خبر مسؤول فلسطيني: نحن بحاجة لخبراء دوليين لعمل مسح بيئي بعد انتشار الفسفور الأبيض في الحقول والمياه الجوفية

الساعة 10:17 ص|25 مارس 2009

الفسفور الأبيض يسرق فرحة الحصاد من المزارع أبو عجوة ويدمر محصوله

مسؤول فلسطيني: نحن بحاجة لخبراء دوليين لعمل مسح بيئي بعد انتشار الفسفور الأبيض في الحقول والمياه الجوفية

فلسطين اليوم – غزة

يخشى المزارع الفلسطيني قدوم أيام الحصاد خلافا لكل المزارعين في العالم، وذلك نظرا لما تعرضت لها حقولهم خلال الحرب للفسفور الأبيض والمواد المشعة المحرمة دوليا التي دمرتها ودمرت التربة بشكل كبير.

 

حاول أول أيام الحرب على غزة قبل ثلاثة شهور أن يتحامل ويواصل زراعة 20 دونما بالقمح لتنضم لأخواتها الخمسة والستين، واليوم يضرب أخماسا في أسداس عاجزا عن فعل شيء.

 

يهرع المزارع رزق أبو عجوة إلى حقل القمح جنوب مفترق الشهداء بغزة عقب اتصالات الجيران، يخبروه في كل مرة أن النار اشتعلت في حقل القمح حيث لازالت بقايا قذائف الفسفور تشتعل بين الحين والآخر وتلتهم مزيدا من سنابله الذهبية.

 

يسعد الناس في غزة بارتفاع الحرارة في شهر آذار (مارس) لكن قلبه وحده يخفق خوفا وهو يترقب اتصال جديد عن كارثة محتملة.

 

وكانت قوات الاحتلال استخدمت قذائف الفسفور الأبيض في الحرب على غزة ما أدى لاستشهاد وإصابة مئات المواطنين وتدمير مساحات واسعة جدا من الأراضي الزراعية فيما لا تتمكن الجهات المعنية في غزة حتى اليوم من التعامل مع آثار الفسفور وبقية القذائف السامة والخطرة مجهولة الهوية.

 

في أول زيارة له لحقل القمح عقب انتهاء الحرب تنفس الصعداء لأن الجرافات الإسرائيلية لم تدمر له سوى دونم واحد من أصل خمسة وستين، في نفسه قرر ألا يخبر وزارة الزراعة أو لجان الأضرار لكن رائحة نفّاثة داهمت أنفه تلفت حوله فرأى دخانا أبيض ناجم عن بقايا الفسفور وهكذا تكررت القصة خمس مرات والبقية تأتي فقد عانى رزق لعدة أيام من مضاعفات استنشاقه للفسفور الأبيض فشعر على مدى عدة أيام باحمرار في وجهه وشعور غريب من أثر الفسفور.

 

بقبعة صيفية وساعدين مكشوفين يتنقل المزارع رزق بين سنابل القمح ينحني أحيانا ويرتفع أخرى دالاّ عن بقايا القذائف الفسفورية, لا يتناسب  صوت العصافير وتحليق الفراشات مع حساباته المرعبة، ينخفض رزق ممسكا بقطع صدئة من بقايا القذائف الفسفورية مضيفا "هذه واحدة وانظر على الأرض هذه بقايا القذائف لازالت تشكل خطرا فمن الممكن أن تشتعل في أي وقت" وتحمل الشظايا لونا أسود مائل للحمرة من الممكن أن تشتعل فيها النار بمجرد تحريكها وتعرضها للهواء.

 

وكانت قوات الاحتلال أطلقت عشرات القذائف الفسفورية في محيط محررة نتساريم التي تمركزت فيها الدبابات والإسرائيلية، أيام العدوان البري خلال الحرب الأخيرة على غزة.

 

وقد تسبب ارتفاع درجة الحرارة خلال الأسابيع الماضية باشتعال شظايا الفسفور ما أشعل النار في سنابل القمح الأمر الذي يبشر بحرائق مرتقبة مستقبلا.

 

كما تسببت قذائف وصواريخ الجيش الإسرائيلي بإحداث حفر متفاوتة العمق والحجم تماما كأنها جحور أفاعي في حقل القمح لكن الخوف بالأساس هو من بقايا الفسفور على وشك الاشتعال في أي وقت.

