خبر القدس وثقافة المقاومة علي الخليلي

الساعة 09:03 ص|27 مارس 2009

أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية لهذا العام كله، يختلف في معناه ومبناه، وفي توقيته عن واقع العواصم العربية الأخرى التي سبق لها أن كانت في الأعوام الماضية متربعة على قمة هذه الثقافة. ولسوف يختلف أيضاً عن حال العواصم القادمة والباقية في السياق ذاته. ولا خلاف في أن هذا الاختلاف النوعي الصارخ ناتج بأصله وفصله عن أن القدس المعنية رازحة تحت الاحتلال “الإسرائيلي” الإحلالي الاستيطاني المتفاقم إلى حد التهويد المكثف والمستمر لها على مدار الساعة.

 

إلى ذلك، كان من المفترض أن تختلف كل الفعاليات المرتبطة باحتفالية القدس عن كل ما تم في احتفاليات العواصم العربية الأخرى. ولا يقوم هذا الافتراض على عاتق الفلسطينيين وحدهم. ولكنه يقوم بالضرورة على وعي الثقافة العربية كلها لقضية القدس، في العمق الذي تمثله للقضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى الوعي الحضاري لجميع المثقفين على امتداد العالم.

 

سوف أتجاوز الجدل الإداري والسياسي والثقافي الذي رافق القرار في بدايته، لقبولنا أن تكون القدس واحدة من عواصم هذه الثقافة، أسوة ببقية أخواتها من العواصم العربية، بالرغم من كونها تحت الاحتلال. كان الجدل عن التناقض الكامن في حيثيات هذه ال “أسوة”. فكيف يتساوى الحر أو المحرر من جهة، والأسير أو السجين من جهة ثانية؟ وكيف للجوهر القومي، إضافة إلى الجوهر العالمي، في مطلب أو دعوة هذا التساوي، أن يتفادى الوقوع في مستنقع التطبيع الثقافي مع الاحتلال؟ أم أن العكس هو الصحيح، حيث يمكن للثقافة في كل مكان، أن تشارك بما يفوق قوة السلاح المادي، في مقاومة الاحتلال، وفي تعرية المزيد من جرائمه ضد الإنسانية، وضد الحق في الحرية والسلام العادل، أمام الرأي العام العالمي؟

 

صار القبول أخيراً، وصار الانطلاق في الفعاليات على علاتها الإدارية والسياسية والثقافية. وطالما أن الحدث لا يجري في إطار انطلاقته المحدودة ليوم واحد، أو لعدة أيام وأسابيع، وإنما لسنة كاملة منفتحة على الرؤى المبدعة والمتغيرة وفق قوتها المتجددة على إنتاج وتنمية الحركة والمشاركة، فإننا قادرون على تحقيق الاختلاف فعلا لهذه الحدث، أو لهذه الاحتفالية الطويلة، في الأشهر الثمانية أو التسعة المقبلة، حتى اليوم الأخير من هذا العام.

 

لا أدري شيئاً عن الخطط والمشاريع والبرامج التي لا بد أن اللجنة العليا لهذه الاحتفالية، قد وضعتها للتنفيذ في هذه الأشهر، يوماً إثر يوم، أو أسبوعاً بعد أسبوع على الأقل، فهي لم يسبق لها أن نشرت حرفاً عنها، ما يعني أن الحركة الثقافية الفلسطينية بعيدة عن أجواء هذا التنفيذ، بقدر بعدها أصلاً عن التخطيط،، وهو البعد الذي يزداد إيلاماً وقسوة على مستوى الثقافة العربية كلها، ناهيك عن شأنه المفجع في الثقافة العالمية.

 

مع ذلك، أرى أن شعار “القدس توحد ولا تفرق” الذي رفعته هذه اللجنة منذ لحظة نشوئها، يكفي كي يعبر المثقفون والمبدعون من خلاله، إلى آفاق المشاركة، دون التزام بخطة لهم مسبقة، أو مشروع متفق عليه.

 

وإذا كان من المتوقع سلفاً، أن يشهد هذا “العبور” غير المنظم بعض الفوضى، وبعض الارتجال، وربما الهبوط الفني في هذا الجانب أو ذاك من عروضه، فإنه يبقى هو الأفضل من البقاء خارج الحدث، أو البقاء في الهوامش الملحة على النقد، وعلى الرفض.

 

إن فرصة توافق الدول العربية على القدس كعاصمة لثقافتهم لمدة عام كامل، ولو في الوضع المتخاذل لهم إزاء العمل على رفع الاحتلال عنها، يجب أن تعني بالتالي، فرصة للمثقفين العرب، من أجل تحويل هذا التوافق الثقافي الصاعد من قلب التمزق العربي السياسي، إلى إعادة الاعتبار لثقافة المقاومة.