خبر 30 عامـاً علـى معاهـدة «كامـب ديفيـد» ..اميرة هويدي

الساعة 07:36 ص|26 مارس 2009

مصر بين غزة و«حكمة» السلام و«شرعية» النظام

30 عامـاً علـى معاهـدة «كامـب ديفيـد» ..اميرة هويدي

السفير اللبنانية

منذ مطلع العام 2009، والأجواء في مصر تُذكر كثيرا بالمناخ الذي كان سائدا منذ عقود، عندما وقع الرئيس انور السادات «معاهدة كامب ديفيد» مع اسرائيل في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين سنة.

الإعلام الرسمي والمسؤولون، كما كانت الحال منذ ثلاثين عاماً، في حالة دفاع عن مصر التي «قدمت تضحيات من أجل القضية الفلسطينية» و«حاربت من أجل» فلسطين والعرب، والهجوم على الفلسطينيين الذين «انتهكوا سيادة مصر» في العام الماضي عندما اقتحموا معبر رفح من غزة المحاصرة. ومثلما انتقدت منظمة التحرير الفلسطينية وأثارت غضب السادات لقيامها بعمليات فدائية بينما يروج لمبادرة السلام مع اسرائيل، تلقت حركة حماس قسطا وافرا من الهجوم واتهامات بالتبعية لأجندة إيرانية، ونكران جميل مصر. ومثلما ركز إعلام الدولة أيام السادات على «مزايا السلام»، أعيد أخيرا، بقوة أشد، ربما، التأكيد الإعلامي على حكمة «خيار» السلام الذي أتاح لمصر استقرارا ما كان ليتحقق بعكس ذلك. وبرزت ايضا مصطلحات جديدة كـ«ثقافة الموت» في إشارة الى خيار المقاومة رغم التفوق الاسرائيلي العسكري، مقابل «ثقافة الحياة» التي تتيحها اتفاقيات السلام.

وعلى الرغم من الجدل التي أثارته والتحولات الاقليمية الخطيرة التي أعقبتها، لم تكن أشباح معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية حاضرة، طوال العقود الثلاثة الماضية، مثلما هي حاضرة اليوم. ومثلما ارتبط المكان، وهو معسكر «كامب ديفيد» الاميركي، باتفاقية 26 آذار 1979 التي وقعت في واشنطن، أعادت «غزة» شبح الاتفاقية في العام 2009. هذا لان حرب الـ22 يوما التي شنتها اسرائيل على القطاع الواقع على حدود مصر الشمالية الشرقية، وضعت مصر، من دون إرادتها، في قلب الصراع الذي اختارت الابتعاد عنه في العام 1979.

فجاء تهديد اسرائيل بتدمير حماس، عن طريق وزيرة الخارجية تسيبي ليفني من العاصمة المصرية وذلك قبل الحرب بـ48 ساعة. ووجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق عندما طالبها العالم بفتح معبر رفح الحدودي، وهو المنفذ المنقذ الوحيد للغزاويين الواقعين تحت القصف الاسرائيلي الوحشي. إلا أن المعبر ظل مغلقا، باستثناء بعض الحالات «الانسانية» التي فُتح من أجلها، ومُنعت شحنات الإغاثة من دخول رفح، وظلت القاهرة تدافع عن موقفها بأنها ملتزمة باتفاقية المعابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

وفي الداخل، منعت التظاهرات المؤيدة لغزة في القاهرة، وإن سمح بها في المحافظات، ومنعت قوافل الإغاثة الشعبية من العبور الى غزة وفي أحيان كثيرة من الخروج من القاهرة. كما اعتقلت السلطات الامنية ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص من المنتمين للاخوان المسلمين أثناء تظاهرات نصرة غزة، ومن النشطاء والمدونين غير الإسلاميين.

ومع استمرار الحرب وارتفاع أعداد الشهداء، تصاعدت الأصوات في مصر داخل البرلمان وفي الصحف المستقلة، مطالبة الحكومة بوقف إمداد اسرائيل بالغاز والطاقة، وهو ما لم يحدث، كما لم يفتح المعبر. ومع تصاعد الغضب الشعبي، رغم الآلة الإعلامية الهائلة، فرض السؤال الكبير نفسه: هل تتخذ مصر هذا الموقف، بسبب معاهدة السلام؟

يقول مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية» محمد سيف الدولة المتخصص في الشؤون الاسرئيلية، ان اعتراف السادات بإسرائيل ترتب عليه «القبول بكونها دولة طبيعية، وبحقها في الدفاع عن نفسها ضد الذين لا يعترفون لها بالوجود، مثل حماس والمقاومة عموما». وربما يفسر هذا الرأي ما يظهر انه ازدواجية النظام المصري في التعامل مع هذه القضية.

