خبر إحصائيات : 317 ألف طالب يعانون من ضائقة مالية

الساعة 06:27 ص|23 مارس 2009

فلسطين اليوم-رام الله

على أنغام نشيد "موطني" يقفون كل صباح قبل بدء يومهم الدراسي الجديد، إنهم فتية فلسطين وعماد مستقبلها الذين يقبلون على التعليم في المدارس والجامعات المختلفة، ليتخرجوا منها ثروة وطنية حقيقية طالما كانت منارة للعلم وباعثا للحضارة التي أنارت الكثير من معالم البلدان.

لكن الواقع التعليمي في الضفة الغربية آخذ بالتراجع بصورة كبيرة، في ظل معيقات كثيرة تقف في وجه مسيرته التي طالما اعتبرها الفلسطينيون ثروتهم القومية الوحيدة، فما هي حقيقة هذا التراجع؟ وما هي المعطيات التي تشير إلى حدوثه؟ أين تتركز الأزمة؟ وما هي المعطيات القائمة؟ أسئلة كثيرة تحاول "فلسطين" الإجابة عنها ملامسة الخلل كخطوة أولى على طريق إصلاحه.

نظرة استطلاعية

تتوزع المراكز التعليمية في فلسطين إلى ثلاث مناطق وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، حيث تعاني القطاعات الثلاث من مشاكل عامة لا تخرج عن دائرة الإمكانات، ومنها قلة المدارس، وضيق الصفوف التعليمية، ونقص المدرسين، إضافة إلى كثرة الطلبة.

وتقول إحصائيات لمؤسسات غير حكومية فلسطينية: إن المدارس الحكومية تستوعب نسبة 70% من الطلبة أما الباقي فهم يتوزعون على مدارس الاونروا "وكالة الغوث" وعلى المدارس الخاصة، فيما يتسرب ما بين 7-10% من الأطفال في سن التعليم خارج المدارس.

وحفلت لقاءات مراسل فلسطين مع عدد من التربويين والمختصين في هذا المجال بذكر القصص التي تبين حقيقة التراجع التعليمي في فلسطين كما يقول الأستاذ مروان محبوبة "42 "عاما وهو مشرف تربوي في تخصص اللغة الانجليزية:" في إحدى المدارس الثانوية الحكومية وخلال زيارة وفد أجنبي، طلب رئيس الوفد من طالب من الصفوف العليا، كتابة اسمه باللغة الانجليزية، و كانت المفاجأة ان الطالب لم يستطع كتابة اسمه ".

ومن جانبه قال المشرف التربوي جمال عبد اللطيف:" للأسف نحن نواجه أزمة تعليم، المعلمون يجتهدون لتقديم أقصى ما يمكنهم للطالب لكن هناك مشكلات كثيرة".

ومن المشكلات التي يراها عبد اللطيف القوانين التربوية التي منحت الطلاب من وجهة نظره حرية زائدة عن الحد الذي يمكن فيه ضبطهم، وبالتالي أصبح المعلم يصرف الكثير من الوقت والجهد لضبط الصف على حساب التعليم والشرح".

كما يبين ذات الموجه الذي أوشك على التقاعد أن المناهج الفلسطينية أعقد من مستوى فهم الطالب و تسبق المستوى الذهني لهم بعام كامل، قائلا:" باعتقادي لو قدمنا منهاج الصف التاسع مثلا للصف العاشر سيكون من السهل عليهم التعامل معه أكثر من تعاملهم مع منهاجهم، هذه مسألة تحتاج لدراسة واتخاذ القرار المناسب".

ويرى أن زخم المنهاج يعد سببا آخر لعدم قدرة الطلبة على الاستيعاب، مضيفا:" باعتقادي أن مادة الفصل الواحد لبعض الصفوف مثل الرياضيات والعلوم في الفصل الثاني للصف العاشر تتطلبان وقتا لا يقل عن ستة أشهر، أي ما يقارب عاما دراسيا كاملا ليتمكن الطلاب من إتقان المهارات فيها".

الأزمة الاقتصادية

وبحسب مصادر رسمية فإن (317000) طالب، من أصل (1.2) مليون طفل فلسطيني في سن المدرسة تعاني عائلاتهم من ضائقة مالية، وخاصة في قطاع غزة الذي تسوده أوضاع الفقر، ما اضطر الكثيرين منهم للالتحاق بسوق العمل المعدوم أصلاً.

