خبر يتعرضون لضربات على الرأس .. هآرتس

الساعة 11:55 ص|22 مارس 2009

بقلم: امير اورن

في الجيش الاسرائيلي وفي المخابرات وصفوا الامر في نهاية حزيران 2006 بانه "جاء بسرعة". وقصدوا الحدث المتوقع لتسلل الى اسرائيل من خلال نفق في جنوب قطاع غزة، في مكان ما على طول عشرة كيلومتر، للقتل او الاختطاف. استعدوا ولكن استعدادهم لم يكن كافيا، دون نجاح، وقد جاء. قتيلان ومخطوف واحد لم يعد الى الديار، وليس بسرعة.

ما حصل هذا الاسبوع كان مجرد الذروة الزمنية للاهانة. في البداية "انذار" رئيس الوزراء ايهود اولمرت لحماس – ربما الحالة الاولى في تاريخ الاختطاف في العالم، حيث يطرح المختطف انذارا للخاطف. بعد ذلك، حركة احتجاجية من الوزراء وعلى رأسهم وزير الدفاع ايهود باراك ، ضد انفسهم. واخيرا، الوقفة العزيزة لاولمرت ضد سلوكه هو في الايام السابقة. اخيرا وجد اولمرت شعار لحكمه الفاشل: "لا صفقة".

مؤهلون نظريا فقط

قصة اختطاف وحبس جلعاد شليت حتى الان هي خلاصة قصة اسرائيل في بداية القرن الواحد والعشرين: مجتمع فقد يقظته وسلم اولوياته وخبرته في التنفيد؛ منظومة تصر على ان تطبق وجهة نظرها على خصومها، ولهذا فانها تجد صعوبة في التصدي لهم؛ دور سياسي واعلامي انتقل من لعبة دور الى التدخل مما ادى الى الحد الاقصى لحضور المجرب الذي يغير نتائج التجربة.

لقد اقامت اسرائيل السلطة الفلسطينية لغاية مزدوجة: كي تضع حدا للعنف الفلسطيني ضدها – وكان هذا تعهد صريح من ياسر عرفات، لولاه لما وقع اسحاق رابين اتفاقات اوسلو – ولاقامة عنوان مركزي ومسؤول. هاتان الغايتان لن تتحققا. الفلسطينيون حصلوا على الاراضي وعلى قواعد اطلاق الصواريخ، امكانية التسلح، اذن عملي من اسرائيل لمواصلة الحرب ضدها، والتسليم بضعف الحكم في رام الله وفي غزة في فرض امرته على منفذي العمليات على انواعهم.

خط اولمرت على طول الحدود مع غزة، بعد اخلاء المخربين والجيش من القطاع في صيف 2005، كان معوجا في منطقه مثل خط برليف على طول خط قناة السويس. وكان اكثر هزالا من ان ينفذ مهمته المعلنة، حماية الجبهة الداخلية المدنية وذلك لان الحكومة حظرت على قيادة المنطقة الجنوبية خلق عمق متقدم في الحزام المحاذي للجدار، داخل المنطقة الفلسطينية؛ ولان الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع استخفا بالحاجة الى التزود لحالة الطوارىء بمنظومات للعثور على الانفاق "ولاسقاط الصواريخ". ومثل الاستحكامات التي لم تخلى بعد العبور المصري وجنودها قتلوا او اسروا، فان الوحدات على خط اولمرت طلب اليها ان تدافع عن نفسها ضد القتل او الخطف. ولهذا كان طاقم الدبابة الذي انتمى اليه شليت مؤهلا نظريا فقط.

العامل الفوري، على حد قول ضباط قاتلوا في لبنان وفي غزة كان خلل مهني في استخدام القوات المدرعة: فالوسائل التي كان يفترض بها ان تحمي الطواقم من اشتعال الدبابة في اثناء اصابتها وان كانت تؤدي غايتها كما ينبغي، ولكن لذلك يصبح فضاء الدبابة محيطا مليئا بالغاز او الدخان لدرجة تعريض حياة الطاقم للخطر – اذا ما بقي في الدبابة او اذا ما فر خارجها الى اذرع العدو.

