خبر الرفاق..معاريف

الساعة 09:30 ص|27 مارس 2009

بقلم: بن كاسبيت

عندما كان ايهود باراك قائدا لوحدة هيئة الاركان الخاصة خطط لعملية معقدة خلف خطوط العدو. هذه كانت اكبر عملية تخطط لها الوحدة حتى ذلك الحين. تطلب الامر تسعة اشهر من التخطيط وتدرب طاقمين من الوحدة على الخطة. كان من المفترض ان ينفذ احد الطاقمين. بنيامين نتنياهو كان قائد احد هذه الطاقمين. في مرحلة معينة طالب نتنياهو – الذي اقترب موعد تسريحه من الجيش – باراك بان يحدد الطاقم الذي سيتولى المهمة. باراك قال انه حائر. نتنياهو شعر بالاهانة وقرر المغادرة. اخذ عتاده العسكري وتوجه لمعهد التخنيون لتقديم لطب قبول. بعد ذلك بيومين دعاه باراك اليه وقال له انه سيكون قائدا للطاقمين والقائد المشرف على العملية.

توجه باراك كان تعيين قائد الطاقم الثاني تحديد القائد للعملية. لانه اعتبر اكثر ابداعا وفي اخر المطاف فضل نتنياهو عليه لانه تمتع بالتصميم واعتبر العملية "مهمة العمر" وتدرب من اجلها بصورة جنونية وفي اخر المطاف قررت رئيسة الوزراء غولدا مئير ورغم التدريبات والتحضيرات الكثيرة، الغاء العملية. ولم تنفذ ابدا. بعد ان تم اختيار نتنياهو بصورة مفاجئة تماما في عام (1996) رئيسا للوزراء قال باراك عنه:- "هو نفذ كل مهمة كلف بها بنجاح. وعرف كيف يتمسك باهدافه البعيدة مثل كلب البولدوغ، وقام عدة مرات بالالتفاف والمباغتة من نقطة لم يتوقعها احد وبدا وكأنه لن يعود من المهمة من دون ان يحققها"

الامر سينتهي بالبكاء

في هذا الاسبوع تحول باراك الى منفذ لبيبي. نتنياهو يحاول منذ عشر سنوات تنفيذ مهمة عليا:- العودة الى رئاسة الوزراء التي القي منها مخزيا. عشر سنوات وهو يلتف حول هذه المهمة محاولا رفعها بالروافع والعصي والحيل السياسية. في هذا الاسبوع هب قائده السابق لمساعدته. المهمة تزحزحت. بيبي يعود الى ديوان رئاسة الوزراء في القدس وفي هذه المرة بصفته قائدا بينما باراك في دور الجندي.

هما وصلا معا في الثالثة فجرا الى الجناح في الطابق الرابع في كفار همكابيا. وهذه كانت الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء من هذا الاسبوع، وبعد نصف يوم يفترض ان يحسم حزب العمل قضية الدخول للحكومة. طواقم المفاوضات البائسة كانت محبوسة هناك يوما كاملا. كان من الواضح عند النهاية ان القائدين سيأتيا للتدخل. محاولة بلورة الدراما كانت سخيفة. كل شيء كان متوقعا ومنسقا مسبقا من خلال الاتصالات السابقة. باراك عرف ان نتنياهو سيعطيه السماء حتى يستكمل تشكيل الحكومة. نتنياهو بدوره عرف ان باراك سيمر من خلال الجدران ويحمل اعمدة الجرانيت حتى يبقى وزير للدفاع. بعد كل هذه السنوات وجدا نفسيهما مرة اخرى في مهمة مشتركة.

في اخر المطاف جلسا في غرفة جانبية من الجناح في المكابيا ومعهما اثنان اخران عوفر عيني واوري يوغيف. ليست هناك فجوات ملموسة بين الاثنين سياسيا وامنيا ولا اقتصاديا واجتماعيا. نتنياهو راس مالي؟ هو لم يعد كذلك تماما. باراك اشتراك؟ لم يكن بهذه الصفة في اي وقت من الاوقات. اليوم يقطن الاثنان في منازل فاخرة ويسافران في الدرجة الاولى ولديهما صلات وثيقة مع الطغمة الاقتصادية. اما الاثنان الاخران عوفر عيني واورو يوكيف فما زالت الفجوة بينهما قائمة وملموسة. يوغيف من ابناء النواعم والطبقة الثرية، رأس مالي في جوهره هو الذي ابتدع اصلاحات نتنياهو في 2003 وهو نبي الخصخصة وهو صورة معاكسة تماما لعيني القائد العمالي الذي يتصبب عرقا من بئر السبع. لو كانا وحدهما في الغرفة لانتهى الامر بتبادل اللكمات ولكنهما لم يكونا وحدهما.

