خبر سليم نصار يكتب : قمة الدوحة تتوقع انفجار الانتفاضة الثالثة في الضفة

الساعة 08:42 ص|28 مارس 2009

الحياة     - 28/03/09//

 

صباح الاثنين المقبل (30 آذار/ مارس) يتسلم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رئاسة القمة العربية السنوية في دورتها الواحدة والعشرين، من رئيس الدورة السابقة بشار الاسد.

 

ومن المتوقع أن تنقلب الأدوار أثناء انعقاد القمة المقبلة بحيث يغيب نجم قمة دمشق العقيد معمر القذافي، ويحل مكانه تسعة ملوك ورؤساء كانوا قد قاطعوا القمة السابقة.

 

ولكن الحضور المكثف لا يلغي الاختلاف على هوية قمة الدوحة التي وصفها الكاتب جميل مطر بأنها «قمة البند الواحد». أي قمة التعامل العربي مع ايران، خصوصاً أن مشاركة الرئيس احمدي نجاد في القمة الخليجية سنة 2007 لم تقتصر على قيامه بدور الرقيب مثل فنزويلا واريتريا، وانما تعداه في منافسة الأعضاء المؤسسين على رسم طريق مستقبل الدول العربية. وحجة الرئيس الايراني ان ميثاق الجامعة يجب أن يُعدّل بعد مرور 64 سنة (وضع في آذار 1945) بحيث تصبح الهوية الجغرافية والدينية هي الطاغية. وهو يرى أن الدور الذي تضطلع به بلاده ينسجم مع أهم قرارات ميثاق الجامعة، وأن التزام إيران تطبيقها يتخطى التزام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فالقرار الخامس من الميثاق والخاص بفلسطين ينص على شرطين جعلتهما طهران عنواناً لكل حملاتها ضد اسرائيل، الأول يدعو الى وقف الهجرة اليهودية، والى العمل على تحقيق استقلال دولة فلسطينية. والثاني يرفض حل مسألة يهود أوروبا بظلم آخر يقع على عرب فلسطين.

 

البند الثاني في هذه القمة يمكن أن يخصص لبحث اشكالات القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، واحتمالات توقيف الرئيس السوداني عمر البشير المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم في حق الانسانية. ومن المؤكد أن ميثاق الجامعة العربية لم يلحظ هذا الموضوع لأن المحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ إلا حديثاً، ولأن مسألة فض المنازعات الأهلية لم تسترع انتباه مشرعي الميثاق. وكان الرئيس السوداني قد اخترق جدار الحظر وزار الرئيس مبارك في القاهرة للتشاور معه حول فكرة عقد مؤتمر دولي عن أزمة اقليم دارفور. كما طلب منه النصح حول سفره الى القمة، متحدياً بذلك قرار المحكمة وانتهاكات المقاتلات الأميركية التي شنت هذا الاسبوع غارة على قافلة شاحنات محملة بالأسلحة الى شرق السودان. وكان رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني قد حمل الى البشير دعوة المشاركة في قمة الدوحة، علماً بأن دولاً غربية طلبت من حكومة قطر عدم استقبال الرئيس السوداني.

 

نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه يرجح أن يكون موقف بلاده من جرائم اسرائيل في فلسطين، هو الدافع وراء قرار المحكمة الدولية. وهو مقتنع بأن «الموساد» عاد ليجدد دوره النافذ في الجنوب منذ فشل مشاريع الوحدة الدستورية مع الشمال. وفي تصور خبراء النفط أن اقليم دارفور يعوم على بحيرة من النفط والغاز، وأن اهتمام الدول الكبرى بمحاسبة المسؤولين عن حوادث القتل والتهجير، ليس أكثر من ذريعة لوضع اليد على الثروات المدفونة تحت الأرض.

