خبر علاج ما حققته المقاومة ..لواء طلعت أحمد مسلم

الساعة 11:20 ص|26 مارس 2009

ـ العرب القطلرية 26/3/2009

في الوقت الذي يستهين فيه بعض القادة العرب بما تفعله المقاومة، حيث يصفها بعضهم بالعبثية، وآخرون يتساءلون عن استراتيجية المقاومة وما يمكن أن تحققه، وكأن هؤلاء القادة قد توصلوا إلى استراتيجية لتحرير الأراضي المحتلة، وقد مضت ستون عاماً وهم يحاولون ولم يجدوا استراتيجية مقبولة، نجد الإدارة الأميركية الجديدة مشغولة بعلاج النتائج الخطيرة التي نجمت عن مقاومة الاحتلال في كل من أفغانستان والعراق.

بعد مرور ست سنوات على بداية الحرب الأميركية على العراق يحاول وزير الدفاع الأميركي أن يصلح ما أفسدته الحرب، فها هو يقوم بتعليق سياسة استبقاء بعض الجنود لأن مهاراتهم مطلوبة في زمن الحرب، وهي سياسة أدت إلى منع حوالي 13 ألف جندي من ترك الخدمة العسكرية حتى يناير الماضي، كما يفكك بعض السياسات التي سببت مصاعب للعسكريين.

منذ غزو العراق عانى بعض الجنود وعائلاتهم من الآثار العضوية الناجمة عن الانتشار وإعادة الانتشار، وارتفعت معدلات الطلاق في القوات المسلحة، كما ارتفعت معدلات الانتحار. ويرى روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي أنه مع اقتراب إنهاء الحرب في العراق تتشكل فرصة لمساعدة العسكريين على العودة إلى الأوضاع الطبيعية، كذلك فقد صرح غيتس بأن وزارة الدفاع قد خالفت الثقة مع الجنود الذين أرادوا ترك الخدمة ولكنهم أجبروا على البقاء خاضعين لسياسة ما سمي «لإيقاف الخسارة». ويقول خبراء أميركيون إن غيتس، بعكس سابقه، يهتم بالناس وبشؤونهم، ويقولون إن كثيراً من أرقام الطلاق والانتحار هي نتيجة لتراكم سني الانتشار ولانفصال الأسر والضغوط النفسية، وإنه سيمضي زمن ليس بالقصير قبل أن تعود هذه الأمور إلى سابق عهدها.

كانت المقاومة قد أجبرت غيتس نفسه على مد مدة الخدمة في العراق إلى 15 شهراً بدلاً من 12، وقد عاد إلى المعدل الأصلي في العام الماضي، كما أصبح أكثر اهتماماً بالجرحى والمصابين وعمل على سرعة إخلاء الجرحى سواء في العراق أو أفغانستان. وفي الشهر الماضي اضطر إلى رفع الحظر الذي استمر فترة طويلة على تغطية عودة نعوش الجنود إلى قاعدة دوفر الجوية في ديلاور قائلاً إن أسر الجنود هم الذين لهم القول الفصل والكلمة النهائية وليست وزارة الدفاع، وقد صرح في أعقاب زيارته الأولى للقاعدة المذكورة، وبعد أن صعد إلى ظهر طائرة ووقف وسط النعوش المغطاة بالعلم ذي الأشرطة والنجوم، بأن الأمر كان شديد الصعوبة، ولما ضغط عليه الصحافيون بالسؤال انسحب بسرعة حتى لا تغلبه العواطف.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل صرح سكرتير وزير الدفاع الصحافي بأنهم يحتاجون إلى أن يفعلوا شيئا يساعد الجنود وأسرهم سواء بحمايتهم أو بالعناية الطبية التي يستحقونها أو الاحترام الذي حصلوا عليه.

ولقد تسببت المقاومة في تغيير برامج تدريب القوات الأميركية لمواجهة الصعوبات التي واجهتها من المقاومة، كما احتاج الأمر إعداد الأسر لمساعدتهم. ويلاحظون أن التدريب يجعل الجنود أكثر ذكاء وأشد قوة وأقدر على قبول ما يحدث، وأن الجيش يلاقي صعوبة ليتخذ خطوات للتغلب على الظروف القاسية التي يواجهها الجنود.

لكن المقاومة لا تسمح للقوات الأميركية بعد بتحقيق ما تهدف إليه، حيث يسعى كل من الجيش الأميركي والمارينز إلى أن يكون الفاصل بين عمل الجندي في الجبهة العراقية أو الأفغانية ضعف الفترة الزمنية التي يقضيها هناك، وهو ما فشلت القيادات الأميركية في تحقيقه حتى الآن، وينتظر أن يؤدي إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان إلى أن يظل هذا الهدف بعيد المنال.

وقد عبرت وزارة الدفاع الأميركية عن رغبتها في خفض عدد الجنود المجبرين على البقاء في الخدمة إلى النصف في منتصف عام 2010 وأن تنهي هذه السياسة تماماً في مارس 2011.

لا شك أن هذا الاتجاه يتوافق مع سياسة الرئيس الجديد القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية والذي قال في خطاب له في قاعدة للمارينز إنه سيعمل على تحسين مرتبات الجنود ويمد من العناية الطبية للمحاربين القدماء كما سيزيد من خدمات العناية اليومية وتدريب العمل لزوجات العسكريين.

لم يكن أي من هذا ممكناً لو أنه لم تكن هناك مقاومة في العراق وأفغانستان ولا كان الرئيس أوباما قد اتخذ قرارا بإنهاء المهام العسكرية في العراق، وهكذا يثبت أن استراتيجية المقاومة قد حققت ما لم تحققه الجيوش، وإن كان الأمر يحتاج إلى تضحيات من جهة، وإلى زمن من جهة أخرى.

ينطبق ما سبق بدرجة ما على المقاومة في فلسطين، وقد تسببت قبل ذلك في انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ومن قطاع غزة، كما حولت ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي من جيش مقاتل إلى قوات بوليسية تطارد المقاومين، وفقدوا صفاتهم القتالية، واكتسبوا صفات اللصوص، الأمر الذي لا بد أن يكون له أثره في نهاية الدولة العنصرية، أما المقاومة فقد اكتسبت مع الزمن صلابة وقدرة على تطوير وسائلها وأساليبها، والاستفادة من أخطائها وأخطاء أعدائها على نحو جعل العدو الصهيوني يعترف بأنه يواجه قوة نظامية وليست عصابات أو إرهابيين كما اعتادوا وصف أعمال المقاومة. أما الخسائر التي يقولون إنها بسيطة فالكثيرون يتجاهلون الخسائر النفسية والتي عادة توصف في بيانات العدو بأنها حالات الهلع وهي في رأيي أشد خطورة من حالات الإصابة والجروح، فالشفاء من الجرح يمكن أن يتحقق بالضمادة وتطهير الجرح وبالمضادات الحيوية، أما حالات الهلع فتتطلب زمناً طويلاً وقد لا تشفى أبداً.

لكن ما سبق يجب ألا يحجب عنا حاجة مقاتلي المقاومة وعائلاتهم إلى العناية، فلا شك أنهم يواجهون حالات صعبة خاصة أن القوى العالمية كلها قد أدارت لهم ظهرها، في حين أن إمكانياتهم محدودة للغاية، ولا مانع من الاستفادة مما تفعله الولايات المتحدة، ولكن طبعا قياس مع فارق الإمكانيات.