خبر القمة العربية: تحديات وتهديدات ..بقلم: د.ناجي صادق شراب

الساعة 09:10 م|22 مارس 2009

      

بقمة الدوحة يكون العرب قد عقدوا خمسة وثلاثين قمة ما بين عادية وطارئة.. وتتفاوت أهمية هذه القمم حسب الظروف والتحولات الإقليمية والدولية التي تسبق عقد أي قمة، ومع ذلك ما زالت حالة العلاقات العربية العربية ليست أفضل مما كانت عليه عند عقد القمة التي سبقتها. والمعضله لا تكمن في عدد القمم فما زالت القمم تعقد بشكل دوري وهذا في حد ذاته إنجازا يسجل لمؤسسة القمة العربية، ولم تنقصهم القرارات التي صدرت عن هذه القمم والتي عالجت معظم القضايا العربية وفي مقدمتها الإستجابة اللفظية لمتطلبات الأمن القومي العربي، وآخرها قمة الكويت التي خصصت للقضايا الإقتصادية والإجتماعية.

 

ولقد عكفت طوال الأيام القليلة السابقة على دراسة هذه القمم وما خرج عنها من مقررات، بدءا من قمة أنشاص التى عقدت عام 1946 وحتى قمة الكويت ألأخيرة التى عقدت هذا العام وطغت عليها الحرب الإسرائيلية على غزة لتؤكد من جديد أن القضية الفلسطينية ستبقى محورية وفارضة نفسها على أجندة القمم العربية. وقد خرجت من هذه القراءة السريعة بالسؤال التالي: ما جدوى عقد القمم العربية إذا لم تحقق الأهداف المرجوة منها؟ وما قيمة هذه القمم وفي كل مرة يقاطعها أحد الرؤساء أو الملوك العرب؟ وما جدوى القرارات التي تصدر دون أن يلمس نتائجها المواطن العربي العادي لتترجم إلى سياسات تكاملية قد تقود إلى حالة من الإندماج على غرار التجربة الأوروبية التي قد سبقها العرب بجامعتهم وقممهم؟

 

وقبل أن أناقش قمة الدوحة القادمة وماذا نتوقع منها، أود أن أشير إلى "قمة أنشاص" التي عقدت كما أشرنا فى عام 46، و"قمة بيروت" لمناصرة مصر عام 56، وأيضا "قمة القاهرة" عام 63 والتي قد يعتبرها البعض أول قمه عربية حقيقية. ففي "قمة أنشاص" والتي حضرها وقتها سبع دول عربية، وهي الدول المؤسسة للجامعة العربية، تم التأكيد فيها على أن القضية الفلسطينية هىي قلب القضايا القومية، وضروة الوقوف أمام إسرائيل بإعتبارها خطرا يداهم كل الدول العربية والإسلامية، والعمل إلى تحقيق إستقلال فلسطين، وغير ذلك من القرارات ذات الطابع القومي. وفي "قمة بيروت" 56 وحضرتها تسع دول عربية والتي أكدت على مساندة مصر في أعقاب العدوان الثلاثي، أما في قمة القاهرة لعام 64 والتي دعا إليها الرئيس الراحل عبد الناصر والتي تعتبر من القمم المصيرية والفارقة بين القمم العربية، تم التأكيد فيها على أهمية الإجماع العربي وتصفية الخلافات وتحقيق المصالحة العربية وإعتبار إسرائيل خطر أساسي يجب دفعه سياسيا وإقتصاديا وإعلاميا.. وفي تلك القمة وضعت النواة الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تتعرض الآن للذوبان والإنصهار، وهذه المرة على يد أبنائها..!!

 

