وتصعّب حله. ويتساءل: هل سيوافق نتانياهو على تجميد الاستيطان في الضفة، وكبح جماح اليمين المتطرف في انقضاضه على المواقع الحساسة في البلدة القديمة من القدس؟."

 

ولهذا رأى "ألدار" أن أمام إدارة أوباما خياران اثنان: "الأول التمسك بمبدأ حل الصراع والصعود على مسار التصادم مع حكومة نتانياهو حول حل الدولتين. والثاني التنازل عن إدارة الصراع، والتصادم مع حكومة نتانياهو بشأن مطلب تجميد الاستيطان، وتسهيل الحياة اليومية للفلسطينيين".

 

وفي كلتا الحالتين لن تستقيم العلاقات الأميركية – الإسرائيلية إلاّ في نطاقات أخرى، ربما كان الملف النووي الإيراني أحدها؛ إذا ما تخلت الحكومة الإسرائيلية عن وهم توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية، دون الإطاحة باستقرار النظام الدولي "الجديد" الذي لم تستقم ركائزه بعد، وقد يستطيع الحوار الأميركي – الإيراني المقترح، بلورة حلول دبلوماسية كرزمة متكاملة للملفات الصدامية بين واشنطن وطهران.  

 

وفي هذا السياق تمثل قضية تشارلز فريمان الذي رشحته الإدارة لمنصب مدير المجلس الوطني للاستخبارات، وحملات الضغط التي تعرض لها، اختبارا جديا لمدى استعداد الرئيس الأميركي باراك أوباما، للوقوف في وجه قوى سياسية مؤيدة لإسرائيل، رغم أن مدير الاستخبارات دينيس بلير عرض شهادة دافع فيها بقوة عن فريمان أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.

 

في كل الأحوال لن تستطيع أي حكومة في إسرائيل المضي قدما في مسألة تقسيم القدس، فضلا عن الموافقة على مقاربة قضايا المفاوضات الجوهرية مثل اللاجئين وحق العودة والحدود. وهذا ثمن لتسوية ما فتئت أبعد مما يتصور الحالمون بإقامة دولتين بين البحر والنهر. وهنا يرى المرشح لشغل منصب مستشار الأمن القومي في حكومة نتانياهو "عوزي أراد" أن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة كونفدرالية بين الضفة وغزة والمملكة الأردنية الهاشمية، أي أن هذه الدولة ستكون ذات أغلبية فلسطينية، مقترحا تسميتها الدولة الهاشمية – الفلسطينية. وقال أراد في مقابلة أدلى بها لموقع صحيفة يديعوت أحرونوت على الإنترنت (21/3) انه يؤيد توسيع الحدود، وذلك عبر التخلص من ربع مليون فلسطيني في المثلثين الشمالي والجنوبي، اللذان يقعان داخل ما يسمى الخط الأخضر، وضمهم إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، ونقلهم للسكن في مناطق غير مأهولة في النقب الصحراوي ومنحها للدولة الفلسطينية، مقابل الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية.  بينما هناك بين الإسرائيليين من يقترح مقاربة "الحل الإقليمي" بضم غزة إلى مصر، وإعادة ما يتبقى من الضفة الغربية إلى الأردن، بعد ضم الكتل الاستيطانية الكبرى. فيما ينسجم مقترح "عوزي أراد" مع مقترح آخر (جدعون عيشت/ يديعوت أحرونوت 26/2) أسماه "إبداعيا" قوامه دولة واحدة لثلاثة شعوب بإضافة الأردنيين إلى هذا الخليط، وهو أشبه بالحل أو الحلول الليكودية – الشارونية، التي رأت وترى في الأردن دولة ينبغي أن تحتوي طموحات الفلسطينيين الوطنية، عبر تجسيد دولة لهم هناك بعيدا عن أرض فلسطين الانتدابية، وكبديل لها، حيث أمست في عرف غالبية الإسرائيليين "دولة إسرائيل". فيما يتمنى آخرون من بينهم أن تكون دولة اليهود أو "الدولة اليهودية" النقية الخالية من "الغوييم" الأغيار، عبر طرد ما تبقى من أصحابها الأصليين.

 

وبهذا تكون الحركة الوطنية الفلسطينية والوضع الوطني الفلسطيني برمته، قد وقع أو أوقع قسرا وجبرا في نطاقات المراوحة بين "شباك" إدارة الصراع وسلال "الدولة" الفارغة، وفي ضوء "مفاوضات القاهرة" اللاحوارية لا يبدو أن الخيارات الفلسطينية ستكون محكومة للوضوح، قدر ما يكتنفها الغموض والعجز عن اختيار المقاربة الكفاحية الملزمة لكامل التشكيلة الوطنية، لا سيما الآن في مواجهة حكومة يمين إسرائيلية حددت وتحدد مسبقا خياراتها الإستراتيجية، بغض النظر عن حال الوضع الوطني الفلسطيني وأحواله.

 

·        كاتب فلسطيني.