 

يمسك المزارع رزق بيده كومة من التقارير والأوراق التي لم تمكنه من حل المشكلة حتى الآن فالقمح على وشك الاشتعال في أي وقت والمؤسسات الحكومية والطواقم المعنية لا تستطيع مساعدته , يداعب بحذائه بعض الشظايا مضيفا "لاحظ هذه شظايا كبيرة نوعا ما الشظايا التي اشتعلت في المرات السابقة أصغر حجما فما بالك لو اشتعلت الشظايا الكبيرة".

 

ويعمل المزارع  رزق في قطعة أرض تتبع للجامعة الإسلامية للعام الثاني على التوالي حيث يعتاش منها هو وأسرته المكونة من ستة أفراد.

 

توجه المزارع رزق إلى وزارة الزراعة ووزارة الصحة والطب الوقائي التي لم تتمكن من مساعدته مضيفا "توجهت للطب الوقائي فجاءوا وعاينوا المكان وكتبوا تقرير وأخبروني أن حقل القمح هذا يشكل خطرا علي وعلى العمال ثم توجهت لوزارة الزراعة وقالوا لا نستطيع فعل شيء وكذلك الدفاع المدني والشرطة!! والآن أنا حائر في الأمر فلا زلت انتظر ورقة رسمية من الدفاع المدني تؤكد أنهم لا يستطيعوا السيطرة على الأمر".

 

وقال مسئول الطب الوقائي في وسط القطاع د.بشار شحادة إنهم تلقوا شكوى من المزارع أبو عجوة تفيد بانتشار قذائف الفسفور في الحقل مضيفا "قمنا بمعاينة المكان فوجدنا الفسفور منتشر في كامل قطعة الأرض بشكل غريب إضافة إلى وجود قذائف أحدثت حفر في المكان".

 

وألمح شحادة أن الخطورة تكمن في كون القمح إذا جف سريع الاشتعال وأن أي محرك لشظايا الفسفور وتعرضها للهواء يتسبب في إشعال النار حيث تنتشر الشظايا في كل الحقل.

 

وأكد أن الأجواء الماطرة قد تؤخر خطورة الأمر إلى حين لكن ارتفاع الحرارة في الأسابيع القادمة قد تتسبب في كارثة يتولى المسئولية عنها أكثر من جهة بينما أوصى الطب الوقائي المزارع أبو عجوة بعدم دخول حقل القمح أو العمل فيه لأنه يشكل خطرا على صحته.

 

ويلخص مدير وزارة الزراعة في غزة المهندس ماهر أبو كميل أثر القذائف خلال الحرب قائلا "حدث تأثير على الناحية الطبوغرافية حيث قامت الجرافات الإسرائيلية بعمل كثبان وتجريف مساحات زراعية واسعة غيرت معالم الأرض كما تسبب قصف طيران الإف 16 في إحداث حفر عميقة فكل صاروخ دمر على الأقل  دونما واحدا من الأشجار بها ما متوسطه 40 شجرة بينما كانت قطر كل حفرة من 15-20 متر أما القذائف الفسفورية فلا زالت موجودة في التربة وحقول القمح والشعير والبصل والثوم والخضار ولها أثر مباشر وغير مباشر على الإنسان".

 

ويرى أبوكميل أن الفسفور واليورانيوم الذي استخدمته قوات الاحتلال الإسرائيلي ينزل بفعل مياه الأمطار إلى المخزون الجوفي للمياه حيث أطلقت قذائف الفسفور بكثافة فوق المناطق المفتوحة وفوق المباني.

 

وأكد أن وزارة الزراعة بحاجة إلى خبراء للقيام بمسح بيئي وتحديد ماهية العناصر التي تحتويها القذائف التي أثرت أيضا على قطاع الثروة الحيوانية مضيفا "بخصوص حقل القمح للمزارع أبو عجوة فهذه مشكلة ليس لها حل في وزارتنا لأن الفسفور عبارة عن قطع متناثرة عددها كبير جدا والخطورة تكمن في الأسابيع القادمة أما الآن فلا زال القمح أخضر".

 

وأوضح أبو كميل أن الفسفور أصاب أيضا بعض حقول البصل والثوم في حي الزيتون جنوب مدينة غزة بينما يعد حقل المزارع أبو عجوة حالة فريدة من نوعها بالنسبة لباقي مناطق قطاع غزة.

 

ولا يقتصر الخطر على احتمال اشتعال النيران في أي وقت بل إن جميع الأرضي والمزروعات التي تعرضت للقصف بقذائف الفسفور قد تشكل خطرا على الاستهلاك الآدمي عموما.