إلا أن آخرين، مثل أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، يتحدثون عن تحول تراكمي عقب معاهدة السلام، وضع سياسة مصر الخارجية محل الكثير من التساؤلات. ويقول نافعة إن «تحولا جوهريا» حدث في نظرية الأمن الوطني المصري عقب إبرام السادات معاهدة سلام منفرد مع إسرائيل، «وراح هذا التحول يتجذر ويزداد رسوخا بالتوازي مع نجاح مبارك في إخراج مصر من عزلتها الدولية والإقليمية من دون المساس بالمعاهدة مع إسرائيل. وكان من الطبيعي، في هذا السياق، أن يتضاءل موقع ومكانة المشرق العربي في مفهوم الأمن الوطني المصري بعدما تقلصت خطوطه لتتطابق مع حدود مصر التاريخية أو الجغرافية».

وبناء على هذا المفهوم للمصلحة الوطنية، حرصت مصر تحت حكم مبارك على «بلورة علاقة تعاون استراتيجي مع أميركا وتكييف علاقة مصر مع إسرائيل في الحدود التي تحافظ على تماسك هذه العلاقة». ولان «فتح الابواب الاميركية المغلقة لا يتم عبر اسرائيل»، حسب نافعة، فقد شهدت العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية تحسنا ملحوظا في السنوات الاخيرة، جسده قرار الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام، وتوقيع اتفاقية الكويز وابرام صفقة الغاز مع اسرائيل.

ورغم ان هذه التطورات جاءت على خلفية معاهدة السلام، فهناك آراء ترى أن سياسة الرئيس مبارك وعلاقة مصر بإسرائيل، ليست مقيدة تماما بالمعاهدة كما يظن البعض. ويقول الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية صفوت الزيات لـ«السفير» إن «الفكر الاستراتيجي الابداعي لصانع القرار المصري لم يتطور بعد 1979، رغم إمكانية ذلك، ان أراد، ليحتفظ بمسافة تتيح له الاستقلال عن المسار الاميركي. هناك النموذج التركي مثلا، الذي أخذ موقفا مستقلا خلال حرب العراق» من خلال رفض المشاركة في الغزو أو تقديم تسهيلات له.

وطبقا للمادة الرابعة في معاهدة كامب ديفيد، فإنه من حق أحد الطرفين إعادة النظر في الترتبيات الامنية المنصوص عليها وتعديلها باتفاق الطرفين. وفي حالة نشوب خلاف، تحال الى التحكيم الاممي.

يقول الزيات إن «معاهدة السلام كانت ظرفا تاريخياً، ولكن تلك المعاهدة ليست أبدية». إلا ان الخطاب المصري الرسمي لا يتمسك بالمعاهدة فحسب، بل يكاد يضعها، بالتزامه التام تجاهها وكذلك عشرات الاتفاقات التي تلتها، في مقام العقيدة السياسية التي لا تمس. ولعل تصريح المستشار السياسي السابق لمبارك، اسامة الباز في العام 2004 عقب تفجير فندق هيلتون طابا في سيناء بضرورة إعادة النظر في الترتيبات الامنية المتعلقة بالمعاهدة لتعزيز الامن المصري فيها، هو الاول، والاخير من نوعه، الذي يشير الى الوضع الامني في سيناء المترتب على معاهدة السلام.

وطبقا للمعاهدة، فإن سيناء، وهي أكبر من مساحة «اسرائيل»، مقسمة الى ثلاث مناطق افقية ـ أ، ب، ج ـ تم تحديد الوجود الامني المصري فيها، وكذلك أسلحته، طبقا للمعاهدة التي تنص على ان المنطقة «ج» وهي ثلث مساحة سيناء الملاصقة للحدود مع غزة واسرائيل، يقف عليها فقط حرس حدود ـ ليس الجيش المصري ـ بأسلحة خفيفة. وبموجب اتفاق لم يعلن عن تفاصيله، بين مصر واسرائيل في العام 2005 لتأمين خروج اسرائيل من غزة، وافقت تل أبيب على السماح بزيادة عدد حرس الحدود المصري الى 750 فردا (مصر طلبت 2500)، مهمتهم تأمين ممر صلاح الدين الذي يفصل بين رفح مصر وغزة، ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والأنفاق.

«سيناء حاليا منطقة سياحية رخوة، يدخلها الاسرائيليون من دون تأشيرة لمدة 15 يوما»، يقول سيف الدولة، الباحث في الشؤون الاسرائيلية. ويضيف ان بإمكان مصر ان «تؤمن» سيناء من دون انتهاك المعاهدة بأن تُعَمَر وتتحول الى منطقة سكنية منتجة ويتم استيعاب البدو فيها. «لأنها بهذا الشكل (الحالي) يمكن احتلالها خلال 48 ساعة من قبل اسرائيل، وهذا هو أخطر ما في معاهدة السلام»، قال لـ«السفير».

المفارقة ان الخطاب الرسمي يحذر، لا من هذه المخاوف، بل من «انتهاك» الفلسطينيين «سيادة مصر» كما فعلوا عندما اقتحموا معبر رفح في كانون الثاني 2008. والرسالة هنا، في رأى سيف الدولة، موجهة لإسرائيل والولايات المتحدة. يقول «تمسك النظام المصري بكامب ديفيد، هو في حقيقته تمسك بشرعيته المستمدة من تلك الاتفاقية، لا بالاتفاقية نفسها».