خبر غزيون يتحدون الحصار والنظام لكسب قوت أطفالهم

الساعة 06:33 ص|23 مارس 2009

فلسطين اليوم-غزة

لا يمر يوم إلا وتطأ قدم الفلسطيني أبو إبراهيم ميدان فلسطين "الساحة" في مدينة غزة ليسوق منتجات محلية "نثريات" يصنعها بنفسه بإمكانات متواضعة.  

وورث الستيني أبو إبراهيم هذه المهنة عن والده واعتاد على ممارستها منذ أن كون أسرة أصبح عددها الآن تسعه أفراد. 

وفي ميدان "فلسطين" يقف عشرات البائعين خلف "بسطات" يتم تفكيكها يدوياً، يسوقون بطاريات كهربائية وسكاكر وعطور مركبة، ومسابح، وجوارب، ومقصات، وأدوات لصق، وطيور، وأشياء أخرى.

لكن هذا الواقع تغير في ظل النظام الذي فرضته الشرطة الفلسطينية بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة المحاصر منذ واحد وعشرين شهراً.

يقول أبو إبراهيم وعيناه تتفقد أي تفتيش شرطي: "لا يمكن أن أنسى هذا المكان الذي أمضيت معظم أيام حياتي فيه، فأنا أسكن على بعد مئات أمتار من هذا المكان ، ولا زلت أتذكر نفسي عندما كنت صغيرا وأنا ألعب بالقرب من هذا المكان الذي ترعرعت فيه".

وتابع قائلاً: "هذه البسطة الصغيرة كان يعمل عليها والدي منذ ثلاثين عاما وبعد وفاته أكملت مشواره في هذه المهنة بهدف كسب قوت أبنائي التسعة".

ورغم شكواه من ملاحقة الشرطة لبسطته، حيث يخشى أن تصادرها بما فيها، يقول أبو إبراهيم: "أعاود الى بيتي في المساء بغلة لا تتجاوز العشرين شيقلا، المهم أني بروح خبزاتي وأكلي على بيتي".

ويشتري أبو إبراهيم بضاعته من البسطات المجاورة لبسطته بحدود  خمسة وعشرين شيقلا وتكون بالدين، حيث يقوم بتسديده على دفعات بعد أشهر قليلة.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد مقداد: إن الاقتصاد الشعبي والذي يحمل مسميات عدة كالاقتصاد الأسود واقتصاد الظل يشكل نسبة كبيرة بين فئات المجتمع المحلي من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي تشكل أغلبية سكان القطاع.

ولم يختلف حال العجوز الستينية أم أحمد عن حال سابقها (أبو إبراهيم) في "تبسيطها" في نفس المكان ولنفس السبب تبيع منذ سنوات، فهي تضع العديد من أكياس السكر والطحين والسيرج  أمام المارة ذهابا وإيابا.

تقول: إنها تحصل على هذه المواد من وكالة الغوث والمؤن ووزارة الشؤون الاجتماعية لتبيعها للمارة كي تسد حاجاتها الأخرى، مشيرة الى أنها تبيع جزءا من هذه المواد حتى تستطيع أن تشتري أشياء أخرى لا تحصل عليها من الشؤون ووكالة الأونروا.

وبالنسبة للإقبال على هذه المواد التي تبيعها، تقول أم أحمد :"إن البعض ممن لا يحصلون على الشؤون والمؤن وخصوصا من الموظفين يشترون هذه المواد، خاصة أنها أرخص من المواد الموجودة في المحال المجاورة، مشيرة الى أن سعر رطل السكر الواحد يتراوح بين9- 10 شواقل.

ويشير د.مقداد الى الأسباب التي تجعل الاقتصاد الشعبي سائدا بين المجتمعات، والتي تتمثل في أن الاقتصاد الطبيعي غير فاعل بسبب الإجراءات الإسرائيلية والحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، حيث إن الاقتصاد الفلسطيني في غزة يكاد يبلغ مستوى الصفر في ظل الحصار فلم يعد هناك استيراد ولا تصدير للمواد الخام وهناك شلل شبه كامل للقطاعات الصناعية، وأضاف:"في ظل هذه الأوضاع يبحث المجتمع الفلسطيني عن مجالات أخرى تسمى "الشعبية" مثل تجارة الأنفاق التي تمكن المجتمع من العيش ولو القليل.

وعند المرور أمام بلدية مدينة غزة تسمع أحد الباعة المتجولين، أبو سعيد، ينادي "خبز بسمسم بالزعتر".

أبو سعيد، الذي يبيع الخبز في وسط المدينة منذ أكثر من خمسة أعوام، يقول: إن خبزه "يصنع يدويا وليس بالمخابز الآلية، فخبزي له طعم ورائحة مميزة".

ويبيع أبو سعيد الرغيف الواحد من دون "حشوة " بشيقل واحد، فيما يباع الرغيف الواحد مع حشوة الزعتر بشيقل ونصف الشيقل.

ويشير الى انه يجني ما يقارب العشرين شيقلا في اليوم الواحد من مهنته تلك، لافتا الى أنه يستفيق في الساعة الخامسة صباحا، حيث يشكل المصلين لصلاة الفجر أهم زبائنه بالإضافة إلى طلاب المدارس.

في أحد أطراف ميدان فلسطين تجلس الحاجة أم حسن العمري ( 59عاماً) وقد ارتدت الثوب الفلاحي أمامها بضع حزم من النعناع والجرجير، وقد بدت عيناها الذابلتان  ملأى بالكثير من المعاناة، حيث قالت بصوتٍ فيه شجن:"منذ ثلاثين عاما وأنا آتي إلى هنا، وبالرغم من أنه يوجد لدي أربعة أبناء، إلا أنه لا أحد منهم يعمل سوى واحد، وأنا من أنفق عليهم وعلى عائلاتهم".

وبقلب راضٍ ومحب، أضافت :"لا أعيش بالقرب من هنا ولكني أعتبر نفسي من أهل السوق والمنطقة، خاصة أن أصحاب المحلات يتعاملون معنا باحترام، و"العشرة ما بتهون إلا على أولاد الحرام"ن كما أضافت.  

وبغصّة ألم تابعت :"في الشتاء نتحمل كثيراً من المعاناة ونحن نجلس على قارعة الطريق، لكن "الرزق يحب الخفية"، ولا باب أمامي سوى هذا السوق الذي أصبح جزءاً مني".

ويوضح مقداد أن الاقتصاد الشعبي هو في الواقع من ضمن الناتج القومي ولكنه لا يدخل ضمن حسبة الناتج المحلي الإجمالي، ما ينعكس على دقة الرقم المعلن للدخل المحلي الإجمالي.

غير أن د.مقداد يجد بعض الإيجابيات لهذا النوع من الاقتصاد، والتي تتمثل بامتصاص فئة كبيرة من العاطلين عن العمل غير القادرين على الحصول على وظائف رسمية.

ويبين أنه لا يتوجب على الحكومة أن تحارب هذه الظاهرة إلا إذا قامت هي بتوفير بديل عن هذه الظاهرة وذلك بتوفير فرص عمل كافية لهم.