 

مهما اختلفت الأسباب والمبررات، فإن قمة الدوحة مضطرة الى مراجعة قوانين المحكمة الجنائية الدولية وطريقة تعارضها مع دور محكمة العدل الدولية. كما هي مضطرة ايضاً الى بحث المعايير التي تسمح بمعاقبة دولة ليست عضواً في النظام الأساسي مثل السودان... ولا تسمح بمعاقبة اسرائيل المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية. كل هذا لأنها تعتمد على الفيتو الاميركي لعرقلة صدور قرار مماثل لقرار إدانة السودان، علماً بأن الصحافة الغربية أبرزت أدلة موثقة عن استهداف الطواقم الطبية في غزة، إضافة الى عربات الإسعاف والمستشفيات. وقد تضمن تقرير الأمم المتحدة معلومات كاملة عن الانتهاكات في غزة، الأمر الذي دعا وزارة الخارجية المصرية الى التحقيق في الجرائم البشعة التي ارتكبها جنود اسرائيل.

 

البند الثالث المطروح في هذه القمة يتعلق بمستقبل مشروع الدولتين والانسحاب من الجولان، في ظل حكومة يمينية متطرفة يقودها بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان. وقد انضم اليهما زعيم «حزب العمل» ايهود باراك، بناء على نصيحة رئيس الدولة شمعون بيريز. ومعنى هذا ان الحكومة الائتلافية ستستمر في تنفيذ مشروع تهويد القدس والعمل على إخلاء منازل القدس الشرقية، ولو أدى ذلك الى الاصطدام مع ادارة أوباما.

 

هذا، وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون قد حذرت من التمادي في هدم منازل فلسطينيي القدس الشرقية، معتبرة ان هذه الانتهاكات تنسف خطة بناء الدولتين وخريطة الطريق. وردت عليها وزارة الخارجية الاسرائيلية بكتاب رسمي ادعت فيه ان أوامر الهدم تمت المصادقة عليها في المحكمة العليا، وان ما تثيره كلينتون هو مشكلة سياسية لا قضائية.

 

بعد تأجيل الاتفاق الفلسطيني - الفلسطيني الى ما بعد قمة الدوحة، استغلت أجهزة الدفاع الاسرائيلية هذه الفرصة للبحث في إمكان تجديد مفاوضات السلام مع سورية. ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» عن مصادر مسؤولة في تل ابيب، ان رئيس «موساد» مئير داغان ورئيس الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين، نصحا نتانياهو بضرورة عقد اتفاق سلام مع دمشق. وحجتهما ان التفاوض يضع سورية في موقع المحايد في حال اشتد النزاع بين اسرائيل وايران حول البرنامج النووي. وبما ان فرص السلام مع الفلسطينيين معدومة في المستقبل المنظور، فإن مبادرة السلام مع سورية ترضي أوباما المراهن على فتح حوار مع دمشق وطهران.

 

وفي حديثه الى صحيفة «لا ريبوبليكا» الايطالية، أعلن الرئيس بشار الأسد عن ابتعاد حظوظ السلام عقب وصول التيار اليميني المتطرف الى الحكم في اسرائيل. وقال الأسد ان هذا التيار يمثل حاجزاً أمام السلام بعد أن اقتربنا من تحقيقه قبل العدوان على قطاع غزة. وأشار في حديثه إلى مناقشة مبادرة السلام العربية أثناء قمة الدوحة، ملمحاً إلى احتمال تعليق هذه القضية بانتظار ظهور شريك إسرائيلي جاهز للحوار والتفاوض على أساس مرجعية مؤتمر مدريد والقرار 242.

 

أمام هذا الخيار، يتوقع المراقبون ألا تقبل حكومة نتانياهو بتقديم تنازلات في الملف الفلسطيني، الأمر الذي يعطي «حماس» المبرر لتفجير انتفاضة ثالثة ربما تحرق بنيرانها نفوذ «فتح» في الضفة الغربية. ويتوقع المراقبون أن تزداد العلاقات الإسرائيلية - التركية سوءاً، على خلفية حرب غزة وموقف رئيس وزراء تركيا طيب اردوغان، منها، وبما أن إدارة أوباما ستشعر بالعجز أمام تصلب حكومة نتانياهو، فإن معاقبتها ستكون بتحسين العلاقات مع سورية. ويستدل من الزيارات التي قام بها إلى دمشق رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري مع وفود أخرى من الكونغرس، أن العلاقات بين البلدين بدأت في التحسن. والدليل أن أوباما لم ينتظر الضوء الأخضر الإسرائيلي كي يرفع العقوبات عن دمشق، ويسمح لشركة «بوينغ» بإصلاح طائرتين مدنيتين تابعتين للشركة الجوية السورية.