أكتفي بهذه القمم الثلاث للتأكيد على أن الإدراك بخطورة القضايا العربية كان قائما وقويا، والكل يتحدث عن هذه المدركات العربية والأخطار التي تتهدد الشخصية العربية والنظام الإقليمي العربي كله، ومن هنا التساؤل لماذا فشلنا في المضي قدما في مسيرة التكامل وإصلاح هيكلية الجامعة العربية لتتحول فعلا إلى إطارا مؤسسيا فاعلا للعلاقات العربية. فبعد هذه السنوات الطويلة من العمل العربي نجد تراجعا واضحا في مستوى هذه العلاقات، وتراجعا واضحا في مصداقية وشفافية العلاقات العربية، وتأصيلا قويا للنزعة القطرية التي كان يفترض أن تختفي ويتم تغليب النزعة القومة العربية مع الإحتفاظ بخصوصية كل دول عربية لكن ليس على حساب المصلحة القومية العربية، وإنكشافا واضحا للنظام الإقليمي العربي أما بتغلغل ونفاذ المؤثرات الخارجية للقوى الإقليمية كإيران وتركيا وحتى أثيوبيا، ناهيك عن التغلغل والنفاذ الدولي للولايات المتحدة الأمريكية الذي وصل إلى درجة غير مسبوقة في تطور الإستراتيجية الأمريكية لدرجة أن الدولة العربية التي ستعقد فيها القمة العربية القادمة لها فيها الولايات المتحدة تواجدا عسكريا قويا، أي أن الولايات المتحدة في هذه المرة لها تواجدا داخليا في العديد من الدول العربية، وتعقد هذه القمة ووضع القضية الفلسطينية  في أسوأ حالاتها بسبب حالة الأنقسام التي أوجدها الفلسطينيون بصراعهم على السلطة والحكومة الفلسطينية بدلا من القضية الفلسطينية.

 

وتعقد قمة الدوحة والخلافات والخصومات العربية على أشدها، هذا على الرغم من المحاولات المسؤولة التي يبذلها خادم الحرمين ومحاولاته تنقية الأجواء العربية من الغبار الذي غطى على سماوات الدول العربية وجعلها لا ترى إلا نفسها ومصالحها فقط حتى لو جاءات على حساب المصلحة العربية..!! 

 

وتعقد هذه القمة أيضا في ظل تراجع لدور المواطن العربي الذي وجد نفسه منغمسا وغارقا في الأزمة المالية العالمية التي بددت كل أمواله، فهو غير معني إلا بالقرارات التي قد تعيد له بعض مخاسره. كل هذا وإسرائيل ماضية في سياسة التهويد للأرض الفلسطينية، ومصادرة القدس عاصمة المسلمين، وماضية في محاسبة نفسها داخليا عن كل حرب تقوم بها مرة ضد لبنان ومرة ضد الفلسطينيين، وبهدوء تجري إنتخاباتها لتشكل حكومة يمينية آخذة مصلحة إسرائيل على ما دونها من مصالح، وماضية في إستعدادها لمواجهة القدرة الإيرانية النووية..

 

وتعقد القمة وإيران الجار القوي يتحدى العالم كله في تطوير قدراتها النووية لكي تصبح قوة نووية وتتحول إلى قوة إقليمية بارزة متحكمة في المنطقة حتى لو جاء ذلك على حساب النظام العربي برمته، وهذا ما يفسرلنا سعي بعض الدول العربية للبحث عن مصالحها في تحالفات إقليمية وليس تحالفات عربية.

 

وتعقد القمة العربية أيضا والفلسطينيون غير قادرون على مصالحة أنفسهم، لأنهم إستسهلوا سياسة الإستقطابات الإقليمية والدولية لاتها تعود بالنفع والمصلحة على مستوى كل فصيل فلسطيني، وليس المهم مصلحة القضية التي يدرك الجميع أنهم لن يحرروا الأرض الفلسطينية بسياساتهم وصراعاتهم الداخلية.

 

وتعقد القمة في قطر التي بدأ دور دبلوماسيتها يجدي نفعا على مستوى بعض الصراعات العربية، لكنها في الوقت ذاته احدى بؤر التوتر العربي وتحكم علاقتها قدرا ليس قليلا من التوتر والخلافات مع  دول عربية أخرى.

 

ولا ننسى أن نذكر أن هذه القمة تعقد والعراق تتعرض عبر سياسات معلنة وغير معلنة مهددة بالتفكك والإنقسام وهو الخطر الذي قد يتهدد وحدة العديد من الدول العربية وخصوصا الكبيرة وحتى الصغيرة ليست بمنأى عن ذلك. وهناك الخطر الذي يتهدد السودان وقرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال الرئيس السوداني البشير رغم توجيه دعوة له بالحضور دون تقديم ضمانات بعدم إعتراض طائرته لأن القمة العربية لا تملك ذلك. في كل هذه الأجواء تعقد القمة العربية القادمة في الدوحة، ويبقى السؤال هل قمة الدوحة هي الحل.

 

* استاذ العلوم السياسية في جامعة الآزهر- غزة.