وتشكل الأوضاع المادية الصعبة لغالبية الفلسطينيين وقلة مصادر الدخل السبب الرئيس وراء حرمان آلاف الأطفال وحتى الشباب من التعليم، خاصة في ظل ارتفاع الأقساط بالنسبة للتعليم الجامعي.

وتعتبر المعيقات الاقتصادية من أهم عوامل إحجام الطلبة عن إكمال دراستهم في الجامعات.

وحول ذلك تشير الطالبة آيات من مدينة رام الله  الى انها  حصلت على معدل مرتفع في الثانوية العامة أهلها لدخول كلية الطب في جامعة القدس، لكنها لم تسجل لعدم توفر الأقساط الجامعية العالية جدا التي تصل الى أكثر من 90 دينارا في الساعة الواحدة، بالإضافة إلى أسعار الكتب المرتفعة والأدوات التي يحتاجها طلبة الطب".

آيات التي يعمل والدها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام "48" تقول:" أبي رغم عمله المتواضع يصر على إكمال تعليمي بكلية الطب ولكن الأوضاع المتردية تمنعه من التواصل بعمله ورغم توافر التصريح معه الا انه غالبا ما يمنع من العمل في مدينة القدس المحتلة ، وهذا عائق في طريق إكمالي للتعليم".

ممارسات الاحتلال

كم تمثل ممارسات الاحتلال بصورة عامة عقبة في وجه المسيرة التعليمية للشباب الفلسطيني، فالطالب فخر عبد الرحمن الذي تخرج منذ فترة وجيزة من جامعة بيرزيت بكلية التجارة قال لـ"فلسطين": "إنه تخرج من الجامعة بعد 6 سنوات من الدراسة ليس لإهماله أو لتقصير منه، بل لأنه اعتقل أكثر من عام ونصف في سجون الاحتلال مما اضطره الى سحب الكثير من الفصول الدراسية.

ويضيف:" الاحتلال ينغص علينا حياتنا، (...) ما بين فترة واخرى يطلبني للمقابلة ، وذلك لإعاقتي عن مسيرتي التعليمية.

وحتى يومنا هذا لا يزال الأطفال الفلسطينيون "الأسرى" محرومين من حقهم في التعلم، حيث يتلقى بعضهم التعليم من زملائهم البالغين، دون توفر مناهج دراسية فلسطينية أو أي كتب دراسية، ودون مراعاة للسن والفروقات الفردية بينهم، هذا في حال جمعهم السجن مع من هم أكبر منهم، أما الأطفال المعزولون في سجن "تلموند" الاسرائيلي الخاص بالقاصرين (10 – 14) عاما فلا يتلقون تعليما على الإطلاق. 

الطالب اشرف حمدان من مدينة رام الله والذي يدرس في مدرسة رام الله الثانوية يقول: "إنه يواجه مشكلة أخرى بسبب ممارسات الاحتلال غير الاعتقال، وهي صعوبة وصوله من قريته "سنجل" الى مدرسته في مدينة رام الله، مبينا أن الجنود يتعمدون تأخير المسافرين عند حاجز عطارة خاصة أيام الامتحانات".

ناقوس الخطر

آخر التقارير والدراسات تتحدث عن وجود حوالي 124 ألف أمي فلسطيني، بحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث شكلت النساء النصيب الأكبر من الأميين بنسبة 77%.

ويقول أستاذ الإحصاء رياض بركات 45 عاما من مدينة جنين:" إن الواقع التعليمي الفلسطيني لم يعد ذاك الواقع الذي يمكن أن يفاخر به الفلسطينيون غيرهم من الشعوب والأمم"، مضيفا أن أطفالنا ومدارسنا تعاني بصمت من تراجع مذهل في مستوى التعليم.

ويبين بركات أن عوامل خارجية، كالاحتلال وممارساته، ساهمت بالتأثير على مستوى التحصيل الأكاديمي للطلبة، لكنه في ذات الوقت يرفض حصر الأسباب في تلك العوامل"، معبرا عن قناعته بأن ما يعيشه مجتمعنا من تراجع تعليمي يقف وراءه خليط من الأسباب، والعوامل التراكمية التي أدت إلى هذا الانحدار.

ويضيف:" بالأساس من يتحمل المسئولية الأكبر، هم القائمون على الوضع بشكل عام من الأسرة وحتى المدرسة والجامعة وحتى المناهج نفسها".

