خبر القدس ... الآية والتاريخ والعقيدة والبوصلة.. د. حسن أبو حشيش

الساعة 07:37 ص|26 مارس 2009

الحديث عن مدينة القدس بالنسبة لنا كعرب فلسطينيين مسلمين ومسيحيين لا يعني إطلاقا شيئا عاديا أو عابرا ,ولكنه حديث العزة والكرامة والانتماء , حديث العقيدة والفكر والوجدان , حديث الجهاد والعمل والتضحية, حديث الطاعة والعبادة والروح , حديث الجسد والصبر والصمود , حديث الوحدة والتصدي للفرقة والخلاف ... وحديث الثوابت والبوصلة السياسية.

 

القدس لنا هي استحضار لرموز وقادة الأمة  ومن صنعوا لنا العزة والكرامة , ونافحوا بكل ما يملكون عنها , وسلموا الراية عالية دون أن يتنازلوا عن ذرة من  القدس... وإليها كان الإسراء , ومنها كان المعراج , القدس تعني الأنبياء بقيادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وتعني سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ,وتعني  سيدنا داود وسيدنا سليمان عليهما السلام... القدس تعني فاروق الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ورفاقه ,وتعني الناصر صلاح الدين الأيوبي وجيوشه , وتعني السلطان عبد الحميد الثاني وصموده, وتعني الشيخ عز الدين القسام وعصبته , وتعني عبد القادر الحسيني ومواقفه الجهادية في القسطل , وتعني الحاج أمين الحسيني ومشواره الوطني العريق , وتعني البطل أحمد عبد العزيز القائد المصري للمجاهدين المتطوعين، وتعني ياسر عرفات ,وأبو على مصطفى, وفتحي الشقاقي ,وإبراهيم المقادمة , وإسماعيل أبو شنب , وعبد العزيز الرنتيسي ,و جمال منصور , وجمال سليم , وثابت ثابت , واللواء توفيق جبر , والشيخ أحمد ياسين , والدكتور نزار ريان , والقائد سعيد صيام ...القدس تعني مئات القادة بل آلاف القادة.

 

 (ومنهم من ينتظر ).

 

القدس عبق التاريخ ,و جمال الطبيعة , وطهارة الماضي ,وجهاد أجيال وقادة ,ومحور الصراع وبوصلة الجهاد .عليها يُقاتلنا الصهاينة , ومن أجلها ندافع وننافح ونضحي ونثبت.

 

ثورة البراق من أجلها ,انطلاقة القسام من أجلها ,الثورة الكبرى عام 36 م من أجلها ,انتفاضة الأقصى عام 2000 م من أجلها  ...

 

لأنها جزء من جسدنا وماضينا وحاضرنا , ولأنها عقيدتنا وعزتنا , يريدون لنا أن نتنازل عنها ,ويُمارسون علينا كل أساليب الإرهاب والبطش , حاصرونا وحاربونا وشنوا عدواناً كبيراً علينا من أجل أن نعترف بشروط الرباعية , وشروط الرباعية تعني الاعتراف المباشر بكيان الاحتلال , مما يعني أن نعترف له بألا حقوق لنا في القدس وبقية أرضنا .

 

اليوم الكل يفاوض الحركة الإسلامية وفصائل المقاومة الفلسطينية على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات التي وقعها فريق فلسطيني مع الاحتلال كشرط لتشكيل حكومة فلسطينية مرضي عنها عالميا ... ويبذل هذا الفريق الفلسطيني كل جهده ويذهب يمنة ويسره وشمالا وجنوبا لتحقيق ذلك , فلا أدري هل علموا أم لم يعلموا أن بين الاحترام والالتزام تضيع القدس كما اللاجئين وبقية الحقوق ؟!

 

القدس هي مركز الاهتمام والتفكير والتخطيط والفعل ,للاحتلال وللمقاومة، فالاحتلال يسعى لتطهيرها منا , والاستيلاء عليها , وتحويل كل المدينة إلى يهودية بحتة , فيهدم ويقتل ويمنع ويضيق لتحقيق ما يريد ... ونحن ندافع ونقاتل ونصمد ونصد.

 

إن ما يحدث في عكا ويافا وأم الفحم والناصرة والنقب ... بين الفينة والفينة  كله للضغط على شعبنا في هذه المدن كي يوقفوا تحركهم لنصرة القدس.

 

إن التحرك الفلسطيني في جعل القدس عاصمة الثقافة العربية لهذا العام( 2009م ) هو إنجاز مهم ,واستثماره بشكل أمثل وأقصى في غاية الأهمية والمسئولية, ويتطلب توحيد الجهود , وتحييد الأمر عن كل خلاف سياسي , أو أزمات إدارية وحزبية .لأنه القدس فوق الجميع وفوق كل الأزمات .

 

لذلك كم كانت الإساءة كبيرة للقدس، ولكونها محط أنظار كل مثقفي العالم حين خرجت تصريحات فوضوية غير مسئولة عن مسئولين كبار في الضفة حول منع الحكومة في غزة الاحتفال بالقدس عاصمة الثقافة , وكم كان الاستهتار والإهانة للقدس حين ربطوا منع الاحتلال مع منع الحكومة كما يفترون . أم أن التاريخ يقف عند قرار هؤلاء , والفعل يجب أن يتوقف من الجميع , وكله لاغي وغير وطني وغير قانوني إلا فعلهم ؟!  حتى لو كانوا نياما واستيقظوا للفجر وسط النهار!!! لقد انطلقت الحكومة في غزة للاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية منذ شهر تقريبا, وشاهد كل العالم الاحتفالية التي كانت على أنقاض مبنى الشرعية البرلمانية الفلسطينية المُهدم بفعل العدوان على غزة , وتوالت الفعاليات الفنية والأدبية وما زالت. وللأسف لم تنطلق بنفس اللحظة من الضفة الغربية للاعتبارات السياسية والحزبية , فهل يُعقل عندما تريد حكومة فياض الانطلاق إلغاء الآخر وكأنه غير موجود , وتنطلق من أول وجديد ؟! أليس هذا عيبا ؟! أليس هذا تجاوزا للقدس وتاريخها, ونبل المقصد من وراء العمل لأجلها ؟! من المُفترض أن يكون الاهتمام في الضفة والقدس مكملاً لغزة , وتجاوز حساسيات النفسيات المريضة على الأقل شكليا احتراما للقدس .

 

ستبقى القدس في العيون والقلوب وبوصلة الفكر والسلوك , وستتجاوز كل دعوات شطبها من الأجندة الوطنية الفلسطينية , وإن كان الشاطب فلسطينيا أو عربيا أو مسلما.