لم يكن بامكان اشخاص اقوى من عيني ويوغيف ان يتصدوا لاندفاع بيبي وباراك الشديد الى داخل الحكومة المشتركة. عندما بدأت الشمس تطل من الشرق في صبيحة يوم الثلاثاء كان واضحا ان الفجر ينبلج على حكومة نتنياهو الجديدة. كل ما تبقى هو اقناع نواب مؤتمر حزب العمل. عيني قام بهذه المهمة السوداء. هو معتاد على العمل الاسود. في الطريق انطفأ قلبه قليلا عندما سيدرك بعد شهرين انه في اخر المطاف مجرد خادم طيع استخدمه باراك في طريقه (الى اين؟)، سيكون الوقت متأخرا جدا.

الى هنا الرومانسية. اما السياسة فهي شيء اخر مغاير تماما. حكايات الغرام تنتهي عادة بالنحيب والبكاء. فلتسألوا ايهود اولمرت عن ذلك. حكومة نتنياهو – باراك ستمنى بالفشل. ما كان جيدا في وحدة هيئة الاكان الخاصة، سيء في الحياة. ليس لدى اي احد منهما مهارة سياسية حقيقية. كلاهما مصابان بالارتياب ولا يستطيعان العمل مع طاقم واسع ويجدان صعوبة في توزيع الصلاحيات ويحيطان نفسيهما بالاقزام.

نتنياهو اقل سخرية واكثر انسانية من باراك. لديه على الاقل ايديولوجيا. باراك لا يملك هذا ايضا. هو يفتقد للكوابح. كل ما يعنيه هو ان البرنامج السياسي الذي يتيح له مواصلة السير للامام سيكون هناك دائما. هو تحول الى قائد لحزب العمل ورئيس لمعسكر السلام في اسرائيل رغم ان صلته بالعمل وبالسلام ليست عابرة حتى. هو لم يؤمن باوسلو ولا يؤمن بالشريك ويرى الحياة من خلف فوهة البندقية. ليست لديه مشكلة في تفريغ الحزب الذي اقام دولة اسرائيل وتحويله الى هيكل في البورصة ليتعفن ويحمله في طريقه للامام حتى يتلاشى نهائيا. هو سافر الى انابوليس رغم انه لم يؤمن بالعملية. عندما انهار في 2001 لم يتردد في استخدام متطوعي ميرتس حتى يحاول اقامة حملة يائسة في مواجهة اريئيل شارون. بعد خسارته بدقيقة نعت ميرتس بـ "اليسار العميق" واوضح انه "قد مزق القناع من على وجه عرفات". في يوم الثلاثاء الاخير اميط اللثام عن وجه ايهود باراك. الحزب انا، قال فوافق هذا الحزب. باراك حافظ على بقائه ولكن ماذا عن حزبه؟ يبدو ان الجواب هو لا.

قسم السياح؟ بوغي؟

كانت لحزب العمل فرصة. لو بقي في المعارضة لكان من الممكن استنهاض روحه من بين الانقاذ. في يوم الثلاثاء ليلا في حدائق المعارض انكسر. عوفر عيني قرع طبول الطم طم التي ذكر قطيع الخراف بالذئاب التي تنتظرهم في اخر الجبل. هم يعرفون ان الامر سينتهي بجرف سحيق سيسقطون منه بعد قليل، ولكن المهمة بالنسبة لهذا القطيع هو ان يقضم قليلا من العشب قبل ذلك.

الاكثر سخافة من الجميع كان "الطفل الباكي" هذا الذي علق ملصقه في الطابق الـ 31 في اكيروف الا وهو يتسحاق بوغي هرتسوغ. حقا لقد مر بحالة تردد مؤلمة. في كوابيسه يسمع دويا غامضا خارج البيت فينهض متصببا عرقا ويرى العمال وهم يقومون بتحميل كشك الحراسة الصغير الموضوع هناك. ما هو مصيره؟ كيف سيتجول بوغي خاصتنا هذا من دون حراس؟ ومن دون سائق؟ ومن دون مستشارين؟ مع رحلات للخارج في قسم السياح، هكذا من دون تشريفات ومقابلات مع وسائل الاعلام والجاز الذي تتمتع عائلة هرتسوغ به باجيالها المتعاقبة؟

منذ ان صمت في قضية الجمعيات الخاصة بباراك، لم يصمت هرتسوغ مثلما صمت في هذا الاسبوع. وثلاثة ايام متلاحقات؟ "هو انتظر الاتفاق" حتى يقرر، وقد قرر. كنا في حالة توتر. من المثير ان نعرف ما الذي سيقوله في المنافسة القادمة في الانتخابات التمهيدية. فمن المثير ان نعرف ان كان اخوه سيحصل الان اخيرا على رتبة لواء من وزير الدفاع، لان ايهود باراك "مستر امن" الشخص الذي ننام كلنا بفضله هادئين في الليالي (باستثناء سكان جنوب البلاد وبعد قليل في وسطها ايضا)، لم يقرروا بعد ما الذي سيحصل على رتبة لواء ويعين منسقا للعمليات في المناطق من بين الضابطين اللذان يخدمان في ديوانه، ايتان دنغوت او مايك هرتسوغ.

