خبر ثلاثة أسباب أخرت الحوار ويمكن أن تؤخر الوحدة الوطنية ..هاني المصري

الساعة 09:43 ص|28 مارس 2009

ـ الأيام ـ 28/3/2009

وجهت مصر الدعوة لحضور الجولة الثالثة للحوار في الثاني من نيسان القادم، أي بعد انعقاد القمة العربية في الدوحة بعد أن كان مقررا أن تبدأ قبل يومين، وهذا يعني أن العقد التي حالت دون نجاح الحوار متعذر حلها قبل القمة، لذا تم "دفش" الحوار الى ما بعد القمة، وهذا مؤشر سلبي للغاية، لأن انعقاد القمة والحرص على انجاحها يوفر قوة دفع كبيرة لانجاح الحوار الفلسطيني حتى يكون نجاحا بارزا للقمة.

المطلع على مجريات الحوار وما تحقق على طريق الاتفاق والعقبات الباقية لا يستطيع أن يفسر لماذا تم تأجيل الجولة الثالثة من الحوار إلا من خلال رؤية وإدراك المسائل الثلاث الأساسية التالية:

أولا: لقد انهارت صفقة تبادل الأسرى بعدما وصلت، في لحظة من اللحظات، الى الذروة وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من النجاح، بحيث أصبح الحديث عن إتمامها هو الحديث الغالب خصوصاً بعد الإعلان عن قدوم أحمد الجعبري قائد "كتائب القسام" الى القاهرة، في وقت لوحظ فيه غياب بعض أعضاء قيادة "حماس" الذين يشاركون في لجان الحوار عن جلساته لساعات طويلة، في دلالة على أن المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى تسير على قدم وساق.

قد يسأل سائل ما علاقة صفقة تبادل الأسرى بالحوار. الجواب بسيط جدا، أن هناك علاقة وثيقة بين الأمرين، خصوصا لأن شروط الاتفاق الفلسطيني ليست فلسطينية بحتة، بل تتداخل فيها العوامل الفلسطينية مع العوامل العربية والإقليمية والدولية، مع العامل الإسرائيلي، بشكل كبير بحيث لا يمكن أن يرى أي اتفاق فلسطيني النور، أو لا يستطيع أن يجد طريقه الى التطبيق بعد توقيعه ما لم يترافق مع توافق فلسطيني وعربي ودولي وإسرائيلي.

ان صفقة تبادل الأسرى تفتح الطريق للاتفاق على التهدئة وكسر الحصار وفتح المعابر والحدود. وهذه هي التي تفتح الطريق أمام الاعمار وتوحيد المؤسسات المنقسمة ما بين الضفة وغزة، وهذا كله هو الذي من شأنه فتح الطريق أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والوطنية المتزامنة بموعد لا يتجاوز 25/1/2010. فكل الملفات، شئنا أم لم نشأ، مترابطة.

لذا فإن الحوافز والدوافع الفلسطينية للاتفاق تقل كثيرا، إذا لم تتحقق صفقة تبادل الأسرى، رغم أنني شخصيا مقتنع أن الحوار وتحقيق الوحدة، ضروري أكثر في حالة تعنت إسرائيل وتزايد عدوانيتها وعنصريتها منه في حال الاتفاق على اتمام صفقة تبادل الاسرى والتهدئة وفتح الحدود والمعابر ورفع الحصار. فالوحدة تكون مطلوبة أكثر، لأن الوحدة هي القانون الأساسي الذي يجب أن يحكم علاقات القوى والفعاليات الوطنية لأي شعب ترزح أرضه تحت الاحتلال، بما لا يتعارض مع الحفاظ على التعددية والمنافسة والتنوع. ان عدم توفر القناعة الكافية بأهمية الوحدة في كل الاحوال والظروف هو الذي يفسر ان التوجه للحوار ناجم حتى الآن عن ظروف قاهرة اكثر ما هو اي شيء آخر، من هنا نلاحظ ان كل طرف يريد اتفاقاً يحقق مطالبه الرئيسية ولا يبحث بالجدية اللازمة عن اتفاق يجسد القواسم الوطنية المشتركة.