 

البند الرابع في قمة الدوحة يتعلق بدور العراق بعد انسحاب القوات الأميركية، وبالمطالب الملحة التي سيقدمها الرئيس جلال طالباني من أجل إعادة فتح السفارات في بغداد وشطب الديون المستحقة. ويرى المراقبون أن اتصالات الرئيس العراقي مع رؤساء الوفود، ستركز على ضرورة نشر أجواء آمنة مستقرة، تشجع الأميركيين على الانسحاب المبكر. وهذا يقتضي تعاون الجارات مثل سورية وإيران والسعودية والأردن، بحيث يعود العراق إلى لعب دوره السابق داخل المجموعة العربية. وقد أعرب وزير خارجية سورية وليد المعلم عن رغبة بلاده في تحقيق طلب طالباني، مؤكداً رفع مستوى التعاون كي يشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

 

وتتناول الصحف الأميركية مبادرة هيلاري كلينتون حيال إيران بكثير من الحذر، لأن طهران اشترطت اجراء تراجع شامل عن سياسة العزل والحصار. كما اشترطت تأخير فتح المكتب الديبلوماسي الى ما بعد فترة الاختبار المقدرة بستة أشهر. وهي فترة كافية لتمرير الانتخابات المقررة في شهر حزيران (يونيو) والاستعداد للدخول في مرحلة بلورة سياسة اميركية جديدة تشمل آسيا والشرق الأوسط. وربما احتاجت طهران الى هذه الفترة ايضاً بهدف استكشاف آفاق السياسة الخارجية الروسية ومدى التزام موسكو بتنفيذ التعاون العسكري الذي وقّعه وزير الدفاع مصطفى محمد نجار. وهي تتخوف من احتمال تجميد صفقة صواريخ (S-300) التي كانت مدار بحث طويل بين الوزير سيرغي لافروف والوزيرة كلينتون. لذلك ترى أنه من الحكمة تأجيل قرار التعاون على حل مشكلتي العراق وافغانستان، الى حين ظهور التحول المحوري في العلاقات الروسية - الأميركية.

 

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت بأن زيارة الوزير نجار لموسكو، انتجت عقوداً عدة بينها عقد ينص على إنشاء شبكة نظام دفاعي مشترك تؤمن حماية المفاعل النووي في «بوشهر». ويبدو أن رئيس الوزراء بوتين مصرّ على استمالة كل الجمهوريات السوفياتية السابقة، اضافة الى جارات أخرى مثل ايران. وهو يعير هذه الجارة الثرية اهتماماً خاصاً لأنها تنعش اقتصاده المتعثر وتضيف الى ما جمعه في سنوات الطفرة (150 بليون دولار) أكثر من عشرة بلايين ثمن أسلحة. وفي ضوء ممارسة توثيق روابط دول الجوار بروسيا، يعوض بوتين عجزه عن شراء النفوذ نقداً بافتعال حروب اقليمية ربما تساعده ايران على تنفيذها.

 

في ضوء هذه الاعتبارات يتطلع المشاركون في قمة الدوحة الى أهمية المصالحات العربية - العربية التي اطلقت اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم، ومنعت دول الجامعة العربية من الانشطار الى كتلتين. وربما تكون احداث غزة الدامية المحفز الآخر لإطلاق الانتفاضة الثالثة التي تعتبر الرد الأقوى على تقطيع أربع سنوات اضافية ادعى نتانياهو بأنه سيصرفها للقيام بعمل مسلح ضد المنشآت النووية الايرانية، لا فرق أكان ذلك بمساعدة الولايات المتحدة أم من دونها...

 

* كاتب وصحافي لبناني