وبالمناسبة، ليست هناك اية حاجة لرتبة لواء من اجل منصب منسق العمليات في المناطق، ذلك لانه لم تتبق هناك مناطق كثيرة ولا حاجة لمنسق بهذه الرتبة، وبامكان مواطن ان يقوم بهذه المهمة بصورة مثلى، ولكن المواطن لا يمتلك ديوان جنرال وتقاعدا مفتخرا وسائقين وحاشية، وبعد ذلك مناصب جذابة في المؤسسات الاكاديمية ومقابلات ومراكز ابحاث وغيرها من التشريفات والاموال والامور التي يمكن للجنرال ان يتفاخر بها حتى فنائه. اذا باراك هو الذي سيقرر.

قبل مدة وجيزة اندفع العميد هرتسوغ هذا الشخص اللطيف والمؤدب عادة وانفجر في وجه وزيره مطالبا اياه بان يحقق الوعد السلطوي الذي حصل عليه خطيا من وزير الدفاع السابق عامير بيرتس. بالمناسبة بيرتس طلب بعد مغادرته للمنصب بان لا ينفذ وعده للعميد هرتسوغ. هو ادرك انه قد وقع في خدعة. اذا فالقرار الان موضوع على طاولة وزير الدفاع.

البقاء والبقاء وحده

وماذا عن الليكود؟ فوضى عارمة. نتنياهو خسر كل ثروته في طريقه للحكم. هو جلب قافلة من النجوم ووعدهم بالسماء والان لم يتبق لديه ما يوزعه عليهم. شاس، ليبرمان وباراك حصلوا على كل شيء تقريبا. لو كانت مصلحة الدولة على راس اولويات نتنياهو وباراك فعلا لكان الامر الوحيد الذي يسيران عليه معا بكل قوة هو تغيير طريقة الحكم. ولكن بما ان مصلحتهما قبل مصالحينا فهذا الامر لن يحدث.

هذه كانت المضيعة الضخمة والهائلة لهذه الانتخابات. وهذه ايضا مضيعة تسيبي لفني التي كان بامكانها ربما ان تنتزع هذا من نتنياهو بدلا من التناوب وكلما عداه من الامور. وهذه ايضا مضيعة شخصية صعبة وشديدة لافيغدور ليبرمان. ليست هناك مسالة اهم من ذلك. الطريقة المتبعة هنا خطيرة بوجود دولة اسرائيل اكثر من القنبلة النووية الايرانية. انظروا ما الذي حدث هنا في الاشهر الاخيرة كم من الطاقة اهدر على هذه اللعبة السياسية الفاسدة والمفسدة. وكيف لا تستطيع دولة باكملها ان تؤدي المنوط بها منذ نصف عام، كلهم يعرقلون بعضهم البعض، يتآمرون ويكيدون ويكولسون ويعدون ولا ينفذون ويدمرون بعضهم البعص، والدولة تنهار خلال ذلك.

ما هي كمية الرشوة التي وزعت هنا. كم من المليارات وما هي الثروات والكنوز التي بيعت. شاس حصدت نصيبها منذ شهر تشرين الاول. وجاء الجميع من بعدها. بين اربعة حتى ثمانية مليارات وزعت لشاس والاصوليين والروس وكل من يمكنه ان يبتز. مقابل ماذا؟ ولماذا؟ لماذا لا يمكن ان نجري عملية انتخابية بسيطة ومنظمة ينتخب في ختامها شخص ما ويحصل على ولاية كاملة مستقلا غير معتمد على احد. شخصا يمكنه ان يعين اشخاصا اختصاصيين في المناصب الحاسمة.

انظروا الى الاشخاص الذين يعينون هنا، لماذا؟ لماذا لا يعين الشخص المناسب في المكان المناسب، وليس ذاك الذي يستطيع شد اكبر قدر من الخيوط او الضغط على الخصي اكثر من غيره؟ كيف يقوم الجميع بشل الجميع، وكم هي الطاقة التي تبذل من اجل بلورة الاتفاقات الائتلافية ومدى الهزل والسخرية والسخافة بين المتداولين وكيف تضيع هذه الدولة من بين اصابع الجميع، المهم ان يحافظ السياسيون وقطيع المساعدين المحيط بهم على امتيازاتهم ومناصبهم.

كلما سيحاول نتنياهو القيام به هو البقاء كرئيس للوزراء. لا يمكن لاي شيء اخر ان يفعل ذلك لانه سيضطر لاحصاء اصابعه في كل صباح ومواصلة التوزيع والكذب واهدار الوقت والوعود التي لا تنفذ والمراوغة يمينا ويسار. وفي اخر المطاف سيسقط. هذه الطريقة الجنونية التي نمارسها في الحكم لا تتيح لاي شخص ان ياتي ويحصل على المفاتيح لاربع سنوات وينفذ الامور بصورة حقيقية. هذه الدولة عالقة. لو حدث هذا الامر في سويسرا لقلنا حسنا. ولكنه يحدث في اسرائيل ابنة الشرق الاوسط والبؤرة الاكثر خطورة وقابلية للاشتعال وتعقيدا في العالم. هذا يحدث في كل مرة من جديد ولا مخلص.