خبر مع كل الاحترام للقيم .. معاريف

الساعة 09:10 ص|23 مارس 2009

بقلم: عاموس جلبوع

الحركات العامة التي ترمي الى الضغط على الحكومة للاخذ بعمل شيء معياري في اسرائيل. مثل "مظاهرة الـ 400 الف" بعد المجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا في 1982، التي اضطرت بيغن الى تعيين لجنة تحقيق. والحركة "البرتقالية"، التي ضغطت على شارون في 2005 كي لا ينفذ "الانفصال"، فشلت ولم تقفه. والامثلة تبلغ العشرات. وكذلك حركة تحرير جلعاد شليت هي حركة اخرى من حركات الضغط العام المعياري، لكنها في رأيي لها مميزات شاذة تجعلها متميزة.

لماذا؟ اولا، الحركة العامة على نحو عام تضغط على الحكومة لان هذه الاخيرة قادرة على ان تنفذ وحدها، وبقواها الخاصة، المطلوب منها وهو: ان تقيم لجنة تحقيق، وان تخلي المواقع الاستيطانية وما اشبه ذلك. هي العنوان الوحيد. في حالة شليت، لا يجب ان يكون عنوان الضغط الاول هو حكومة اسرائيل، لان جلعاد شليت ليس اسيرها. هو اسير حماس. لهذا يقرر المنطق ان الضغط الرئيس كان يجب ان يكون موجها الى حماس، والى عائلات السجناء الفلسطينيين، والى الصليب الاحمر والى منظمات حقوق الانسان واشباهها.

ثانيا، تجنيد الاعلام نفسه من اجل الحركة لم يكن له شبيه من قبل. فكل الاعلام تقريبا، المطبوع والالكتروني، قام من وراء الصرخة العامة لاطلاق جلعاد وبقوة. بتغطية واسعة، وبدراماتية عاطفية اظهرت من جملة ما اظهرت به بواسطة عد ايام الاسر.

ثالثا، كان ها هنا استعداد مبدئي وعملي لمقاربة جميع مطالب حماس. كان ها هنا ضغط على حكومة اسرائيل وعلى رئيس حكومتها للخضوع لابتزاز حماس ونزواتها. وكان ها هنا ضغط على رئيس الحكومة للقيام بعمل الخضوع سريعا، ومن الفور، والان، وفي مدة ولايته.

رابعا، يعتمد الضغط للخضوع للابتزاز على ايديولوجية قيمية تقول في اساسها ما يلي: لا توجد لنتائج الخضوع المختلفة اهمية في الواقع، لانها تلغى ازاء القيم المقدسة لعدم التخلي عن الجنود الذين تعاقدت الدولة معهم تعاقدا غير مكتوب ومن الواجب عليها ان تعيدهم مهما يكن الثمن.

ان كرامة القيم لا مساس بها بطبيعة الامر. المشكلة في رأيي هو انه يوجد في الواقع دائما مواجهة بين القيم المتناقضة، وان للقيم حدود ايضا. اذا مضينا بحسب منطق ان اعادة شليت لا ثمن لها، او بعبارة اخرى لا يهم ما تكون نتائج اعادته – فانه لن يوجد انذاك حد لمطالب الخاطفين (الفلسطينيين وحزب الله) عوض جندي اسرائيلي اسير. هم يطلبون الان عوض منه اسراهم. وفي الغد سيثيرون مطالب اخرى، عسكرية او سياسية. مثل ان تكف اسرائيل عن الطيران في سماء لبنان؛ وان تكف اسرائيل عن جولات استطلاعية على طول الحدود؛ وان تزيل اسرائيل الحواجز وما اشبه. بعبارة اخرى، ان تصور انه "لا ثمن" لاعادة الجندي جلعاد خطر على نحو فريد، ويتجاوز مجال الاسرى الضيق.

ليس عندي تفسير جيد لظاهرة "باي ثمن" هذه التي تتجاهل تماما النتائج، لكنني اود ان اقول كلمة لرئيس الحكومة اولمرت: كان تصور مواجهتك لقضية جلعاد في رأيي مخطوءا منذ البدء. لم تبذل كل جهد ممكن للضغط الحقيقي على حماس، وتجاوزت خطوطا حمراء. لكن يجب ان ننزع امامك القبعات احتراما لانك وقفت في الدقيقة الاخيرة على شفا الهاوية وقررت انه ما تزال توجد دولة في اسرائيل مع مصالح قومية حيوية.

لن يكون امتحان نتنياهو الاول كما يبدو في المجال الايراني، بل بالتوجه الاستراتيجي الذي سيأخذ به مع حماس عامة، وفي قضية شليت خاصة.