حتى في الجامعات

بيد أن آخرين يرون أن المشكلة تكمن بالدرجة الأولى في طبيعة الطالب الفلسطيني، مستندين في ذلك إلى تراجع مستويات الطلبة حتى في الجامعات.

ويشير الطالب جمال عبد القادر من الجامعة العربية الأمريكية أنّ المشكلة ليست مقتصرة على طالب أو مجموعة من الطلبة، ولكنّها أصبحت ظاهرة متجذّرة في نوعية التعليم الفلسطيني، فهناك طلبة في السنة الرابعة الجامعية ما زالوا يخطئون في الإملاء، ليس بالانكليزية، ولكن بالعربية، وهو ما يشير الى أن هناك ثغرات مقلقة في التعليم يجب تجنبها.

ويتساءل:" الجامعات لا تقدم ذات المنهاج التعليمي الفلسطيني المعروف، ومع ذلك هناك تراجع في مستويات الطلبة بشكل عام، فهل المسئولية مسئولية منهاج؟؟".

نتائج مقلقة

الأستاذ عاصم خليل قال:" إن النتائج التي حققتها فلسطين في امتحاني الرياضيات والعلوم الدوليين، وذلك ضمن ما يُطلَق عليه "دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات" TIMSS ، التي تُشرِف عليها الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي بمشاركة 49 دولة ونظاماً تربوياً، من كلّ أنحاء العالم، منها 13 دولة عربية، كانت لا تبشر بالخير، حيث إنّ مجتمع الدراسة مثّل طلبة الصف الثامن وكانت مشاركة فلسطين في سلسلة دراسات (TIMSS) بـ155 مدرسة، مثّلت جهات الإشراف الثلاث الحكومية، وكالة الغوث، الخاصة، في حين بلغ عدد الطلبة الذين طُبِّقَت عليهم الدراسة خمسة آلاف طالب وطالبة، فقد جاءت النتائج مرعبة لتحصيل طلبة فلسطين في الرياضيات والعلوم، جاء ترتيب طلبة فلسطين في المرتبة 43  من أصل 49  دولة مشاركة!! ووفق الدراسة، فإنّ 1% فقط من طلبة الصف الثامن الفلسطينيين بلغوا المستوى الدولي المتقدِّم.

محاولة إنقاذ

مختصون في مجال التعليم في رام الله يرون أن أسبوع العمل العالمي للحملة العالمية للتعليم في 21-27 نيسان 2009 هو فرصة في فلسطين لإثارة نقاش جدي حول أمور التعليم لدينا ولا سيما أزماتنا التعليمية ومشاكلنا التي تواجه بيئتنا التعليمية والتي يبرز منها أعداد الأميين ونسب التسرب وانخفاض المستوى الأكاديمي ومستوى التحصيل العلمي  بشكله العام.

المعلم رجى عطياني 44 عاما من رام الله واحد المنتمين إلى ائتلاف تعليمي يرى انه يجب التركيز في عام 2009 على محو الأمية لدى الكبار معربا عن أمله في التمكن من حشد أكبر عدد ممكن من المشاركين في حملة "افتحوا الكتب افتحوا الأبواب" ونأمل أن تتبنى التحالفات الحدث وأن تستخدمه كأداة للتأثير على السياسيين وصناع السياسة لجعل محو الأمية وتوفير التعليم الجيد للشباب والكبار إحدى الأولويات الهامة.

من المسؤول

حال مجالس الآباء والمعلمين والمهتمين يتساءلون: مَـن الجاني.. بحقِّ التعليم الفلسطيني؟!.. 

فعلى النقابات تحمّل جزء من المسؤولية، وربما أكثر من جزء.. كلُّ يوم إضراب غير مبَرَّر، هو مسمار يُدَقُّ في نعش التعليم الفلسطيني،أمّا المجتمع، فيتحمّل جزءاً كبيرا من المسؤولية، لأنّه يقصي نفسه، بشكل سلبي، عن كلِّ ما يساهم في دماره..!

 

وقال المعلم زياد النوباني :"على كل مسئول و مواطن زيادة اهتمامه ، وإيجاد حلول جدية وشاملة لواقعنا التربوي التعليمي(..) أمّا وسائل الإعلام و الصحافة؛ فعليها واجب وطني وإنساني، بفتح تحقيقات معمّقة عن أسباب تراجعنا التعليمي، وكشف العيوب والخروقات، والقرارات غير الصائبة، التي أوصلتنا إلى هذا الحال.