ثانياً: لقد توقف الحوار أمام عقدة رئيسية هي الجملة السياسية التي يجب أن ترد في البرنامج السياسي للحكومة القادمة، وفيما إذا ستكتفي بالإشارة الى "احترام" الالتزامات والاتفاقيات التي وقعتها المنظمة مع اسرائيل أو مطلوب منها أن تورد عبارة تشير، بوضوح مثل وضوح الكريستال، إلى أن الحكومة القادمة "تلتزم" بهذه الاتفاقيات والالتزامات بوصف ذلك - كما يعتقد البعض خاطئاً - ممراً إجبارياً والطريق الوحيد لحصولها على القبول الدولي.

لذلك، رأى فريق فلسطيني أن المجتمع الدولي، إذا وافق على الصيغة التي تقدمها "حماس" والتي تكتفي "بالاحترام"، فلا مانع من اعتمادها، ولكن إذا لم يوافق فلا مفر من تضمين البرنامج كلمة "الالتزام".

في هذا السياق سافر أحمد ابو الغيط وزير خارجية مصر الى بروكسل للقاء الاتحاد الأوروبي، وسافر الوزير عمر سليمان الى واشنطن لسبر غور هاتين الجهتين اللتين يؤثر موقفهما تأثيراً حاسماً على الموقف الدولي، وعلى قبول المجتمع الدولي أو عدم قبوله بالحكومة القادمة، وهذا توجه غير مناسب لأن تسويق الاتفاق بعد التوقيع عليه افضل بكثير من محاولة تسويقه قبل الوصول اليه .

ووفقاً للتصريحات الأميركية، والتصريحات المنسوبة لمسؤول مصري فإن الولايات المتحدة الأميركية، كما كان متوقعاً، لا تزال مصرة على اعتماد شروط اللجنة الرباعية، وتشير مصادر أخرى أن هناك شرطاً رابعاً أضيف إليها هو ضرورة تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت قبل حصول الحكومة الفلسطينية القادمة على الضوء الأخضر الأميركي. أما بالنسبة للموقف الأوروبي فإنه لن يخرج كثيراً على الموقف الأميركي. هناك دول أوروبية يمكن أن تحتفظ بمسافة معقولة تميزها، لكن موقف الاتحاد الأوروبي لن يختلف جوهرياً عن الموقف الأميركي.

الآن الكرة في الملعب الفلسطيني، والأفضل والأكرم، اعتماد برنامج وطني يجسد القواسم المشتركة ويتضمن عبارة تؤكد الاستناد الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وعلى أن المنظمة هي مرجعية السلطة والحكومة، وعلى الاستعداد لحل تفاوضي على هذا الاساس، شرط ان يكون متفقاً عليه منذ البداية. بعد ذلك يعمل الفلسطينيون للحصول على الدعم العربي للبرنامج التوافقي الذي توصلوا اليه، بحيث يستطيع الفلسطينيون والعرب معاً إقناع العالم به. وهو برنامج يتضمن صيغة لا تصل الى حد الالتزام بالاتفاقيات والالتزامات، التي لم تلتزم بها الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولن تلتزم بها الحكومة الاسرائيلية القادمة التي ستكون اكثر تطرفاً وعدوانية وعنصرية. إن البرامج في العادة تضع خطة للمهمات والاهداف المنسجمة مع الوقائع والاحتمالات القادمة ولا تغرق كلياً مثلما يحدث في الحوار الفلسطيني في الماضي. الامر الحاسم الآن ماذا سنفعل لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بأسرع وقت واقل تكلفة، حتى نكون قادرين على الصمود في وجه الحكومة الاسرائيلية القادمة، ومن أجل إنهاء الاحتلال والاستيطان والعدوان والحصار على طريق الانتصار وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال.