سبب أكثر جذرية هو الاولوية التي يعطيها الجيش الاسرائيلي لنوعية المقاتلين في الوحدات البرية المختلفة، دون التوازن السليم. قوات خاصة وكتائب دورية اكثر مما ينبغي يمكن منها تشكيل ثلاثة ألوية اضافية، وبعد ذلك مظليون ومشاة نظامي في ألوية اخرى، على حساب توزيع النوعيات على منظومات اخرى – المدرعات، الهندسة، المدفعية (التي لحظها وجه اليها بعد حرب يوم الغفران اولئك الذين رفضوا من دورة الطيران ممن هم على مستوى أعلى من المشاة وغيرها.

وينشأ هنا أن الوحدات التي تعتبر في الجيش الاسرائيلي مختارة، اذا ما استخدمت لغاياتها على الاطلاق، تبقى للعمليات الهجومية والمبادر اليها، فيما أن مهمات الدفاع، التي  تفترض ظاهرا منتصبين فقط ولكن تبدو احيانا اكثر مصيرية، ترابط قوات مؤهلاتهم لحماية أنفسهم اقل من مؤهلات الوحدات المختارة؛ ولخريجي الوحدات الخاصة على انواعها تعزو المخابرات تفوقا كحراس. فرصة جلعاد شليت ورفاقه في النجاة، ليس كجزء من قوة مدرعة بل مع سلاح شخصي حيال خلية استرقت طريقها وهاجمت الدبابة، كانت مسبقا أقل من فرصة تكون لطاقم من شلداغ، غلان او اغوز، تلك الوحدات التي لم ترابط في كرم سالم.

النوعية حيال الكمية

هذا الجمود الفكري يبرز جدا على خلفية القول المتكرر في الجيش عن "الحرب غير المتوازية". في حماس، في حزب الله وفي منظمات اصغر يتدربون على اعمال التفجير والصواريخ، وهي تدريبات موازية في الجيش الاسرائيلي للهندسة ولمضادات الطائرات هزيلة القيمة، والتي يرفض الانضمام اليها مجند ابن 18 يحلم بان يكون قائد لواء ورئيس اركان. المنظمات الاسلامية المتزمتة توجه أفضل فكرها الابداعي نحو القطاعات الاكثر اهمالا في الجيش الاسرائيلي، نسبيا؛ ومن هناك الثغرات في الدفاع.

المقاتلون الذين يشاركون في الحملات الخاصة عميقا خلف الخطوط، في اذرع الجو، البحر، والاستخبارات يعرفون ماذا ينتظرهم، وكم هو كبير حجم الخطر في ان يحاصروا من العدو واي منظومة معدة لانقاذهم، ولكن دون ضمان النجاح. وهم يفهمون بانه الى جانب الموت والاصابة، فانهم يخاطرون بالاسر. وفي الغالب فانهم يجتازون سلسلة تعلم على الاسر، لاعداد معين. ليس هكذا الجنود الاخرون؛ بالنسبة لهؤلاء الاسر هو صدمة لم يُعدوا لها ابدا.

بعد 60 سنة من الاسر، الذروتان فيها كانتا في حرب 1948 (885 اسير اسرائيلي) وحرب يوم الغفران (413)، مع خبرات مختلفة لدى آسرين مختلفين (السوريون كانوا أكثر وحشية من المصريين والاردنيين)، يخيل أن في قضية شليت ليس الاسر بذاته هو الاساس، بل ستار انعدام اليقين. لو احتج شليت في حبس عادي، في ظروف الشفافية، الزيارات والاتصال غير المباشر مع عائلته، لما كانت المساومة تبدأ في اجواء اعلامية وجماهيرية على هذا القدر من الصخب. وهذا بالطبع، بالضبط السبب في انه يخفى ويوجد على مسافة قصيرة من الاصابة، واحد الاخفاقات الاسرائيلية الاساس كان الاستعداد لاجراء المساومة قبل نقله الى شروط أسر مناسبة.