إن رفض تشكيل حكومة سياسية تضم سياسيين من الفصائل والشخصيات الوطنية، رغم ان هذا افضل خيار لمواجهة التحديات الراهنة، ورفض تشكيل حكومة لا سياسية بدون برنامج سياسي، والاصرار على تشكيل حكومة لا سياسية لها برنامج سياسي سيقود الى الفشل، والى إصرار كل طرف فلسطيني على التمسك بموقفه، وبالتالي ينهار الحوار أو يدور في حلقة مفرغة، ويكون أشبه بحوار الطرشان، أقصى ما يمكن أن يحققه هو تهدئة الصراع الداخلي ومنعه من التدهور الى صراع أعنف ومفتوح على كل الاحتمالات المرعبة.

ثالثا: مثلما أشرنا في النقطة الأولى، فالانقسام الفلسطيني ساهم في حدوثه واستمراره العوامل الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية. وهذه العوامل هي التي ستساهم في استمراره وتفاقمه وتحوله الى انفصال دائم أو في إنهائه واستعادة الوحدة.

ولا أبالغ في القول إن تحرك الحوار الفلسطيني في الجولتين السابقتين له علاقة بسلسلة من التغيرات والتحولات في المنطقة والعالم ، إن كان على صعيد رحيل إدارة بوش التي كانت الأكثر تطرفاً وعدوانية ضد الفلسطينيين ودعما لإسرائيل لدرجة أنها ساهمت في إحداث الانقسام مساهمة بارزة، اوكان لمجيء إدارة باراك اوباما التي تختلف في أشياء كثيرة عن سابقتها من ضمنها خلافات في الأسلوب وكيفية التعامل مع الأزمة الداخلية الفلسطينية. ولعل صدور قرار من مجلس الأمن يدعو للمصالحة الفلسطينية وتضمين المبادرة المصرية المدعومة دوليا لوقف الحرب على غزة، بنداً أساسيا ينص على المصالحة، يعتبر دليلا قاطعا على ذلك. كما كان للأجواء الجديدة التي أشاعتها إدارة اوباما حول اعتماد الحوار والاقناع وتقديم الحوافز بديلاً عن الحروب والمواجهات والمقاطعة حتى مع الأعداء، بما فيهم ايران، اثر هام تمثل في توفير ظروف مناسبة أو أقل سوءا، وخصوصا بعد حدوث خطوات ملموسة على طريق المصالحة العربية - العربية في قمة الكويت، ولقاء الرياض الرباعي. لذلك ما سيحدث في قمة الدوحة على صعيد المصالحة العربية مهم جداً لأنه سيترك آثاره المباشرة على الحوار الفلسطيني وزيادة أو تقليل فرص نجاحه.

إن الوضع في المنطقة والعالم كله في مرحلة انتقالية، تأخذ فيها الأطراف بسياسة انتظارية وجمع الأوراق والاستعداد للمتغيرات القادمة التي لا يعرف أحد اتجاهها وعمقها وشكلها وأين ستكون أكبر وأين ستكون أصغر. لذلك علينا أن نتحلى بالصبر، وأن نسعى للإمساك بزمام المبادرة والقيام بمسؤولياتنا والاستعداد للمرحلة والاستحقاقات القادمة.

أن نكون موحدين أفضل مليون مرة حتى نستطيع الاستفادة من التطورات ،سواءً إذا كانت إيجابية، وسادت المصالحات والاتفاقات والصفقات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، أو لمواجهة التحديات والتطورات إذا كانت سلبية. ولكن هذا بحاجة الى شجاعة وإرادة صلبة وقرارا بتغليب المصلحة الفلسطينية على المصالح الفردية والفئوية والفصائلية، وعلى مصالح المحاور والعوامل الاسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية المؤثرة على القضية الفلسطينية.

ان القضية الفلسطينية ولدت دولية واستمرت كذلك، ولن تحل إلا دولياً، وكل طرف محلي او عربي او دولي فاعل يستطيع أن يؤثر بها و يشارك في حلها أو ابقائها مشتعلة!!