لقد امسك الفلسطينيون أخيل بعقبه حتى بمفاهيم اخرى. اسرائيل، كمجتمع غربي، يريد نتيجة. بالنسبة للفلسطينيين المسيرة هامة تقريبا بذات القدر. اسرائيل ترى في الصفقة لقاء، ليس بالضرورة في الوسط، بين مواقف مساومة من الطرفين؛ الانجاز المطلوب هو تسوية يمكن احتمالها وان كانت اقل نجاحا من الموقف الابتدائي. اما عند الفلسطينيين فان احد الاهداف يمكن ايضا ان يكون تعذيب اسرائيل بمواصلة المساومة وتصلبها. اهانة اسرائيل في ضوء بيان رفض الطرف الفلسطيني التراجع في المساومة عن مواقفه، مهمة بقدر لا يقل عن عدد السجناء الذين سيحررون – فالجوهر كامن في مبدأ التحرير، وليس بالعدد التعسفي.

للمفتاح المنسوب لصفقة جبريل لا يوجد معنى حقيقي. الجنود الثمانية الذين كانوا يمكثون في نقطة المراقبة في بحمدون، في ايلول 1982 وزعوا بين منظمتين فلسطينيتين. بعد 14 شهرا اعادت فتح 6 منهم مقابل نحو 100 مخرب حبسوا في اسرائيل و 4.500 معتقل في معسكر انصار في لبنان. وبعد سنة ونصف اخريين، تلقت اسرائيل من أحمد جبريل على الاسيرين المتبقيين من بحمدون وحازي شاي من سلطان يعقوب، مقابل 1.150 مخرب ادينوا وحبسوا في اسرائيل. متى كان الثمن اعلى من ذلك؟ كيف يمكن وزن النوعية حيال الكمية؟ وفي صفقة شليت فان التركيز على 130 سجينا رفضت اسرائيل تحريرهم، الفارق بين الطلب والخضوع، هو تبجح فارغ ومضلل حيث أن اسرائيل خضعت ووافقت على تحرير 320 من اصل 450.

تفكير متوحش

بعد الفشل السياسي والفشل الحزبي والفشل في الاستعدادات حول غزة والفشل في احباط الاختطاف والفشل في تأهيل القوة، يبرز فشلان كبيران آخران في الالف يوم الاولى لاسر شليت: في خلق الظروف لحملة انقاذ تبقي شليت حيا، وفي اختطاف زعماء من حماس مقابلهم يمكن ادارة مساومة اكثر عقلانية. هذا ايضا انجاز كبير لحماس: في المستوى المقرر في اسرائيل نشأ انطباع، بقدر كبير من الصحة، بان هذين البديلين من شأنهما أن يلحقا الضرر مما يحققا من منفعة.

حالة خيبة الامل في وحدات مثل "يمم" الخاصة في حرس الحدود، وحدة البحرية 13 وسييرت متكال (وحدة الاركان) – التي تدربت لسيناريوهات كهذه حتى قبل أن يولد جلعاد شلت، وانتظرت بالتأكيد للاذن كي تمتشق الجندي من مخبئه، فقط اذا ما وصلت معلومات كاملة، وفقط اذا ما صدر الاذن – لم تبرر بحد ذاتها مخاطرة غير معقولة.

في عنتيبة التي خرج اليها دان شومرون وقوات سلاح الجو، سييرت متكال، المظليون وغولاني بعد أن سبق لحكومة رابين ان خضعت لمطالب الخاطفين ولكنها تراجعت فوافقت على محاولة القيام بعملية عسكرية، اخذ بالحسبان عدد كبير من القتلى، ربما عشرات، من اوساط المنقَذين والمنقِذين، ولكن وفقا لهذا الحساب كان يمكن لنحو 200 مدني ان ينجوا من خطر الموت. في قصة شليت، عندما يكون من الاسهل الاقتراب ولكن اصعب بكثير المفاجأة، فان تفكير المقررين اكثر وحشية: كل من يهدد بتحقيق أقل من مائة في المائة من النجاح ليس مقبولا إذ هذه المرة ايضا يمكن أن نتلقى نسبة معينة من الاصابات بين قوة الانقاذ، ولكن ليس اذا ما اصيب المنقَذ نفسه اصابة شديدة.

هذه هي المعادلة التي كانت مكشوفة للجميع منذ البداية. وعليه يسترق الاشتباه في أن خطاب اللا صفقة لاولمرت يرمي اساسا لان يعد مسبقا العذر لفشل عملياتي، اذا ما حصل: خفنا من عملية، فضلنا الا ننفذها ولكننا دفعنا اليها بسبب عناد حماس.